زمنُ الموت
كلّا.. يا زمناً ماتت فيه الأسماء
ما عدنا فيك سوى غرباء
بل حتى أنت غريبٌ في الأزمان
في كل مكان ..
فيك اختلفت كل الأشياء
حتى الشمس وحتى الريح وحتى الماء
ماعادت فيك الأيام كماضي الأيام
بل فيك اختلفت حتى الساعات
صارت تنسلّ كما تنسلّ الحيّات
أو تعدو عدوَ الفرس الجامح دون زمام
وعقاربها تسري باللدغ المجنون
لتذيب العمرَ المفتون
كلا.. يا زمن الموت العاتي
ما فينا حبٌ لكْ
ونريد بديلاً عنكْ
من لطف الزمن الآتي
أم إنك أنت الموصوف
بأخير الأزمان المعروف
مُلئت منك الأرض بأنواع الظلم
وأقام العدلُ مآتم غم
وعلا صوت الحيوان
وتخافت صوت الانسان
وتهدّم بيت المعروف بقصف المنكر
حتى ما ظلّ أساس
ما عاد له شأنٌ يُذكر
إلاّ في القرطاس
بل صار المنكر معروفاً عند الناس
آهٍ يا زمن الموت وماذا بعدْ
لا يحصي بلواك العدْ
كم أمّ فيك تنادي بعويل
أفلاذ الأكبادْ
غابوا في سجن الأوغادْ
من غير ذنوبٍ ودليل
كم عقلٍ حرّ غطّاه ترابْ
أو ضاع بأحواض التيزابْ
كم عين يتيمٍ تبكي
عن قصة ألمٍ تحكي
وعذابٍ غطّى وجه الأرض
ممتدّ في الطول وفي العرض
ودماءُ الأحرار على جدران الزنزاناتْ
ما زالت تروي الآهاتْ
من كلّ عصاميّ الايمان
قد ضاع بأدراج النسيان
لكنّ الله المحصي للأعمال
ما ضاع لديه من التقوى مثقال
تبّاً .. يا زمن الزَيف
والغشّ وفرض الرشوة والحَيفْ
في كلّ مؤسّسةٍ أو تنظيم
حتى في دار قضاءٍ أو تعليم
كم من مظلومٍ يجأر
من همّ لا يأتيه النوم
لكنْ في الآخر يخسرْ
وعليه يصير اللوم
آهٍ يا زمن العِلم المشؤوم
لم نحصد من أفكارك غير هموم
ما عدنا فيك سوى أرقام
يحصيها حاسوب الظلّام
ثم الى البيع تساق
في مختلف الأسواق
لتنال الربحَ جيوبُ الأفّاكين
وعبيد الدولار
هل صار العلمُ رصيد الأشرار..!
هل صار حليفَ الكذّابين ..!
تبّاً .. يا زمن النتّ الغادر
كم فيك سفيهٌ فاجر
يُلقي بالمكر شباك الاغراء
ليصيدَ الضعفاء
في العقل وفي الدّين وفي الأخلاق
ليؤلّف منهم جيشَ الفسّاق
في حربٍ تمحو الحقّ وتردي الخيرَ وتقتل كلّ جمال
كي يمتلئ العالمُ قبحاً وشروراً في اثْر ضلال
كلا.. يا زمن العُهر وعرض الأجساد
بل عرضِ الفحش وعرض العورات
في الشارع والشاشات
لا يُخطئها الطالبُ في كل بلاد
فلقد صارت بالمجّان
للإنس وللجان
وبكلّ أوان
وعلى درب العهر ونشر الافساد
قد سار المِثليّون
بسُحاقٍ ولواطٍ يحميه القانون
في تشريعٍ من حُكماء العصر الحجريّ
وبفصلٍ من مهزلة العقل البشريّ
إن قلتَ حرامٌ ما تأتون
قالوا أنتم رجعيّون
يا الله القاهرُ والمنتقمُ الجبّار
مَن يحمينا من غضبك..!
مَن يؤوينا من سخَطك..!
هل ينتظر العالمُ غيرَ الاعصار
يجتاح الدنيا بهلاكٍ ودمار ..!
وبإسم الفنّ سقوطٌ في الأقذار وفي الأوحال
اذ صار الفنّ لديهم عنوانَ التهريج
في الأقوال وفي الأفعال
لا تسمع غيرَ نهيقٍ وضجيج
لا تنظر إلا ما فيه سفاهٌ وخبال
إن قلتَ أما في الفنّ حياء..؟
قالوا بل كلّ الفنّ بذاء
آهٍ يا زمن الخوف ونقص الثمرات
وضياع الأنفس والأموال
كم فيك من الآفات..!
كم جاع فقيرٌ من دون عشاءٍ باتْ
مهضوماً يحلم بالصدقات
وغنيّ أتخم بالألوان وبالأشكال
قد أغراه الكِبرُ بطرد السؤآل
فمتى تأتينا البشرى ..!
وعقولُ الناس أضاعت معنى الصبر
ورماها الفقرُ بسجن الكفر
ما عادت تملك أفكاراً أخرى
إلّا ما تُمليه الأخبار
من أنباء الدول الكبرى
بفنون التلقين
من أمريكا والصين
وذيولهما من باقي الأقطار
ما في الأخبار سوى ذكر الرؤساء
أو ما ينساق اليهم من ذكر الفقراء
فهم الأول وهم الآخر
وهم الباطن وهم الظاهر
في أيديهم أقدار الكون وأرزاق الناس
هذا ما يوحيه الوسواس الخنّاس
أو يوحي للرؤساء المغرورين
أن يأتوا بالأسلحة الذرّيّه
بدلاً من قوت المسحوقين
بل أن يأتوا بالأسلحة النوويّه
ويُعدّوا عُدّة حربٍ كونيّه
تهدم أركان الأرض بعصفٍ ورجوم
لا يفلح فيها إلا من يطلق غضبَ اليورنيوم
كلا.. يا زمن الموت الآثم
كم فيك جرائم
كم فيك حضورٌ للشيطان
في زرع الأشرار وحصد الأخيار
ما عاد الناس يحبون الأوطان
فيهم من كلّ الأصقاع فرار
لا في البرّ ولا في البحر يريدون العنوان
لا ينوون الاستقرار
فيهم من كل مكانٍ إجفال
حتى الأطفال
نفروا من حضن الأمّ وأحضان الآباء
وانساقوا في صخب الأصوات وسحر الألوان
صاروا فتياناً واليومَ رجال
صاروا فتياتِ واليوم نساء
أو صاروا ما بين الجنسين
لكنْ ما زالوا مهووسين
بضجيج الأذْن وعنف العين
ما في الأرواح من الخيرات
إلاّ بذرٌ قد مات
أو صار هشيماً ذرّته الريحُ الصفراء
ورمته هباءً في الأجواء
حتى أمسَوا زيتاً في محرقة الأشرار
في حربٍ ناعمة الصوت
لكنْ فيها كل الموت
تسري في ليلٍ ونهار
من فيها تُلقي سُمّاً كالثعبان
لتشلّ العقلَ عن التفكير
وتكلّ النفسُ عن التدبير
وتهدّ صروحَ الحبّ بأنياب النيران
ما عادوا جيلاً كالماضي في الأجيالْ
لا هم في الأرض نمَوا كالأشجار
بأصولٍ ثابتةٍ وجذور
بظلالٍ تعطيها وثمار
وبرغم الأشواك ورغم الأدغال
تخضرّ بأوراقٍ وزهور
أو صاروا كالطير المولع بالتحليق
بجناحٍ رغم الأنواء رقيق
بالحمد يسبّح ربّ الأكوان
بل تركوا ما فيه دعاءٌ أو ما فيه صلاة
ما عاد لهم دينٌ في الأديان
إلاّ دين الشهَوات
لا يهديهم إنجيلٌ أو توراةٌ أو قرآن
فلديهم كلّ الدين هراء
إلاّ دين الأهواء
إن قلتَ لهم كفّوا عن هذا الافساد
قالوا بل نحن دعاة الإصلاح
أو قلت إذن تقوى ورشاد
قالوا بل كلّ المحضور مباح
أو قلتَ لهم خافوا سطَوات الديّان
قالوا بل نحن الشجعان
حتى غارتْ في الأرض الأنهار
وأرتنا الشمسُ لهيب النار
واجتاحتنا الريح الصفراء
بالأسقام وبالموت المنثور
وبشرّ وباء
ماذا بعد التحذير من القدَر المقدور
أخبرنا يا زمن الموت المسعور
هل منك الى يوم العدل خروج
يأتي بالبسمة للمقهورين
ويعيد حقوق المظلومين
ويكون الى الحق عروج
أم نبقى أسرى للطاغين
من كل يسارٍ ويمين
في لجّ البحر سفينتنا تغرقْ
بفؤوسٍ من حقد الباغين
من معتوهٍ لا يفقه معنى الحق
أو من دجّالٍ أحمق
هل في خوفٍ منهم نبقى
فنصير جميعاً غرقى..!