سيؤدي المسرح رسالته ومهمته
لم نكن على موعد معه، لكنه ومنذ سني عمره الأولى التي تفتحت على النكبة واللجوء كان على موعد مع فلسطين، منتظرا موسم حصاد في صفورية، تلك البلدة التي تختزل الحكايا والأسماء والاساطير، موطن ام السيدة مريم العذراء، كما يقول في كل مناسبة، الفنان العربي الفلسطيني عبدالرحمن أبو القاسم، بمسيرته الفنية العالية والمميزة، من ناد ثقافي في أحد المخيمات الفلسطينية في سوريا إلى صدارة المشهد الفني العربي، يحمل المسرح صليبا، مناديا بالحرية و فلسطين، " شارحا ومبينا ومفصلا لماهية القضية الفلسطينية المعقدة والقضايا العربية" كما يقول في لقائنا معه، ولأنه مجبول بالمسرح فيظل رغم طريق الآلام " محكوما بالأمل" يرى بعين الفاحص والناقد، لا المتفرج، لذلك لم يستاء كثيرا عندما رأى دورية الاحتلال في رام الله، لكنه أيقن أن هذه الدورية كان يمكن أن تكون جيشا يجتاح المدينة لولا نضالات شعبها.ِ
- الفنان عبدالرحمن أبو القاسم لجأ إلى التلفزيون ولم يهجر المسرح، هل هو وفاء للمسرح "الباني للشخصية" كما تسميه؟
* بالأساس سمي المسرح بأبو الفنون، لأنه شامل عام في كل شيء، بالتالي الذي لا يبدأ من المسرح لا يعرف إلى أين سينتهي.
– إلى أي مدى قادر أن يعبر المسرح عن القضايا المجتمعية؟ في ظل كل ما يحدث من ثورات تكنولوجية، وربيع وأزمات عربية.
* بالتأكيد المسرح قادر، فهو مدرسة، لكن المشكلة مهما شاهدك من جمهور تظل فئة قليلة جدا ونوعية مقارنة بالتلفزيون، وهذا ينسحب أيضا على السينما حاليا التي باتت تفقد جمهورها، فالتلفزيون يتيح لك أن تصل إلى البيوتات، و أن تصل إلي الشخص وهو جالس في سريره، بالتالي يظل انتشار التلفزيون أوسع.
* ولكن بهذا الجمهور القليل هو غير قادر على ايصال رسالته؟
– قبل التلفزيون كان المسرح يحمل على كاهله هذه المهمة، كما ذكرت المسرح جمهوره قليل، فأي قاعة مسرح لن تتسع لأكثر من 1000 شخص في أحسن حالاته، واذا افترضنا أنك ستعرض العمل شهرا كاملا فلن يشاهدك أكثر من ثلاثين أو اربعين ألفا، وهذا عدد قليل قياسا مع المجتمع الذي تعيش فيه،
- عودة لسؤالنا في ظل التطور التكنولوجي الذي بات على حساب جمهور المسرح هل سيظل المسرح قادر على ايصال رسالته؟
* عندما يكون هناك جرية جقيقية، ومقص الرقيب بعيدا عن أوراق العمل المسرحي، يستطيع المسرح أن يوصل رسالته، ذكرت قبل قليل أن جمهور السرح على الاكثر ثلاثين او اربعين الفا، ولكن هذا العدد عليك ان تضربه باضعافه، لأن كل متفرج اذا خرج بانطباع ما من العرض المسرحي يستطيع أن ينشر هذا الانطباع والافكار والرؤى إلى اضعاف مضاعفة من الناس، من هنا يستطيع المسرح أن يلعب دورا مهما، قد يكون دورا متواضعا لكنه يشكل حالة في الحراك الفني والأدبي.
- يمكن أن يسمى المسرح ببرلمان الشعب؟
* لا أريد أن أكون متحيزا للمسرح لأني مسرحي، ولكن ليس وحده من يستحق هذا اللقب، التلفزيون برلمان للشعب والسينما أيضا، عندما تتوفر الحرية للعاملين في هذه المجالات ويستطيعون أن يقولوا ما يريدون، ويعبروا عنه بصدق متناولين قضايا تخص المجتمع.
* عبدالرحمن أبو القاسم قلت في احدى المقابلات أن هناك ربيع دراما عربي قادم، هل أنت متفائل بهذا الربيع الدرامي، وماذا سيغير؟
– الربيع الذي نشهده الآن اتى بنتائج سلبية على المسرح في الوطن العربي كله، بحيث لم يعد هناك من العروض المسرحية ما يكفي أن تعالج قضايا هذه المجتمعات، لا سيما في بعض البلدان التي لم ما زالت في طور الربيع الذي لم يزهر بها حتى الآن، هناك احجام عن تقديم عروض خوفا من أن ينال هؤلاء المسرحيين لا أريد أن اقول ظلم، ولكن يبدو ان السلطات ما زالت حريصة على ديمومتها وصيرورتها.
- من ضمن ما دعوت إليه كان مسرحا اسلاميا، لماذا؟ هل هي رؤية فنية جديدة؟
* يا أخي هذه التهمة التصقت بي من خلال اعلاني عن العودة إلى التاريخ الاسلامي، لم أستطع أن اتخلص منها حتى الآن رغم دحضي لها في الكثير من اللقاءات، في ذلك اللقاء الذي تقول فيه الصحفية على لساني اني ادعو الى مسرح اسلامي، قلت أن هناك شخصيات في تاريخنا الاسلامي يجب أن نتوقف عندها كمحطات وأن نسقطها على واقعنا.
- في الحديث عن الاسقاط التاريخي نعود إلى مسرحيات قديمة لأبو القاسم " كثورة الزنج" للشهيد معين بسيسو وغيرها، إلى أي مدى ترى انكم نجحتم في طرح القضية الفلسطينية والقضايا القومية؟
* منذ سني الوعي في المسرح، وأنا بدأت بالعمل منذ العام 1954، عندما انشات وكالىة الغوث في المخيمات الفلسطينية ما يشبه الأندية كل ما قدمناه من أعمال مسرحية كانت لها علاقة بالسياسية، سواء كان اسقاطا سياسيا أو سياسيا مباشرا، أنا لا أذكر أني قدمت عملا مسرحيا بعيدا عن فلسطين أو القضايا العربية، أنا أحمل المسرح صليبا على كتفي، ومشروعي الوطني هو أن أقدم مسرحا يحاكي الواقع العربي والفلسطيني مبينا وشارحا ومفصلا لماهية المسألة الفلسطينية المعقدة، فلسطينيا نحن آخر موقع استعماري في العالم ونحن نعيش آخر احتلال في العالم، أمامنا ترامات عديدة وعلينا ان نناضل عنا وعن غيرنا ممن هم مشروع مستعمرات، أمامنا مشروع كبير ومهام كبيرة ومن الضرورة أن نسيس حركتنا المسرحية وقصيدتنا الشعرية وروايتنا الادبية، وهذا كله يلاقح بعضه البعض، هذا مشروع وطني وليس المسرحي وحده هو المسؤول عنه.
- هل تعتقد أننا نمتلك هذا التراكم الفني عبر الأجيال لنبني عليه؟
* لا شك، نحن الىن في رام الله، ويسعدني أني هنا للمرة الأولى، اليوم وبمحض الصدفة شاهدنا عربتين اسرائيليتين تقتحمان مدينة رام الله، فسألت مضيفي كيف يدخلون، قال لي " انهم يدخلون ويخرجون متى يشاؤون" أنا شاهدت عربتين عسكريتين، لولا هذا التراكم النضالي لشاهدنا المئات من العربات العسكرية، نضال شعبنا قلص هذا العدد من العربات، اليوم وعلى تلفزيون فلسطين شاهدت لقاء مع أحد المسؤولين الاسرائيليين، يتحدث عن ايقاف عدد من المتضامنين الأجانب في المطارات، هذا الحراك لا ياتي من فراغ، بل هناك قاعدة يستند إليها، وهي الشعب الفلسطيني الذي استطاع أن يوصل قضيته إلى العالم بأسره، 132 دولة في العالم اعترفت بالدولة الفلسطينية وحق هذا الشعب في الاستقلال، هل جاء كل ذلك من فراغ؟ لا أعتقد ذلك، وللفن علاقة جدلية بهذه المسألة والفن والأدب والثقافة صنوان بهذه المسألة.
- كيف ترى المشهد الفني والثقافي الفلسطيني في فلسطين والوطن العربي؟
* المشهد الثقافي الفلسطيني في الوطن العربي يكمل بعضه البعض، أنا شاهدت العديد من المسرحيات الفلسطينية من القدس وال48 والضفة جاءتنا إلى سوريا وغيرها من البلدان العربية، وقدمنا نحن في الشتات الكثير من لااعمال المسرحية، بعيدا عن الأنظمة العربية هناك حراك فني وثقافي ومعرفي يصبكله في زاوية تحرير الأرض والانسان والوصول بالشعب الفلسطيني إلى حالة من الاستقرار والتوجه نحو العالم برؤية جديدة وأفكار جديدة، بلا مبالغة نحن شعب خلاق واستطعنا أن نقدم رغم الاحتلال رؤية جديدة للعالم، وكوننا نساهم في اضاءة العالم من خلال عطاءاتنا.
- بماذا تحدثنا عن عملك المسرحي " المونودراما" الاخير " بيان شخصي" وهل صحيح أنك تنوي اعتزال التلفزيون؟
* لا هذه اشاعة، بيان شخصي مسرحية كتبتها وشاب من جبل العرب، اسمه مؤنس حامد، وهي مونودراما قدمتها في دمشق من خلال نشاط القدس عاصمة الثقافة العربية، وعرضت بمهرجان المونودراما باللاذقية، وفي الفجيرة بمهرجان المونودراما وفي الجزائر، أما عن موضوع الاعتزال أنا لا اعتزل المسرح ولا التلفزيون، أنا الآن بلغت السبعون عاما، وطالما أستطيع أن أصعد على خشبة المسرح لن أتوانى، وطالما بي نفس يساعدني ويعينني أن أعمل بالدراما، لن اتوانى عن ذلك، هذا مشروعي الثقافي والفني أتمنى ألا أقف عند حد في هذا المشروع.