خالد الحجر: يجب أن يعاد النظر فى فكرة الرقابة على السينما
أثار المخرج خالد الحجر ضجة كبيرة بفيلمه الأخير "حب البنات". فهناك من أبدوا اعجابهم بالفيلم وهناك من هاجموه بشدة. وفى كل الأحوال فإن خالد الحجر أثبت أنه من نوعية المخرجين الذين لا يقدمون نوعيات من الأفلام العادية، فهو صاحب وجهة نظر، ولديه خلفية أكاديمية اكتسبها خلال فترة دراسته للإخراج السينمائى بالعاصمة البريطانية لندن. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود التقى خالد الحجر ودار بينهما الحوار التالى:
ديوان العرب: رغم النجاح الجماهيرى الذى حققه فيلمك الأخير "حب البنات" إلا أنه لقى ضجة كبيرة من جانب النقاد ما بين مؤيد ومعارض. فما تفسيرك لهذا؟
خالد الحجر: لا أدرى ما هو السبب الذى جعل بعض النقاد يهاجمون الفيلم ويحاولون أن يفتشوا فيه عن أشياء غير موجودة. ووجدت أن البعض يتهمنى بأننى أخرجت فيلما إباحيا. والبعض قال إننى مؤيد للتطبيع والأخرون قالوا أننى تجاوزت الخطوط الحمراء فى السياسة. والحقيقة أننى لا أعرف من أين اتوا بهذا الكلام، ولا أعرف كيف جاءت هذه التفسيرات رغم أن الفيلم لقى كما قلت نجاحا جماهيريا كبيرا. ولكن الحمد لله أن هذه الضجة التى أثيرت حول الفيلم كانت أيضا لها جانبها الإيجابى حيث كانت تعتبر دعاية مجانية جلبت للشباك عددا أكبر من المشاهدين.
ديوان العرب: لماذا تحمست لفيلم حب البنات رغم أن فكرته تعتبر فكرة تقليدية؟
خالد الحجر: فكرة الحب والعلاقات الإنسانية تعتبر عموما من الأفكار التى لا تنضب. ومن الممكن لأى مخرج أن يعيد معالجة هذه القضية من منظور مختلف. ومن وجهة نظرى أنا أعتبر أن الفيلم كانت متميزا لأنه كان يعكس وجود أزمة فى المجتمع بخصوص قضية الحب. وأعتقد أن الناس لم تعد تحب بنفس المفهوم الموجود فى أذهاننا عن الحب الرومانسى الدافىء. فحتى علاقات الحب تلوثت بالمطامع وأصبح الحب يقوم على مصالح وأطماع تشوهه. وهذه هى الفكرة التى حاولت التعبير عنها فى فيلمى. وهذا أبسط رد على من يقولون أن الفيلم مكرر ومعاد. وانا شخصيا كنت سعيدا جدا بالفيلم لأن الجمهور العادى كان يخرج من الفيلم وهو يشعر بحالة من السرور وعدم الملل. وافلامى عموما فيها دعوة للحب النقى الصافى الذى افتقدناه بسبب ظروف حياتنا اليومية التى شوهت العلاقات بين الناس.
ديوان العرب: هل تتدخل كمخرج فى عمل المؤلف أو السينارست لكى تعكس افكارك الخاصة من خلال العمل الذى تقدمه؟
خالد الحجر: فى أغلب الأحوال لا أتدخل إلا فى أضيق الحدود. وفى فيلم حب البنات كان السيناريو مكتوبا بشكل ممتاز. ولكن المشكلة الوحيدة التى واجهتنى أن الفيلم كله كان قائما على الحوار وتوليد الحوار. وكانت معظم المشاهد تدور فى أماكن مغلقة. ولهذا تدخلت فى هذه الحدود بحيث طلبت من السيناريست تامر حبيب أن يتوسع قليلا فى المشاهد الخارجية لمجرد تحريك الفيلم وإضفاء جانب من الإبهار البصرى والحركى. وكانت وجهة نظرى صائبة ووافق عليها السينارست وأعاد كتابة الفيلم بالشكل الذى خرج به.
ديوان العرب: درست الإخراج فى لندن.. وعندما عدت للقاهرة قدمت فيلما عن العلاقات الإنسانية. وكان البعض يعتقد انك ستستفيد من دراستك وتقدم فيلما من أفلام الأكشن.
خالد الحجر: ليس ذنبى كيف يفكر الناس فى ما أفعله. وأنا لست مسئولا عن ما يعتقده أو يفترضه البعض. فكونى قادم من الخارج لا يعنى أننى تأثرت إلى الدرجة التى تجعلنى أقدم أفلاما معينة. فأنا كمخرج محترف لا أسعى لتقديم أى فكرة إلا إذا كانت مرتبطة بى شخصيا بشكل أو بآخر. وحتى أفلامى السابقة كما ذكرت لك تناولت جوانب مختلفة لموضوع الحب.
ديوان العرب: برأيك ما الذى يميز المخرج الجيد عن غيره من المخرجين؟
خالد الحجر: أهم ما يجب أن يتوفر فى المخرج هو القدرة على أن يفهم موضوع فيلمه بعمق ويكون قادرا على توصيل هذه الفكرة للناس بأبسط أسلوب. وليس المطلوب من المخرج أن يحاول إستعراض إمكانياته لمجرد الإستعراض ولكى يثبت للناس أنه مخرج قدير. المخرج الحقيقى هو من يدرس موضوعه ويعمل بالأسلوب الذى يتناسب مع الفيلم دون مبالغة. ولهذا أنا أتعجب ممن كانوا يعتقدون أننى رجعت لمصر لكى أخرج فيلما من أفلام الأكشن أستعرض فيه موهبتى خصوصا وأن الجمهور المصرى لم يكن يعرفنى. وصدقنى عندما أقول لك إننى لو كنت اريد أن اصنع فيلما بهذا الشكل لصنعته بأقل مجهود. فسينما الأكشن ليست سينما صعبة. ومع تقدم تقنيات التصوير والجرافيك والخدع كان من الممكن أن أفرد عضلاتى أمام الجميع. ولكن الحقيقة أننى لم أكن مهتما بهذه الزاوية فى العمل الإخراجى. وكل ما سعيت إلى إثباته فى "حب البنات" هو أن المخرج يمكن أن يكون كبيرا من خلال العمل ببساطة ودون افتعال.
ديوان العرب: هل تعتقد أن السينما المصرية مؤهلة أو مواكبة للسينما العالمية؟
خالد الحجر: لا أعتقد ذلك. فالمشكلة الأساسية التى تواجه السينما المصرية هى الرقابة. يجب أن يعاد النظر فى موضوع الرقابة على السينما والرقابة على المصنفات الفنية. ويجب أن تكون هناك حرية للسينما فى تقديم القضايا من خلال مفهومها الخاص.. بمعنى أن لا تتم صناعة الفيلم تحت تهديد الرقابة والخوف من مقص الرقيب، وبالتالى يولد الفيلم وهو مشوه أصلا بسبب الخوف الذاتى للمخرج من مقص الرقيب. وبعد خروج الفيلم للنور يتدخل المقص ليقوم بمراقبة أفكار المخرج مرة ثانية. يعنى رقابة داخلية ورقابة داخلية. وهذه فى رأييى من اكبر المشاكل. والمشكلة الثانية هى إنعدام فكرة تواصل الأجيال فى السينما المصرية. فهناك موضة أفلام الشباب المنتشرة حاليا وهذه قامت باستبعاد الفنانين الكبار من الساحة. فحدثت قطيعة بين الجيل الجديد من الشباب والجيل القديم صاحب الخبرة. وتوقف المنتجون عن تمويل أفلام تجمع بين عنصرى الشباب والخبرة.
ديوان العرب: هل تعتقد أن الشباب الجدد مؤهلون للانتقال بالسينما المصرية إلى مرحلة أكثر تقدما؟
خالد الحجر: عملية تقدم صناعة السينما لا تتوقف على الممثلين فقط أو على المخرجين أو المنتجين أو على عنصر منفرد. هناك جوانب كثيرة يجب أن تنهض وتعمل بشكل متكامل لكى تنجح العملية. ورغم أن الجيل الجديد من الممثلين الشباب لديهم إمكانيات فنية وطاقات كبيرة إلا أنهم ما زالوا يفتقدون إلى عنصر الخبرة والعمل وفق تقاليد الاحتراف. كما انه من الضرورى ان تكون هناك متابعة ومعرفة دقيقة للأسلوب الذى تسير عليها السينما العالمية فى المرحلة الحالية. يجب علينا أن نفهم كيف تتم عملية صناعة السينما فى أوروبا وأمريكا حتى نستفيد من أسلوبهم فى تطوير أسلوبنا بداية من مرحلة كتابة السيناريو نهاية بمرحلة التسويق وما بينهما من مراحل.
ديوان العرب: كيف تختار الممثلين الذين يتعاملون معك؟
خالد الحجر: لكل مخرج طريقة فى إختيار الممثلين الذين يشاركونه العمل. وأنا شخصيا أهتم بمتابعة الفنانين العاملين فى الساحة ومتابعة قدرتهم على الأداء وبالتالى فلدى فكرة عن إمكانياتهم ومدى ما يمكنهم تقديمه لى. وأحيانا لا يكون الممثل واعيا بأن لديه موهبة معينة ولكن عين المخرج الخبيرة تستخرج من الفنان أفضل ما عنده وبما يتناسب مع العمل المطلوب. وطبعا كل هذه العمليات لا يمكن أن تتم بنجاح ولا يمكن للمثل أن يعطى أفضل ما لديه دون أن يكون هناك نوع من الثقة فى قدرات المخرج. وأعتبر أن هذه أولى مراحل نجاح المخرج فى عمله. إذا اكتسب المخرج ثقة الممثل فسوف يستخرج منه ما يريده لصالح العمل ككل.