

تهميش اللغة العربية في مناهج كليات الإعلام
إنَّ النَّاظرَ إلى وسائل الإعلام من داخل الجامعة، أعني: كلِّيَّات الإعلام خصوصًا، وعلى مستوى مصر على سبيل المثال يَجِدُ تبايُنًا واضحًا بين مقررات كليات التعليم العام وكليات التعليم الخاص فيها، ولنأخذ كلية الإعلام بجامعة القاهرة مثلاً للتعليم العام، فقسم الصحافة فيها يتطلب لدرجة البكالوريوس دراسة تسعة وعشرين مقررًا، ليس من بينها مقرر واحد يخص قواعد اللُّغة العربيَّة، على حين أنَّ الترجمة الصحفية تحتلُّ ثلاثة مقررات، أحدها الترجمة الصحفية عن الإنجليزية، والثاني الترجمة الصحفية عن الفرنسية، ثم مقرَّر (الترجمة الصحفية 2)، وكلٌّ من المقررات الثلاثة يتكون من ثلاث ساعات دراسيَّة نظريَّة، وأربع ساعات للتدريب العملي [1].
والأمر مشابه في قسم العلاقات العامة والإعلان؛ حيث يحتوي على مقررين للترجمة الإعلامية، ومقرر باسم (مادة إعلامية بلغة أجنبية)، أمَّا قسم الإذاعة والتلفيزيون فيحتوي على مقررين باسم (مادة إعلامية بلغة أجنبية)، ومقررين للترجمة.
وهذه الطريقة في وضع البرنامج الدراسي قد تؤدِّي إلى تخريج صحفي ومذيع قادر على كتابة موضوعات صحفية باللهجة العامية، أو ترجمتها بصورة ركيكة عن الإنجليزية أو الفرنسية، لكنَّها لا تخرِّج صحفيًّا يعتزُّ بلغته، كما أن تغييب اللُّغة العربيَّة عن الدراسة بهذا الشكل يرسِّخ الاعتماد على وسائل النشر الغربية، ولا مغالاة إذا رأينا أنه لا يلبِّي المطالب الوطنية، بل يرسِّخ مفهوم الدُّونيَّة، ويشير إشارة خفية إلى أنه ليس لنا لغة تستحق الاحترام والفهم والتطوير.
وإذا قلنا بمسؤولية واضعي منهج كلية الإعلام عن هذا الخطأ الفادح، فإنَّ المسؤولية تطال أيضًا كلية دار العلوم بالجامعة نفسها، وهي الكلية العريقة التي تقوم بدور كبير في حماية اللُّغة العربيَّة، ولا ينبغي أن تغفل عن أمر كهذا، بل ينبغي العمل على إدخال اللُّغة العربيَّة وقواعدها في برنامج كلية الإعلام [2].
وعند الانتقال إلى كلِّيَّة الإعلام في إحدى الجامعات الخاصة، كجامعة السادس من أكتوبر مثلاً؛ فإنَّنا لا نجد ذلك التهميش للغة العربيَّة، فمن متطلبات التخرُّج العامة لجميع الأقسام نجد في السنة الأولى مقرر اللُّغة العربيَّة بمعدل أربع ساعات، بما يعادل سُدس الساعات المعتمدة للفصل الدراسي الأول، والوضع نفسه بالنسبة للسنة الثانية [3].
وبالنَّظر إلى الفارق بين كلية الإعلام الحكومية ومثيلتها الأهلية تتأكَّد قوَّة المؤسسات الأهلية، وأنَّها قد تتفوَّق على تلك المؤسسات التي تموِّلها الحكومة، وتقوم بدور إيجابي وفاعل في خدمة المجتمع، إذا ما تمَّ تأسيسها وتوظيفها بالشكل الصحيح [4].
وختامًا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّه إذا كانت معايير الجودة تتطلب أمرين: مطابقة المواصفات، وإشباع متطلبات السوق، فإنَّ دراسة اللُّغة العربيَّة داخل كلِّيَّات الإعلام من معايير الجودة ذات الأهمِّيَّة؛ إذ من مواصفات الإعلامي العربي الناجح أن يكون ملمًّا بقواعد لغته وثقافة أمَّته وتاريخها، أمَّا عن متطلبات السوق فإنَّ المجال الإعلامي يخلو من الإعلاميين ذوي اللُّغة السليمة، وقد لوحظ بشكل واضح أنَّ أغلب مَن قدَّموا نماذج ناجحة فيما يخصُّ المجال اللغوي في الإذاعة والتلفزيون ليسوا من خرِّيجي كليات الإعلام، مِمَّا يشير إلى عبثيَّة تلك الكلِّيَّات بنسبة قد تزيد أو تنقص بناءً على عوامل مختلفة، وبناء على نسبة الاختلاف بين كلية وأخرى، على مستوى التعليم من حيث هو عام أو خاص، أو على مستوى الدول المختلفة.