الخميس ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم لمى نور الدين محمد

تعالوا لأخبركم عن العرب..

(أنا لبناني متطوع في خدمة الأمة العربية، و عربي متطوع في خدمة الإنسانية.) [1]

للمرة الأولى رهبة مميزة، و رجفان عقلي طفل..و لكل شيء مرّته الأولى...

كنت في الخامسة عندما زرعت ريشة دجاجتي المفضلة في القرية الجبلية التي نقصدها صيفا، كنت انتظر بزوغ شجرة من الدجاج.
لم أكن لأفسر بعد لعنة الدجاج في الحساء التي أخبرتني أمي عنها و هي تضحك بعينيها اللطيفتين...

و لمّا حكيت القصة لابن جيراننا "تيم" قال لي:
الدجاجة ماتت يا غبية، و أنت تزرعين ريشتها، كان عليك زرع العظام.

ماتت؟؟

في اليوم ذاته كانت عمتي "جمان" تشرح لأبي كيف أبيدت الحضارة العربية، قالت له:

_(بح)..أضاعوا ورق تخرجي كاملا، أنا الآن خارج الجامعة، و على هامش الحياة...درست الأدب العربي (عالفاضي)..لم يخبرني أحد أن الحضارة العربية ماتت!

ماتت...

كلمة أخرى تدخل قاموسي الطفولي الملون، تخبره بوجود لون جديد، لون أسود مخيف، و دجاجة تحمل حضارة عربية - متمثلة بأوراق تخرج "جمان" -...تركض في ذاكرتي، تخلع ريشها جانبا ثم تنط في قدر حساء كبير...


كانت المرة الأولى التي يوحي لي أحدهم بوجود مشكلة في اسمي و لقبي.

فبكثير من قلة التقدير و الخبرة كان لسان "ابراهيم" يسألني:
_ألا تعتقدين بأن لقبك قد يجلب لك سوء الحظ هنا، ليس لأنه يدل على الإسلام فقط، بل لأن اسمك يدل على العروبة أيضا..بما أنك متزوجة، لماذا لا تأخذي لقب زوجك ؟

الدهشة هي السبب الأول للصمت، ربما توقعت ماقيل من أي أمريكي، لكنني ما توقعت مطلقا ذلك السؤال من عربي.

لم أرد، و غيّرت مسار الموضوع إلى العمل، فقاطعني "ابراهيم ":
_لم أقصد التدخل، لكن قوة تمسكك بأصلك العربي و كتاباتك العربيّة تثير دهشتي ! كما أنك لا تدخلين في نقاشاتنا الدينية، و لا تتحزبين مع أحد ضد أحد.

_تستطيع اعتباري مسلمة، و مسيحية، و يهودية...عربية و أمريكية و من سكان المريخ...طالما أنني أعمل بجد و أعاملك جيدا يا زميل. لم يخطر في بالي قط ما هي ديانتك، و لو لم تكن تتحدث العربية،لما عرفت من أي بقعة أرضية أنت.


عندما عدت المنزل، بحثت عن معنى كلمة (الدين): لأرى هل من شأن الجميع أي دين تدين !
و بحثت عن معنى كلمة( العرب ) لأرى هل معناها مخجل إلى هذا الحد !

الدين: العادةُ والشأن - الصحاح في اللغة -: (عظيم فحسب معلوماتي البسيطة لا علاقة لأحد بعادات أحد..)

العرب:جيل من الناس: (رائع هم ليسوا فصيلة جديدة لكائنات ما !)

إذا ليس المعنى اللغوي هو مربط الفرس، المعنى التاريخي هو المحرق. و بما أن " ابراهيم " يعمل أغلب اليوم، و لا وقت لديه للإبحار في سفن التاريخ الكثيرة،ففكرته تلك مأخوذة من الواقع العربي...لماذا و كيف هذا ما سنحاول معا مناقشته في هذه السلسلة.


أذكر أنني عندما كنت في المدرسة لم تدهشني الحضارة العربية إلا في وجهين:

الأول: الشعر العربي.

الثاني: كيف انحدرت هذه الحضارة، و هوت بيد أبناء و ليس أعداء لها...

اليوم استغرب التناقضات العربية، أدهش من التكفير و (التجهيل) المتبادل..الجميع يكفر و (يجهّل) الجميع، و الكل يحتاج لشهادة أوروبي أو أمريكي حتّى يثبت أقوالا له !

المشكلة ليست دينية بحتة، لا طائفية بحتة، و لا هي قومية، و كذلك تخلو المشكلة من الأيدي العميلة، و من نظرية المؤامرة...

المشكلة اقتصادية بالدرجة الأولى، و ثقافية بالدرجة الثانية.

ففي مجتمع يدور ويلف في حلقة مفرغة ل (الفقر)، (قلة العمل نوعا و كما)، (السرقات):
سرقة تتسبب في قلة فرص أو مردودية العمل مما يتسبب في الفقر الذي يؤدي بدوره لسرقة من نوع آخر.

في مجتمع يدور في حلقة (التاريخ المزوّر المقدس)، (عدم القراءة و استخدام العقل)، (رفض الآخر):
تاريخ مزوّر،تقديسه يتسبب في عدم القراءة و تحكيم العقل، مما يتسبب في رفض للآخر بطريقة همجيّة تخلو من أي بريق للمدنيّة.

تتداخل الدوائر ببعضها في أكثر من نقطة، و يتسبب الدوران العربي بنتيجة حتمية وهي:
أولا: البقاء في نفس المكان...
ثانيا: الإقياء: استرجاع قضايا و أحداث تخلق نوعا من (الأكشن) في حياة رتيبة فارغة، و سطحية. كما يحدث الإقياء نوعا من القرف و الدهشة على الصعيد العالمي.


أنت إنسان، لا علاقة لأي كائن في هذه الأرض من أي بقعة أتيت.
ليس لأي أحد أن يفلسف و يستغل علاقتك ب "الله "، فعاداتك من شأنك فقط، و ليست محورا لدوران جديد يسبب الإقياء.


الدجاجة لا تنط لوحدها في قدر حساء..كما أنّ الحضارة العربية لم تمت...

الحضارة العربية قتلت، كما قتلت دجاجتي المسكينة، و نحن جميعا باختلاف (عاداتنا) من أكلنا لحمها...


[1ميخائيل نعيمة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى