حوار مع الكاتب اللبنانيّ مهدي زلزلي
هلًا بِضيفِنا: فقرة حوارات أسبوعيَّة لمجلَّة ديوان العرب العريقة.
ضيف الحوار الكاتب اللبنانيّ مهدي زلزلي.
مهدي زلزلي: " ليس هناك من وصفة جاهزة للدفاع عن فلسطين، كل من يمتلك الإيمان الحقيقي بعدالة قضيتها سيجد طريقه وطريقته في الدفاع عنها والانتصار لها."
موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيف:
مهدي زلزلي، قاص وصحافي لبناني
مواليد 11 أيلول/ سبتمبر 1982
صدرت له مجموعتان قصصيَّتان:
"وجه رجل وحيد" عن دار الفارابي في بيروت/ 2018، و"بناية الشيوعيين" عن دار فضاءات في عمّان/ 2022.
له العديد من المقالات والقراءات النقدية.
يكتب في الصفحة الثقافية في جريدة "الأخبار" اللبنانية.
نصّ الحوار:
– أخبرتني أنّك من (دير قانون النهر) في قضاء صور جنوب لبنان، يقال عن سبب تسميتها، بأنّه كان هناك دير مسيحي إبّان الحكم الصّليبيّ، وكلمة قانون هي من السّريانيّة (كانيا)، وتعني النّظام، وكلمة النّهر لقربها من نهر.
حدّثنا عن معالمها الجغرافيّة، وعن نشأتك فيها، هل لطبيعتها تأثير على إبداعك، وكيف يبدو لك الوضع الأمنيّ في ظلّ ما يحدث الآن في الجنوب اللبنانيّ؟
ما ورد في السؤال عن سبب التسمية صحيح، وإن كنت أميل إلى ما نسجه الشاعر شوقي بزيع في قصيدته "دير قانون النهر" من أبعادٍ أسطورية للتسمية، مستفيدًا من اسم البلدة، بكلماته الثلاث المستفزّة للمخيّلة: دير، وقانون، ونهر.
دير قانون النهر هي بلدة من بلدات جبل عامل التي قاومت الاحتلالات المتكررة، وآخرها الاحتلال الإسرائيلي الذي اندحر عنها وعن جاراتها بعد تكبّده خسائر كبيرة، ولم تزل اعتداءاته تطالها، وآخرها أدى قبل أشهر إلى ارتقاء شهيدتَين وإصابة عدد من أبناء البلدة، وهي بلدة ذات طبيعة جميلة يحيط بها مدى أخضر رحب رغم توسعها العمراني الكبير في العقود الأخيرة، ولا شك في أن هذه الطبيعة هي واحدة من محفزات الكتابة الإبداعية عندي وعند سواي.
ومنذ انخراط الجنوب في الجولة الحالية من الصراع مع العدو إسناداً لغزة ومقاومتها، تستقبل البلدة النازحين من أبناء قرى الحافة الأمامية، وتنتظر كأخواتها ما ستؤول إليه الأمور، مستعدةً، كما دومًا، للمزيد من الصمود ومن التضحيات على طريق النصر النهائي والحاسم.
– في قصّة "جبان" تقول:
"علمتُ بانخراط عبلة في صفوف الثوار، إلى أن سمعت بنبأ استشهادها أثناء مشاركتها في هجوم بطولي على نقطة للعدو، ويومها انقلب كياني وشعرت بفداحة ما ارتكبت إذ تركتها ترحل وفي قلبها غصة على من تركها وترك وطنه وهما في أمس الحاجة إليه"
هل القصّة رسالة لوم لمن يترك وطنه، أم رسالة تُظهر التّضحيات الأنثويّة؟
قصة "جبان" هي من قصصي غير المنشورة في مجموعتَي القصصيتين، لأنها جاءت في فترة مبكرة جداً من توجّهي إلى كتابة القصة القصيرة، وقدّرت أنها تفتقر إلى النضج الذي اكتسبته تجربتي لاحقاً، وفي الحقيقة هي محاولتي الأولى في هذا العالم، وقد كتبتها متأثرًا بغسان كنفاني الذي كنت أنهيت للتو قراءة أعماله الكاملة، للمشاركة في مسابقة قصصية نظمتها صحيفة "السفير" في العام 2003، ثم نشرتها لاحقًا في مجلة "العربي" الكويتية. أما عن رسالتها فيمكن القول إنها محاولة لإنصاف المناضلات الذين يحفل بهم تاريخنا الحديث في لبنان، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي تحديداً، ودعوة إلى المواجهة مهما كانت مغريات التخلي كبيرة وتكلفة الصمود عظيمة.
- في مجموعتك القصصيّة "بناية الشّيوعيّين"، وتحديدًا في قصّة "زيارة صديق"، تتناول حكاية صحافيّ مصري ارتقى وظيفيًّا بعد انخراطه في جوقة التّطبيل للتّطبيع وتسويغه زيارته الأراضي المحتلة بتأشيرة إسرائيليّة، ألم يكن من الأجدى عدم تحديد الجنسيّة ليبقى الحديث عن مفهوم الخيانة عامًّا، ولا سيَّما أنّ هناك من هو مستعدّ للتّطبيع في دول عربيّة عديدة؟
كان هذا أيضًا سؤال الكاتبة المصرية الصديقة هند جعفر في ندوة افتراضية عُقِدَت لمناقشة "بناية الشيوعيين" العام الماضي، ولعله سؤال كل مصري يقرأ القصة والمجموعة. حقيقة الأمر ببساطة أنه كان لا بد أن تدور أحداث القصة في بلد عربي لا يجرّم الدخول إلى فلسطين المحتلة بتأشيرة إسرائيلية، وفي الوقت نفسه يعيش شعبه مشاعر العداء لكيان الاحتلال، وهو الحدث الرئيس في القصة، ليتسنى لنا بعدها الاطلاع على الصراع الذي تعيشه الشخصية الرئيسة، وهذا غير ممكن في لبنان بطبيعة الحال باعتبار دخول الأراضي المحتلة بتأشيرة إسرائيلية شكلاً من أشكال التطبيع والاعتراف بالاحتلال التي يجرّمها القانون عندنا.
وفي العموم، أفضّل إعطاء الشخصيات هوية واضحة حين يستلزم السرد ذلك، أو يسمح بذلك، ولا أميل إلى الشخصيات الهلامية التي لا يمكن للقارئ الإمساك بتفاصيلها والنظر إليها كما لو كانت بشرًا من لحم ودم.
لم أطلقت تسمية "بناية الشّيوعيّين" على تلك المجموعة؟
"بناية الشيوعيين" هي واحدة من قصص المجموعة، ومن القصص الأحبّ إلى قلبي، وإلى قلب أستاذي الراحل سماح إدريس الذي أهديت المجموعة إليه. هذا واحد من أسباب اختيار العنوان، بالإضافة إلى كونه معبرًا عن أجواء المجموعة ككل، وقريبًا من الخيط الذي يربط بين قصصها.
- في قصّة "أيقونة" من مجموعتك "وجه رجل وحيد" تستخدم مصطلح "المرأة المدعوسة" الّتي تتحوّل إلى "أيقونة"، ويكون ثمن ذلك غاليًا، هل ما زالت المرأة العربيّة - رغم كلّ ما نزعم أنّنا وصلنا إليه من حضارة - تدفع ثمن حريّتها، وهل هي بحاجة مستمرّة للمطالبة بها؟
لا بد من الإشارة هنا إلى أنّ قصة "أيقونة"، وإن كانت تعبّر عن شريحة موجودة فعلاً في مجتمعنا، إلا أنها لا تتوخى التعميم، ولا تقصد القول إن المرأة العربية لم تنل حقوقها بعد، لا من زاوية الانتقاص من استحقاقها وأهليتها وإصرارها، ولا من زاوية الانتقاص من تقبل الرجل العربي وفهمه لهذه الحقوق.
- في مقالك النّقديّ الفنّي عن مسلسل "العربَجي" ج2 تقول: "فإن أكثر ما أثّر سلبًا في تلقّي المشاهد للعمل هو ما ينطبق على أغلبيّة الأعمال الدّراميّة...، والتي لا يتقرّر إنجاز أجزاء إضافيّة منها إلا بعد انتهاء عرضها، بهدف استثمار نجاح ما سبق من أجزاء، من دون مراعاة أنّ النصّ غير مُعَدّ على هذا الأساس.."
كمتابع، وكناقد فنّيّ برأيك هل تنحدر المسلسلات العربيّة، وتبهت قيمتها الفنّيّة عند إنجاز جزءٍ ثانٍ منها، وما رأيك بالمسلسلات السّوريّة في الآونة الأخيرة؟
أساس نجاح أي عمل درامي هو النص، ولا يمكن لكل العوامل الأخرى أن تنتج عملًا ناجحًا إذا كان النص ضعيفًا. لذا، عندما يتم تحضير السيناريو من البداية على أساس أنه يضم عدة أجزاء، يبقى الاحتمال كبيرًا أن يكون مستوى العمل عاليًا وألا تؤثر الإطالة سلبًا عليه، أما حين يضع الكاتب كل ما لديه من أفكار وتصورات بشأن الشخصيات والخطوط في ثلاثين حلقة، ثم يغامر بناءً لرغبته أو رغبة الشركة المنتجة، وبسبب نجاح العمل، بـ"اختراع" جزء ثانٍ، فإنّ مستوى العمل ينحدر غالبًا، لأنه سيلجأ إلى محاولة بعث الحياة في قصة انتهت عمليًا، ولصق أحداث جديدة غير مرتبطة بما سبقها بشكل حقيقي، والوقوع في فخ التحولات غير المنطقية وغير المقنعة في مسار الحبكة وتطور الشخصيات.
- هل من أجناس أدبيّة جديدة تنوي كتابتها؟ وكيف ترى حضور الرّواية في السّاحة الأدبيّة؟
أنا حريص على التأكيد دائمًا أنني مكتفٍ بالقصة القصيرة، ولا ضير عندي في أن أعيش وأموت كاتبًا للقصة القصيرة، ولا أؤمن بحاجة القاص لكتابة الرواية كي يعترف به ككاتب، وأسجّل عتبي دائمًا على قصاصين جيدين يكتبون رواية دون مستوى كتابتهم القصصية، طمعاً في جائزة هنا أو هناك، أو في اعتراف الناشرين والنقاد، أو في خطب ودّ جمهور الرواية العريض.
وإذ أقول إن لا مشروع روائي لديّ، ولا طموح من هذا النوع، فإنني لا أتعهد بشكل قاطع بأنني لن أكتب الرواية ما حييت. سأفعلها طبعًا حين أجد في نفسي القدرة على تقديم إضافةٍ ما، وترك بصمةٍ خاصّة، وصنع نصّ روائي لا يقل مستواه عن مستوى منجزي القصصي، ولا يكون خطوة إلى الوراء، وخصوصًا إذا وجدت نفسي أمام فكرة قد لا تتسع لها القصة القصيرة.
أما عن حضور الرواية، فهي لا تزال متسيّدة المشهد، وفي هذا ظلم لبقية الأجناس، لأن الأصل أن يكون هناك تكافؤ في المساحة الممنوحة للأجناس الأدبية كافةً، نشرًا ونقدًا واحتفاءً وجوائز، وأن تترك للقارئ حرية اختيار جنسه الأدبي المفضل.
ما تقييمك للسّاحة الثّقافيّة العربيّة اللبنانيّة، وما مآخذك عليها؟
لا أدّعي أنني في موقع يتيح لي تقييم المشهد الثقافي في الوطن العربي، ولكن يمكنني كمتابع أن أتوقف تحديداً عند الفوضى الحاصلة في الوسط الأدبي لجهة استسهال الكتابة والنشر، ونسبة النص المكتوب إلى جنس أدبي بعينه من دون أن ينتمي إليه فعلاً أو يلتزم بشيء من معاييره وشروطه، ومن ثم إبراز هذه الحالات وتكريسها في صدارة المشهد على حساب المواهب الحقيقية والأصوات التي تستحق سماعها بالفعل.
- في مقالة لك بعنوان: "هل نجحنا فعلاً في الدفاع عن فلسطين؟ تقول "لم نكن يومًا إلا في حرب مفتوحة ومستمرة لا تنتهي إلا بتحرير فلسطين كلها وإزالة الكيان من الوجود"
كمواطن عربيّ، وككاتب، برأيك كيف ندافع عن فلسطين الدّفاع الحقيقيّ؟
ليس هناك من وصفة جاهزة للدفاع عن فلسطين، كل من يمتلك الإيمان الحقيقي بعدالة قضيتها سيجد طريقه وطريقته في الدفاع عنها والانتصار لها، وإن كان "عطاء الدم" والقتال في سبيلها هو الأولى والأجدى والأبهى، ولا يوازيه شيء.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ عنوان المقالة الكامل هو "طوفان عربي افتراضي: هل نجحنا في الدفاع عن فلسطين؟"، وقد تناولت بالتحديد كيفية تفاعل الجمهور العربي مع ملحمة "طوفان الأقصى"، أي أنها حاولت تفنيد آليات الدفاع عن فلسطين في فترة زمنية محدّدة هي ما بعد السابع من أكتوبر، وضمن وسيلة محددة هي وسائط التواصل الاجتماعي، ولم تدّعِ الخوض في ما هو أوسع وأعمق من هذا العنوان.
- كلمة أخيرة لموقع ديوان العرب.
أحيّي موقع "ديوان العرب" والقيّمين عليه، لما يبذلونه من جهود في سبيل إعلاء شأن الثقافة العربية، سواء على صعيد النشر أو تنظيم الأنشطة الثقافية الدورية، وهي تحية لكل من يحمل في قلبه هذا الهم الجميل ويعمل لأجله بصدق بعيدًا من المجاملات والعلاقات الشخصية.