الأحد ١٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٥
بقلم ميادة مهنا سليمان

حوار مع الكاتب المغربيّ الدّكتور محمّد أمحور

د. محمّد أمحور: "الثقافة تغتني وتتطور بالانفتاح على الثقافات العالمية".

ملخّص السّيرة الذّاتيّة للضّيف:

 محمد أمحور مواليد ١٩٦٩ في تزغين إقليم الدريوش/ المملكة المغربيّة.
 دكتوراه في الأدب العربيّ من جامعة محمّد الخامس في الرّباط عام ٢٠٠٦.
 أستاذ جامعيّ في الكليّة المتعدّدة التخصّصات في النّاظور / شعبة الدّراسات الإسلاميّة.
 لديه العديد من الكتب، والمقالات النّقديّة،

ورواية بعنوان (عبور بنكهة اللوز).

نصّ الحوار:

- لديك قراءة نقديّة لكتاب (العرب وتاريخ الأدب: نموذج كتاب الأغاني) الباحث أحمد بو حسن، برأيك لماذا خضع كتاب الأغاني لقراءات متعدّدة وما هو قصدك ب"القراءة الموسيقيّة" في كتاب الأغاني؟

خضع كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني لقراءات متعددة، لأنه مؤلف جامع مانع، يندرج ضمن كتب تاريخ الأدب، التي أخذت بعين الاعتبار ضرورة إعادة النظر في مفهوم الشعر في علاقته بالتحقيبات، والتصنيفات التي وضعها المصنفون والمؤلفون لتاريخ الأدب؛ هذه التصنيفات التي حاولت أن تنأى عن التأويلات الإديولوجية التي أرخت بظلالها على الأدب والثقافة العربية، وأن تقترب ما أمكن من المنعطفات الأدبية التي تحتفي بما هو إنساني وكوني، ولا يخفى على المتتبع لهذه المنعطفات التاريخية التي حصلت في تاريخ الأدب ما لحق مفاهيم نظرية الأدب من دلالات عميقة استفاد منها النقد العربي في صياغة حقل دلالي نقدي أعاد صياغة مفاهيم نقدية وشحنها بحمولات فكرية عميقة أثرت إلى حد بعيد في مفهوم المؤلف في الثقافة العربية.

ويكاد يجمع النقاد على أن كتب تاريخ الأدب أولت عناية خاصة لهذا المفهوم، وبما أن كتاب الأغاني باعتباره مصنفا في تاريخ الأدب احتفى بمكونات ومفاهيم تمت بصلة وثيقة لنظرية الأدب من قبيل: النص، المتن، اللحن، السياق، المتلقي للألحان.....هذه المفاهيم هي جينات وأنوية صلبة يمكن الاستعانة بها لإعادة كتابة تاريخ الأدب العربي، شريطة الانفتاح على النقد العالمي وتمثل نظرية التلقي، وفعل القراءة، وفعل الأثر الأدبي....لهذه الاعتبارات وغيرها خضع كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني لأكثر من قراءة عالمة، ولأكثر من دراسة أدبية ونقدية.

- لفتَ نظري قراءة نقدية لديوان (الدنيا ما دايمة لحد) للزّجّال المغربيّ محمّد مهداويّ، وهو أمر نادر أن نقرأ نقدًا لشعر زجليّ، برأيك ما سبب هذه النّدرة؟

وما الّذي لفتَ نظرك في قصائده السّبعين، فكتبتَ عنه؟

قرأتُ الديوان الزجلي (الدنيا ما دايمة لحد) للزجّال المغربي محمد حمداوي لاعتبارات عديدة، أولا لكونه أديبا مغربيا، تمثلَ الثقافة العربية إلى حد بعيد، وعقدَ جسور التواصل بين أجناس وأنواع أدبية لها راهنيتها في المغرب، وأهمها الشعر الفصيح، والزجل باعتباره رافدا قويا للثقافة المغربية يشتغل بشكل مواز مع أنواع من الثقافة المغربية الأصيلة كالثقافة الأندلسية، والثقافة العبرية، والثقافة الحسانية، واللغة الأمازيغية.

والزجال محمد مهداوي حينما ينظم زجلا يستحضر مكونات الثقافة المغربية ويعقد معها جسور التواصل الثقافي والإبداعي المثمر؛ هذه التواصلات الثقافية أثمرت لديه كتابة الرواية برؤى تستحضر مكونات الثقافة المغربية في تواصلاتها المثمرة مع الثقافة العربية والثقافة الغربية.

هذا التنوع في الكتابة عبّر عنه بشكل مكثف في هذا الديوان الزجلي لذا انبريت لدراسة هذا الديوان بعد أن كنت قد دبجت مقالا مفصلا حول روايته (الموت في زمن كورونا) الصادرة سنة2022.

وقد سبق لي كذلك أن كتبت عن تجارب زجلية مغربية أخرى، وبصفتي ناقدا مغربيا كان لابد من الإسهام في حركية النقد المغربي المواكب لكل التجارب الإبداعية سواء تلك التي كتبت بالفصيح، أو بالدارجة المغربية (الزجل) أو بالحسانية أو باللغة الأمازيغية.

 الفيلسوف والمتصوّف أبو حيان التّوحيدي، وهو من أعلام القرن الرّابع الهجريّ، كتبتَ عنه مقالات، وألّفتَ عنه كتاب (بلاغة الخطاب عند أبي حيّان التّوحيديّ) صادر عن دار القرويين/ ٢٠١٩؛

ما سبب اختياركَ للكتابة عنه، وما الإضافة الجديدة للقارئ العربيّ من خلال كتابك؟

سبب اختياري للكتابة عن أبي حيان التوحيدي يعود إلى أنني في سنوات استكمال المحاضرات بعد حصولي على الإجازة من جامعة محمد الخامس كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، كنت شغوفا بقراءة الأدب والفلسفة، والاهتمام بالنصوص التي تثير الاختلاف، وبحكم تخصصي في النص العربي القديم والمناهج المعاصرة، كنت أبحث عن نصوص تثير الاختلاف، فقرأت لأبي العتاهية، وبشار بن برد، ومسلم بن الوليد، والجاحظ، والمبرد، والآمدي، وروحي الخالدي، وطه حسين، وأبي حيان التوحيدي الذي حظي إنتاجه الأدبي والصوفي، والفلسفي، واللغوي لقراءات وتصنيفات، وتحقيبات، لم تنصفه باعتباره كاتبا ينهل من كل فن بطرف، بل إن ما كتب عن سيرته من تجريح، أساء إلى حرمة الأدب وشرفها، وهذا ما حفزني على قراءة أعماله قراءة عالمة اعتمادا على مناهج معاصرة تمتح من نظرية الأدب، وفي اعتقادي الخاص فإن كتاب المقابسات مثلا، أو كتاب الإمتاع والمؤانسة، أو الصداقة والصديق، والشوامل والهوامل، والبصائر والذخائر.... لا يمكن أن نقرأها مرة وإلى الأبد، والقراءات العالمة لكتب أبي حيان التوحيدي كفيلة بأن تزيل عنه بعض التهم المجانية التي وسمت أعماله من قبل مصنفين، ومؤلفين، ونقاد لم يستوعبوا في نظري الخاص نظرية الأدب ولم يطلعوا على المناهج التي قد تسعفهم على إنصاف كتابات أبي حيان التوحيدي، وهذا التهميش الذي لحق التوحيدي كان سببا رئيسا في رفع الحرج على كثير من نصوصه النقدية حيث وضعتها تحت مجهر التمحيص والنقد البناء.

- لديك مشاركة في كتاب مشترك بعنوان (تجربة مسرح الكوميديا عند لحسن قناني) كيف ترى المسرح في المغرب العربيّ، والحركة النّقديّة المواكبة له؟

لا يمكن أن نتحدث عن المسرح في المغرب العربي بمعزل عن الحركة الأدبية والفنية؛ هذه الحركة التي ما فتئت تنمو وتزدهر في ظل مجتمع المعرفة، وهنا لابد من الإشادة بالجهود المبذولة في كتابة نصوص مسرحية جادة تستجيب لمعايير الفن المسرحي كما تمثلها رواد النقد المسرحي، وإذا كانت هذه الحركة بطيئة في عقد السبعينات، والثمانينات، والتسعينات، إلا أنه في الألفية الثالثة ظهر في المغرب العربي كتابات مسرحية تضاهي ما يحتفى به على الصعيد الدولي، وبمختلف اللغات:

العربية، الفرنسية، الأمازيغية، وهذه الحركة المسرحية الدؤوبة ينبغي أن تعزز بتكوينات عليا لفائدة المخرجين وكتاب السيناريو، والمهتمين بالدراما والكوميديا، والمسرح الاحتفالي، والمسرح الفردي، والدراما السينمائية بصفة عامة.
أما كتابتي عن مسرح الكوميديا عند لحسن قناني فقد جاءت في سياق خاص؛ سياق البحث الأكاديمي وإنجاز المينوغرافيات، والبحث التفصيلي لموضوع واحد.

- من مؤلّفاتك كتاب مشترك آخر بعنوان (السّرد الوامض)، ما هو السّرد الوامض لمن لا يعرف؟

السرد الوامض هو ما يمكن أن نصطلح عليه بالقصة القصيرة جدا، وقد ظهرت في أمريكا اللاتينية قي أواسط القرن العشرين، وقد تطور هذا النمط القصصي الذي يركز على حدث مركز ودال، وظهرت في الألفية الثالثة في المغرب مجاميع قصصية في هذا النمط، ونظمت بعض الجمعيات الثقافية المغربية مهرجانات وملتقيات حول هذا النمط من الكتابة الإبداعية.
وقد كتبت مجموعة من المقالات تحتفي به لقصاصين وقصاصات من المغرب وخارجه، أخرجتها في ما بعد في كتاب عنونته ب"مقاربات نقدية في السرد:

نصوص قصصية وروائية على مشرحة النقد التطبيقي".

ويتبدى من خلال هذا العنوان أن الكتاب يحمل بين دفتيه نصوصا روائية وقصصية في القصة القصيرة، والقصة والقصيرة جدا، وصياغة العنوان بهذا الشكل ينم أن هناك جنسا أكبر هو السرد، ونوعين أدبيين يندرجان ضمنه هما الرواية، والقصة القصيرة جدا، ونمطا سرديا، هو القصة القصيرة جدا، ودراسة نظرية تطور الأجناس والأنواع والأنماط الأدبية مفيدة في هذا السياق، والحديث عن السرد هنا لا يخرج عن كونه أسلوبا في الكتابة لا يستقيم أوده إلا بوجود عناصر مشكلة لهذا الأسلوب من أحداث وصراع وشخصيات وحبكة، ولغة سردية وحوار وفضاءات زمنية ومكانية، ورؤى لا تعبر بالضرورة عن المؤلف، بل إن هذا الأخير يمنح الصوت لمختلف تجليات السرد للتعبير عن هذه الرؤى، والحياة في نهاية المطاف سرود لا نهاية لها.

- ما أبرز النّدوات والمحاضرات الأدبيّة الّتي شاركتَ بها محليًّا، وعربيًّا، وعالميًّا؟

شاركتُ في ندوات ومحاضرات أدبية، محليا، وعربيا، وعالميا، فقد قدمت ورقات نقدية في الندوات التي نظمتها الكلية المتعددة التخصصات بالناظور، حيث شاركت في ندوة حول جهود الدكتور أحمد بوحسن في الترجمة، وشاركت في الندوة التي نظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة حول المسرح الكوميدي، وشاركت في ندوة: مناهج النقد الأدبي ما بعد الحداثة، وشاركت في ندوة حول التعدد اللغوي بكلية علوم التربية بالرباط، وفي ندوة تكريم الناقد أحمد بوحسن بالمكتبة الوطنية بالرباط، وشاركت في مجموعة من الندوات التي نظمتها جمعية نرجس بالرباط حول الشعر والقصة والرواية وشاركت في عدة ندوات في مناسبات وطنية بالناظور وسطات.

شاركت في المهرجانات العالمية التي كانت تنظمها جمعية جسور للبحث في الثقافة والفنون في القصة القصيرة جدا.
ألقيت مجموعة من المحاضرات في الجامعات المغربية (وجدة، مكناس، الناظور، الرباط...)

كما ألقيت محاضرات عالمية عن بعد، في تركيا، بلجيكا، العيون المغربية.

ألقيت محاضرة عالمية حضوريا في بروكسيل حول تحقيبات تاريخ الأدب العربي.

- إحدى محاضراتك بعنوان (الصّحراء المغربيّة في تاريخ الأدب)

ما السّمات المميّزة لهذه الصّحراء عن الصّحراء العربيّة الّتي عرفناها من خلال أشعار القدماء؟

استضافتني الهيئة المغربية للدفاع عن الوحدة الترابية، وتثمين الحكم الذاتي وحقوق الإنسان ذات التوجه الملكي والطابع الدولي حول موضوع تاريخ الأدب المغربي والصحراء المغربية، حيث ركزت فيها عن تحليل مفهوم تاريخ الأدب المغربي وكيف استفاد من الصحراء المغربية في تشكيل المخيال الشعري ليستوعب مختلف التعبيرات المغربية الأصيلة ومن ضمنها الشعر الحساني الذي تفنن فيه الشعراء وفي مختلف الحقب الأدبية المغربية.

موضوع الصحراء ثيمة أساسية في الشعر المغربي وفي الشعر العربي عامة، فالشعراء العرب احتفوا بهذا الموضوع أيما احتفاء، ولنا في شعر المعلقات، وشعر المختارات الشعرية نماذج رائعة في وصف الرحلة في الصحراء ووصف الراحلة أو الناقة باعتبارها مرادفا موضوعيا للصحراء، ووصف الديار في الصحراء، وشعر الغزل العذري خير شاهد على ذلك.
 روايتك عبور بنكهة اللوز الصّادرة عام ٢٠٢١ عن دار سلمى، تناولتَ فيها موضوع “الهجرة”، منطلِقًا من عمق الرّيف في اتّجاه الغرب الجزائريّ.

ما سبب اختيار هذا الموضوع، هل هو ظاهرة منتشرة بكثرة في بلادك؟

وما رمزيّة شجر اللوز؟

ألفتُ رواية (عبور بنكهة اللوز). وقد لقي هذا النص الروائي تفاعلات أدبيا من قبل الأدباء والنقاد، واحتفت به مجموعة من الهيئات داخل وطني المغرب أو خارجه، ونظمت حولها عدة ندوات في الناظور، الرباط، بلجيكا، وكتبت حولها مجموعة من المقالات نشرت في مجلات محكمة ومجلات إلكترونية وصحف وطنية.

لقد تناولت في الرواية موضوع الهجرة من منظور الروائي الذي يتخيل الأحداث، ومنحت الصوت للفضاءات لتحكي عن مسارات الهجرة دون أن أتدخل لكبح جماح الشخصيات لتروي ما يمور ويروح في داخلها، ومن هنا تركت للنقد دراسة وتحليل هذه الرواية.

ولا أعتقد أن الرواية يمكن أن تفصح عن هويتها لتحكي عن أنواع الهجرة، وإن كانت هذه الأخيرة ظاهرة قديمة وستظل الهجرة من بلد إلى آخر دائما وأبدا، والذي يهمني بالدرجة الأولى هو أن الثقافة تغتني وتتطور بالانفتاح على الثقافات العالمية، والبعثات الطلابية مظهر من مظاهر المثاقفة الخصبة.

- ما هي أبرز العقبات الّتي تعترض المهاجرين من الرّيف، والّتي واجهها بطل الرّواية (عمّار)، وهل للرّواية جزءٌ ثانٍ، فالنّهاية مفتوحةُ التّأويل؟

أنا الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة لروايتي الثانية، أتمنى صادقا أن تكون تتمة للرواية الأولى، واستدراكا لما فاتني كذلك في مجموعتي القصصية (سمفونية المفاتيح)، وأنا لا أؤمن بالمشروع السردي الذي ينتهي، لأبدأ مشروعا آخر، أنا لم أرض حتى الآن عما كتبت، والرواية التي أحلم بها صعبة المنال لسبب واحد هو أننا نعيش حياة واحدة والكتابة لا تقنع إلا بحيوات لا نهائية.

- ما هو مشروعك الأدبيّ المقبل من أجل القضيّة الفلسطينيّة، وما هي كلمتُك لهذا الشّعب المقاوِم المخذول عربيًّا؟
القضية الفلسطينية سكنت الوجدان والقلب.

إن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الباسل من تقتيل، وتهجير، وتدمير، وترهيب خلّف في نفسي جروحا وندوبا لا تندمل، وسكوت المجتمع الدولي عما يتعرض له هذا الشعب الأعزل، لا معنى له ولا مبرر له. وقد كتبتُ مجموعة من القصائد الشعرية التي أعبر فيها عن مدى حضور القضية الفلسطينية في وجداني ومخيلتي الشعرية.

أخيرا: مرحبا بك، الأستاذة ميادة بنسليمان، أشكرك جزيل الشكر على هذه الاستضافة الكريمة في هذا الحوار الأدبي الذي آمل أن يتفاعل معه المتلقي من خلال مجلتكم الرائدة، تحية للعاملين فيها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى