الأحد ٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم أشرف شهاب

سعيد حجاج: لا بد أن نمتلك رؤية جماعية للتغيير

الكاتب المسرحى سعيد حجاج، واحد من أكثر المبدعين الشباب فى مصر تميزا. وصفه بعض النقاد بأنه رائد مسرح العبث فى مصر، وقالوا إنه صمويل بيكيت مصر. تعددت أعماله المسرحية حتى تجاوزت الأربعين مسرحية، تم طبع، وعرض معظمها على خشبات مسارح القاهرة. فى منزله بضاحية عين شمس بالقاهرة التقاه مراسلنا أشرف محمود، وأجرى معه الحوار التالى:

 فلسطين: يصنف العديد من النقاد إبداعاتك المسرحية على أنها تنتمى إلى ما يسمى بمسرح العبث. فهل يمكن أن نعتبر هذا النوع من الكتابة توجها عاما فى كتاباتك؟

 سعيد حجاج: أعتقد أنه لا يوجد خط عام فى كتاباتى. فكل تجربة تفرض شكلها، ولغتها، وتوجهاتها. وإذا كانت الأكثرية من النقاد قد صنفت ما أكتبه على أنه مسرح العبث، فأنا مختلف معهم بعض الشىء، لأن العبث شكل ومضمون. وأنا استفدت من مسرح العبث فى الشكل فقط، ولكنى أعطيته مضامين ومدلولات مصرية لها علاقة بالواقع، وليس كما فعل صمويل بيكيت الذى كان يكتب مسرحياته بنظرة عدمية كنتاج للحرب العالمية الثانية. وأنا لا أستطيع أن أقول أن كل ما أكتبه ينتمى لمسرح العبث.

 فلسطين: فى معظم مسرحياتك نجد نوعا من الصراع بين الخير والشر، بين الواقع والأمل، بين التفاؤل والتشاؤم. بماذا تفسر هذا الصراع المستمر فى كتاباتك؟

 سعيد حجاج: ما دامت هناك كتابة، حتى لو كانت فى إطار سوداوى ومتشائم إلا أنها فى النهاية محملة بالأمل والتفاؤل.

 فلسطين: لكن شخصياتك محملة بالكثير من البؤس والشقاء.

سعيد حجاج: أى بؤس تحمله شخصياتى هو بؤس موجود ومستمد من الواقع. وكل ما أفعله أنا هو تكبير هذا الواقع لكى نستطيع أن نراه جيدا.

 فلسطين:أشعر أن شخصياتك تحاول أن تثير دهشتنا فى معظم الأحوال.

 سعيد حجاج: أعتقد أن أى فن لا بد أن يقوم على عنصر الدهشة. وحين يفقد الفن الدهشة أو القدرة على الإدهاش فإنه يفقد معناه الحقيقى كفن. وأنا دائما ما أختار هذه الشخصيات التى تبدو بعيدة عن الواقع، إلا أنه بنظرة متأنية ومتعددة الأوجه يمكننا أن نكتشف التصاقها الحميمى بالواقع. لأن لا أحد يمكن أن يكتب من خارج العالم. الواقع له معطياته، وأنا لا أكتب خارج معطيات الواقع.

 فلسطين: فى مسرحية "يوتوبيا" مثلا نجد عالما غريبا تتحرك فيه الهياكل العظمية. فلماذا تلجأ لهذه التقنية فى الكتابة؟

 سعيد حجاج: أستعين ككاتب بكل المفردات المدهشة داخل الحياة وداخل الموت.

 فلسطين: فى معظم مسرحياتك نجد أن الشخصيات تبحث عن واقع بديل غير الواقع الذى تعيش فيه. فلماذا؟

سعيد حجاج: لأن الكتابة بشكل عام تبحث عن واقع بديل. لو كانت الكتابة ترضى بالواقع المتاح لن تتحرك الشخصيات من أجل تغيير الواقع، وبالتالى لن أكتب.

 فلسطين: أعتبر هذه الكتابات نوع من الفانتازيا. ولكن هل يمكن أن نقول أنك تقدم من خلال كتاباتك مقترحات للعالم أو للواقع البديل؟

 سعيد حجاج: لا. أنا لا أكتب لكى أحل المشاكل أو اقترح حلولا للمشاكل القائمة. لا أكتب لكى أنتج عالما مغايرا للعالم الذى نعيش فيه.

 فلسطين: لماذا تكتب إذن؟

 سعيد حجاج: لأننى غير راض عن هذا الواقع وأريد تغييره.

 فلسطين: هل يعنى ذلك أنك لا تريد أن تفرض على المشاهد أو القارئ حلولا معينة، وأنك تترك للمتلقى الحرية فى أن يستنتج ما يريده؟

 سعيد حجاج: أعتقد أن لكل مشاهد ومتلقى جمالياته الخاصة، لذلك فهو يرى ما يريد أن يراه عبر كتاباتى. ولكننى لا أتنازل لكى أكتب لأرضى جميع الأذواق. أنا لا أكتب للجميع، ولا أعتقد أن بإمكان أى كاتب أن يكتب للجميع، ويرضى مختلف الأذواق.

 فلسطين: هل يعنى ذلك أنك تكتب لنوع معين من الجمهور؟

 سعيد حجاج: الكتابة دائما ما تحمل فى طياتها بحثا وتجريبا لكى تكون قريبة من كل متلق. ولكننى لا أعتقد أننى نجحت فى أن اكتب للجميع، وليس هذا هدفى أساسا. لا أستطيع أن أقول أننى أكتب لمتلق معين، ذو مواصفات معينة. ولكننى أطمح فى أن تصل كتابتى للجميع.

 فلسطين: لاحظ بعض النقاد وجود نوع من التناص فى بعض مسرحياتك مثلا بين مسرحية "إثنان آخران فى انتظار جودو"، ومسرحية صمويل بيكيت "فى انتظار جودو". فما تفسيرك لهذا التناص؟

 سعيد حجاج: التناص فى حد ذاته هو اقتباس مشروع، لأننى لا أكتب بمعزل عن السياق المسرحى، والإنسانى العام. ربما حدث مثل هذا التناص فى المسرحية التى أشرت إليها، ولكن المسرحية التى كتبها بيكيت كانت تدلل على موت الإله. لكننى كتبت مسرحيتى لكى أدلل على فكرة أن الإله موجود داخل كل منا. وكل منا له إلهه الخاص، وهذا ما ينفى فكرة بيكيت عن موت الإله. وأعتقد أننى ربما قمت بعمل تناص آخر فى مسرحيتى "احتفال خاص على شرف العائلة" مع الكاتب الكبير يوجين يونسكو، وأظننى فعلت ذلك بسبب أننى كنت فى تلك الفترة فى بداياتى المسرحية، ولم أكن أمتلك تميزى الخاص وقتها. ولم أستطع فى تلك الفترة التهرب من سطوة مسرح يونسكو. وأعتقد أن هذا يحدث كثيرا فى بدايات كل المبدعين.

 فلسطين: لكن تفسيرات بعض النقاد لمسرحية بيكيت استبعدت أن يكون قد قصد فكرة موت الإله.

 سعيد حجاج: هذه آراء قلة قليلة من النقاد. ومع ذلك فأنا أميل للتفسير القائم على معنى كلمة Godot، على أنها الله ويقابلها بالإنجليزية لفظ God. إذن هناك اتفاق عام على أن المقصود هو الله، وأن بيكيت كتب هذا لكى يدلل على استحالة أن يكون الله موجودا، ويحدث كل هذا العبث والتخريب بمصير الإنسانية الذى حدث فى الحرب العالمية الثانية.

 فلسطين: هل تعتبر هذا التناص نوعا من الاقتباس المشروع؟

 سعيد حجاج: نعم. من حق أى كاتب أن يعارض أى نوع أدبى فى التراث الإنسانى. وفى الجاهلية كانت توجد معارضات للمعلقات وللكثير من القصائد، حتى أحمد شوقى عارض بردة البوصيرى. التناص مشروع ما دمت تشير إلى مصدرك الذى استوحيت منه. وهذا ما فعلته، فمسرحياتى منشورة، وأشرت فيها إلى أننى استعنت بجمل، بل وبفقرات كاملة من صمويل بيكيت. وأنا لا أجد فى هذا التناص ما يعيبنى أو يمكن أن ينقص أو يقلل من قدر إبداعى الخاص.

 فلسطين: فى مسرحيتك "الكما هو نلاحظ أن الشخصيات رتيبة ومملة، وقليلة الحركة. فماذا قصدن من وراء هذا؟

 سعيد حجاج: مسرحية الكما هو تنقسم إلى قسمين: "الكما هو 1"، و "الكما هو 2". ربما "فى الكما هو 1" لا يوجد ذلك القدر من الحركة، وهذا مقصود ليس فى ذاته، ولكن لكى يدلل على فلسفة الركود التى تحياها الشخصيات فى هذه المسرحية. وفى الجزء الثانى كانت الشخصيات ما زالت فى ركودها بينما العالم هو الذى تحرك نحو الأسوأ، فحبذت الشخصيات الركود وارتاحت له، بدلا من أن تختلط بالعالم الأسوأ. فى المرة الأولى كان الركود لا إراديا. وفى المرة الثانية كان الركود اختيارا من جانب الشخصيات التى فضلت الركود لكى تنجو من صخب العالم ومن الحرب.

 فلسطين: ألا ترى أن هذا الموقف كان سلبيا من جانب الشخصيات؟

 سعيد حجاج: السلبية يمكن أن تكون موقفا احتجاجيا ضد العالم فى بعض الأحيان.

 فلسطين: ولماذا يتغير العالم نحو الأسوأ فى معظم كتاباتك؟

 سعيد حجاج: لأن هذا هو ما يحدث فعلا. العالم يتحرك نحو الأسوأ فى كل ما يخص تعاملاته مع الإنسان. ولكنه يتحرك بشكل سريع فى كل ما يتعلق بتدمير الإنسان. وأعتقد أن هذه رؤية احتجاجية ضد كل ما يدمر الإنسان، لكى يلتفت العالم لما يحدث، ويكف عن محاولته الدائمة انتهاك الجوهر الإنسانى.

 فلسطين: ولماذا تركت الشخصيات تنتظر تغير العالم، ولم تجعلها تتحرك لكى تساهم هى فى تغيير العالم؟

 سعيد حجاج: أعتقد أن شخصياتى تحاول دائما أن تتحرر من ذاتها التى تضيق عليها، والتى لا تستطيع أن تندمج مع هذا العالم. فمسرحياتى هى دعوة لتحرر العالم وتحرر الإنسان.

 فلسطين: إذا كانت شخصياتك لم تستطع أن تحرر نفسها فكيف يمكن أن تحرر العالم؟

 سعيد حجاج: الإنسان ترس صغير داخل ماكينة كبيرة. وإذا أصيبت هذه الماكينة بالعطب ستتعطل كل التروس الصغيرة. ولذا أعتقد أنه لا بد أن نمتلك رؤية جماعية للتغيير، رؤية تحرر الجميع لا الفرد فقط. فى شخصياتى لا يوجد ذلك البطل الفرد، لكننى أحاول أن تجتاح العالم ثورة إنسانية جماعية لكى يتغير.

 فلسطين: فى مسرحيتك "كليوباترا" نجد أيضا أن الشخصية المحورية "عوكل" يحاول أن يكون إيجابيا، لكنه يتعرض لضغوط رهيبة تعيده إلى سلبيته.

 سعيد حجاج: حين أكتب شخصية سلبية فإننى أحذر الجميع من أن يسلكوا مثل هذا السلوك الذى يدمرهم كأفراد. وأرى أن الصمود الإنسانى لا بد أن يكون متواجدا دائما لكى لا يزداد العالم سوءا. أنا أحذر بشخصياتى السلبية كل إنسان على وجه المعمورة.

 فلسطين: لكننى أختلف معك فى تقييمك لعوكل على أنه شخص سلبى. فهو فى النهاية مجرد فرد حاول أن يصلح من نفسه ويتوقف عن التدخين، لكنهم حملوه نتيجة ذلك مسئولية خسائر شركة التبغ، ومن ثم العجز فى ميزانية الدولة، وبالتالى العجز فى الاقتصاد العالمى. كأن توقفه عن شراء السجائر هو السبب فى كل تلك المشاكل. وضغطوا عليه مرة بالترغيب ومرة بالترهيب حتى أجبروه على التراجع والعودة لتمويل ميزانية الشركة بشراء السجائر. عوكل كان ايجابيا، وحاول أن يصمد. لكنهم كسروا إرادته.

 سعيد حجاج: أعتقد أن رضوخه لهم فى نهاية الأمر، واستسلامه للضغوط، وسماحه لهم بأن يفرضوا عليه ما يريدون هم لا ما يريده هو يعتبر تصرفا سلبيا من جانبه.

 فلسطين: فى مسرحية "يوتوبيا" هرب الناس من عالمهم إلى المدينة اليوتوبيا، ولكنهم للأسف وجودها أسوأ من عالمهم الواقعى.

 سعيد حجاج: كل فرد يحاول أن يصنع اليوتوبيا عليه أن لا يأخذ عالمه معه. وليس عليه أن يأخذ معه معطيات الواقع ليضمنه اليوتوبيا، عند ذلك تفسد اليوتوبيا تماما. وأنا أريد أن أقول عبر هذه المسرحية أن الإنسان غير قادر على صنع اليوتوبيا خارج ذاته. لا بد أن تبدأ اليوتوبيا من ذات كل فرد.

 فلسطين: ألا ترى أن هذه فكرة مثالية؟ يصعب أن تتحقق اليوتوبيا داخل كل فرد.

 سعيد حجاج: أتفق معك. هى فكرة مثالية. و أنا هنا أطرح تساؤلا.. هل يمكننا أن نكون مثاليين؟

 فلسطين: معظم مسرحياتك تناقش قضايا عالمية الطابع. أى أنها تصلح للعرض فى أى مكان من العالم. أين الطابع المصرى المحلى فى كتاباتك؟

 سعيد حجاج: أنا أناقش عبر مسرحياتى الجوهر الإنسانى الموجود داخل مجتمعى وخارج مجتمعى. وأعتقد ان هذا النوع من الإبداع هو الذى يمكن أن يعيش طويلا، لأن الجوهر الإنسانى واحد فى العالم كله. ومع ذلك فهناك بعض الأعمال التى تناقش الواقع المصرى مثل مسرحيات "القفص"، و "ليلة عرس سوداء"، و "مقامات الرحيل"، و "فانتازيا مصرية". وهناك مسرحيات أخرى تناقش الواقع العربى مثل مسرحيات "عرشك يا مولاى"، و "فانتازيا العالم الرابع".

 فلسطين: لماذا ترفض الكتابة لمسرح القطاع الخاص؟

 سعيد حجاج: ما يهمنى فى المقام الأول هو فعل الكتابة، لأن الكتابة الحقيقية تمنحنى متعة لا اعتقد أن المال الذى سيدره على مسرح القطاع الخاص يمكن أن يوفرها لى. لذلك أنا أكتب ما أريده لا ما يريده الآخرون منى. وأعتقد أن مناقشة مسرحياتى أو حصولها على جوائز يسعدنى أكثر مما يسعدنى الترحاب بأعمال يمكن أن تدر على ربحا وفيرا وأراها غير حقيقية ولا تعبر عنى.

 فلسطين: هل يعنى ذلك أن هناك صعوبة فى تحقيق المعادلة بين الكتابة الجادة والوصول للجماهير؟

 سعيد حجاج: للأسف الشديد لقد عودت وسائل الإعلام لدينا المتلقى على نوع وحيد من المسرحيات التى أراها مبتذلة. ولم تحاول أن تسرب إليه عبر أى قناة إعلامية المسرحيات المختلفة، المتفاعلة، والصادمة، والتى يمكن أن يكون بوسعها أن تغير من الإنسان. هم يقدمون للناس ما يحرضهم على الابتذال، والاستهلاك. وعلى هذا فالجمهور المصرى والعربى بشكل عام لا يريد أن يتحرر من هذا النوع الواحد الذى فرضته الدولة. والسلطة دائما لا تريد أن يتحرر الإنسان خارج منظومة القهر والجهل، لأن هذا يمكن أن يفسد على السلطة عرشها. وهذا لا يعنى أن أعمالى لم تلاق ترحيبا جماهيريا، بل على العكس هناك جمهور كثير يحترم كتاباتى.

 فلسطين: لكن هناك كتاب مثل لينين الرملى، وعلى سالم نجحوا إلى حد كبير فى تحقيق التوازن بين المناقشة الجادة، والجماهيرية.

 سعيد حجاج: ربما يكون لينين الرملى هو الكاتب الوحيد الذى استطاع عبر خبرته الطويلة أن يحقق هذه المعادلة أثناء عمله مع محمد صبحى فقط. لأنهما اهتما بفكرة الجماعية فى العمل، والاتساق فى الرؤى. لكن لينين بعد محمد صبحى لم أر له عملا يمكن أن يتميز. وكل أعماله بعد محمد صبحى تتراوح ما بين متوسط القيمة والجيد. أما على سالم فهو واحد من أهم الكتاب الذين تعلمت على يديهم تقنيات الكتابة المسرحية. ولكننى لا أستطيع أن أقول أننى عايشت مسرحياته خلال فترة الستينيات والسبعينيات. ولكننى أحكم عليه من خلال كتاباته لأننى لم أر منها مسرحيات معروضة لأحكم عليها داخل سياق العناصر المكتملة. ولكنه فى النهاية أهدر تاريخه كله بموقفه السياسى الشاذ بالتطبيع مع إسرائيل. وهذا ما جعلنى أحجم عن التعامل مع إبداعاته.

 فلسطين: تقاطع الإبداعى عند على سالم بسبب مقاطعتك لموقفه السياسى؟

 سعيد حجاج: نعم.إذا لم تكن المواقف الإنسانية للمبدع تتفق مع كتاباته فهو يخسر أرضية كبيرة، ويفقد مصداقيته لدى المتلقى. وأنا لا أفصل بين المبدع وإبداعه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى