الأربعاء ٢٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٤
بقلم ميادة مهنا سليمان

مع الشّاعر التّونسيّ عليّ عرايبي

«في رحابِ الإبداعِ» موقع ديوان العرب

موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيف:

عليّ عرايبي باحث دكتوراه في الأدب العربيّ.

شارك في عدّة أنشطة أدبيّة في تونس وخارجها.

حاصل على عدّة جوائز محليّة وعربيّة، أبرزها:

جائزة البابطين للشّعراء الشّباب في الكويت.

جائزة أفضل قصيدة في مدينة خنيفرة في المغرب العربيّ.

المركز الثّالث في جائزة ديوان العرب/ شعر التّفعيلة.

ملتقى ديوان العرب في مصر.

المركز الأوّل في جائزة الملتقى المغاربيّ في القيروان.

المركز الثّالث في جائزة الملتقى الدّوليّ للشّعر في طنجة/ المغرب.

المركز الثّالث في الدّراسات النّقديّة في ملتقى ابن المقرّب في السّعوديّة.

للشّاعر بعض المقالات والقراءات النّقديّة، ومنها مقاله( الإيهام في القصيدة العربيّة الحديثة)، حيث يرى "أّنّ الشّعر العربيّ المعاصر عوالم متباينة تسكنها جملة من المعاني والرّموز والأساليب والرّؤى، ومن بين هذه التّقنيّات الّتي يلجأ إليها الشّعراء للتّعبير عن تصوّراتهم ورؤاهم خاصيّة الإيهام".

ثمّ يُعرّف لنا الإيهام بأنّه:

"آلية أسلوبيّة ودلاليّة تروم خلق عوالم دلاليّة متعدّدة عن طريق استخدام الرّموز والأصوات والخيالات، ويستند الإيهام إلى اللغة، والإيقاع، والتّصوير، والرّمز، للتّعبير عن واقعيّة العوالم التّخييليّة."

أمّا ما اخترته لكم من أشعاره، فقصيدتان، الأولى القصيدة الفائزة بجائزة الشّعر في خنيفرة:

تراتيلٌ من دم الياقوت

نـشِـــيـدُ حُــزْنِـكَ هــذا الشّـعـرُ أَمْ طَـرَبُ
أَمْ قَــدْ سَـقاكَ الهـوى مِنْ كَـفِّـهِ الغَضَبُ؟
أَيْـقَـظْـتَ عِـنْـدَ هُـبـوبِ الشّـعــرِ ذاكِـــرَةً
كُــرُومُها مِنْ رَغِــيفِ المــاءِ تُحْــتَـلَـبُ
كَـأنَّ روحَــكَ بالآفــــاقِ قَــــدْ نَــشَــبَــتْ
وَحَـــولَــكَ الـــرّيحُ تَـبْــكِــيها وتَـنْــتَحِبُ
وحــولَــكَ الأرضُ قدْ شَــدّتْ غَــوارِبَـها
كَـــأنّــما رِئَتـــــاها الــغيـــمُ والشّـــهُــبُ
والــيــومَ تَــهـطـلُ فــوق الـنّـارِ جَــنّــتُـنا
كَــأنّــما ذَنْــبــــها الإنــســانُ والـحِـقَـــبُ
الــمـوتُ بَـيـنَ شُـمـوعِ الـقـلـبِ يَــرْقُـبـُنـا
وبَيـــنَ أَفئِـــــدَة النّـــيــــرانِ يَحْـتَـــطِــبُ
نَـشــيـدُ حُــزنِـكَ هـذا الـشّـعــرُ أمْ لُـغَــتي
أمْ قدْ سَــقاكَ الدُّجى مِنْ جـُـرحِهِ الرّطَبُ؟
نَـامــتْ دُروبُـــكَ فـلْـتَـسـكُـنْ بِـسَــوْسَـنَـةٍ
أَعراسُها في المـدى تَــــنْأى وَتَــغْـتَـرِبُ
أطفئْ شُموعكَ واسكُـن ليـلَ مَــن ذهـبُـوا
واسْكُـــنْ بموتِــكَ كفُّ القــتــلِ لاهِثَــــــةٌ
النّفـــسُ فــــوقَ جنــــاحِ الموتِ هائِــمَــةٌ
فاحْــمـلْ خُطـاكَ تمهّلْ وَانْتعـِــلْ غضبِي
واسْمـعْ لِراحِــلَـةٍ أوطانُهــــــا سَفَـــــــــرٌ
واسـمعْ لِعـــــــــــــــــارِبَةٍ بغـدادُها وَرَقٌ
واسْمعْ لـِيوسـفَ كـفُّ الجُـبِّ تحْــمِلُـــــهُ
نامــتْ بجَفــنِ الدُّجــى أوصـــالـــهُ نَبَــــأ
والـموتُ يَطـرقُ بـــابَ العُمرِ في وَجــلٍ
واسْحبْ سمـــــــاءكَ منْ جـنَّاتِهـمْ فهُنَــــا
هُنا نـشـيـدُ القُـرى يَــــنْــسْــلُ مـــنْ قِـــدَمٍ
فاسْمعْ لِذاتـــــكَ شمسُ الدَّمـــــعِ مُقمـــرَةٌ
واسـمعْ لِضَــــادكَ جُرحُ اللّيلِ يسْكُبُـــهَا

ومسك الختام مع قصيدته الفائزة في جائزة ديوان العرب:

واسْكُــــنْ بِموتِـــك إنَّ المـــوتَ يَقْتـــرِبُ
واسْبـــقْ غيــــــــابكَ جرح اللّيلِ يَنْسَرِبُ
والأرضُ فوقَ سمــــــاءِ الأرضِ تنْسكِبُ
جُنّ الـقَــصــيـدُ وجُـنّ الحرفُ والــغضَبُ
واسْـمعْ لِنائِحَةٍ أجفــــــــانُهــــــــــا شُهُبُ
واسْمعْ لِذاكِـــــــرَةٍ أقلامُهـــــــــــا عرَبُ
كادَ الجمــــــــالُ مِن الأوصــافِ يحْتجِبُ
والرُّوحُ تَـــنزِفُ والظّلمـــــــاءُ تضْطرِبُ
فَاسْرِجْ غمامَــــــــكَ خَطوُ الخطوِ يَلـتهِـبُ
يُمنَــــــاكَ فجرٌ توارتْ فوقــــــها الحُجُبُ
هُنا ذُهولُ الرّؤى في أوجــــــاعِها طرَبُ
واشْـرِقْ كصوتٍ بِجوفِ الرّوحِ يَنْـسَكِـبُ
ضَجَّ المِــــدادُ وفي شِريَـــــــــــانهِ خبَبُ

مِنْ صَدري يَمرُّ الفاتِحون

الآنَ أَسْمَعُ من وَراءِ العَرْشِ وَقْعَ خُطايَ
أَمْشي في جِراحي حامِلًا نَجْمًا على كَتِفي،
كَأَنِّي نَيْزَكٌ قَدْ فَرَّ منْ فَلَكٍ
أَبِيتُ على النُّجُومِ،
أَنا المُعَلَّقُ بَيْنَ روحي والسَّماءِ
خُلِقْتُ قَبْلَ العرشِ، قَبلَ الضَّوْء، قَبْلَ تَشَكُّلِ الأرواحِ
حُرًّا أَرْجَأَتْني الرّيحُ،
حُرًّا أَخْرَجَتْني الرّيحُ،
حُرًّا أَنْتهي حَجَرًا،
تَضِيقُ عَليَّ أَعْضائي،
سَأَجْمَعُها وأَنْثُرُها بَعيدًا في مَدَايَ
أَفيضُ عنْ ذاتي وأُشْرِقُ مُنْهَكًا منِّي
تُحاصِرُني الجَماجِمُ والعِظامُ
ولا أَرى إِلا عِظامي إِذْ تُشَيِّدُ هذه الأَكوانَ
لَسْتُ أَرى حَياتي
رُبَّما قَدْ متُّ حَيًّا في حَياةٍ مَا، ومن روحي يمرُّ الفاتِحونَ،
ورُبَّما قَدْ متُّ لَحْنًا في غِيابٍ مَا، ومن صدري عبرتُ إلى الجحيمِ،
ورُبَّما قَدْ متُّ في جَسَدٍ سِوايَ
وما أَنا إلا احْتِمالٌ مُوغِلٌ في ضِدِّه.
الآنَ أَسْمَعُ من وَراءِ العَرْشِ هَمْسَ دَمي
لَقدْ كانَ الخَرابُ مُؤَذِّنًا في الخَلْقِ
كانَ الموتُ وَرْدًا نابِتًا فوقَ السَّحابِ
مُهاجِرًا في عِطْرِه،
وَرْدًا ضَرِيرًا لا يَحِنُّ إلى الحَياة ولا يَمُوتُ
يَرى اليَقينَ بِجُرْحِه،
وَرْدًا سَماوِيًّا يُغازِلُ غَيْمَةً مَتروكةً في لَحْمِه.
كانَ الخَرابُ مُؤَذِّنًا في الخَلْقِ
أَسْدَلَتِ الحُروبُ ظَلامَها.
فَرَّ الزَّمانُ إلى الكُهوفِ،
يُعيدُ تَأْويلَ الكِتابَةِ والظّلالِ
هُنا يَصِيرُ الكائِنُ الأَبَدِيُّ خالِقَهُ
هُنا مُسِخَ المَكانُ،
وَصارَتِ الأَرْضُ الشَّهيدةُ فكْرَةً
فَاسْتَوْطَنَتْها نَفْخَةٌ مُكْتَظَّةٌ بِخَوائِها
وَهُنا تَصيرُ النَّارُ آلِهَةً
وَيُصْبِحُ نَزْفُها أُفُقًا طَرِيًّا
يَشْتَهي أَمْسًا قَصِيًّا منْ دِماءِ المُعْجِزاتِ
هُنا يَصيرُ الطِّينُ مَنْفًى للحَضارَةِ والأُلُوهَةِ
وَحْدَهُ كانَ الحَضارَةَ،
وَحْدَهُ كانَ البَداوَةَ والإلَهَ،
هُوَ البِدائِيُّ السَّمِيُّ
وكُلَّما حَدَّقْتُ فِيَّ وَجَدْتُهُ
فَعَرَفْتُهُ وَعَرَفْتُني، وَمَحَوْتُهُ فَمَحَوْتُني
لَسْنا سِوَى حَجَرَيْنِ في جَسَدٍ حَرِيقٍ
نَحْنُ ما خَلَقَتْ يَدَانا،
نَحْنُ ما أَوْحَى اليَمامُ إلى القُرَى.
قَد أَرْضَعَتْنا الشَّمْسُ شاطِئَها وَرِحْلَتَها وَحَيْرَتَها
وُلِدْنَا منْ رِمالٍ
كَيْ نُعيدَ إلى الطَّريقِ حَنِينَهُ، وإلى السَّماءِ خِيامَها.
كانَ الخَرابُ مُؤَذِّنًا في الخَلْقِ
أَسْدَلَتِ الحُروبُ ظَلامَها.
قد أَيْقَظَ الإنسانُ وحْشَتَها
هُنا سَكَنَ الدَّمارُ،
تَداعَت الفوضى، وجُنِّزَت السَّماءُ،
فَأُحْضِرَ المَوْتى جَميعًا،
لَمْ أَجدْ نَفْسي هُناكَ
أنا شَهادَةُ مَوْتِهمْ،
لَمْ أَرْقَ بَعْدُ إِلَيَّ
حَوْلي هَهُنا، حَوْلي هُنا
وَحدي، مَعِي أَلِفُ القيامةِ، سِيرَةُ المَعنى،
مَعي شَوقٌ يَعُضُّ على دمي.
الآنَ أَعْرفُ كيفَ حَرَّرَني الغُرابُ من الغِناءِ
فَخُنتُ آلِهَتي الخَبيئَة فِيَّ،
أَبْحَثُ عنْ بَقايا الأَنْبِياءِ وَجَنَّتي.
لا شَيْءَ أَكْبَر منْ جِراحي
كُلَّما أَخْمَدْتُها اتَّقَدَتْ بِأَنْحائي
كَأَنّي خالِدٌ ملْءَ احْتِراقي
مُثْقَلٌ بالآخَرينَ أَطُوفُ في ذاتي
مَعي أَمْسي، قَناديلي، بَقِيَّةُ حاضِرٍ مُتَلَحّفٍ بَغدِي
سَأَهْجُرُني إِلَيَّ،
وفي طَريقي قَدْ سَقَطْتُ من الخُلُودِ
تَعَثَّرَتْ قَدَمايَ بالمَوْتَى،
أَرى قَبْرًا هُناكَ يَسيرُ في جَسَدي
أَرى امْرَأَةً تُسافِرُ بينَ أَجْزائي، مُحَمَّلَةً بِهاوِيَتي،
أرى امْرَأَةً كما الرُّؤيا الجَميلَة حَوْلَ عاطِفتي
تَخيطُ بِأَضْلُعي أَكْفانَ خاتِمَتي..
الآنَ أَسْمَعُ من وَراءِ الغَيْبِ صَوتي
كانَ صَوتًا عاريًا مِنِّي،
خَفيفًا مِثْلَ أَجْنِحَتي،
سَأَتْبعُهُ إلى عَرْشي وأَخْلُقُ منْ جَحيمي جَنَّتي
صَوْتًا إِلاهِيًّا يُسابِقُني إلى ذاتي،
أَرى قَبَسًا بِآخِرَتي،
أُقَيِّدُهُ فَيُطْلِقُني، وأَنْثرُهُ فَيَجْمَعُني،
تَرَكْتُ بَقِيَّتي خَلْفي وجِئْتُ الآنَ منْ أَثَري
أَرى بَعْضي هُناكَ، وهَهُنا بَعْضي
كَأَنّي آخِرُ الباقِينَ في وطني
كَأَنّي آخِرُ الأحياء في جَسَدي
عَبَرتُ إلَيَّ مِنِّي،
كُنْتُ فِيَّ نُبُوءَةً أُخْرى، وكانَ العَرْشُ مُعْجِزَتي..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى