تحكيم أعرج وفهم حرفي..
على ما يبدو منحت بلدنا " حق اللجوء الثقافي" للمنافسات الحَرفية وللمُحكمين قصيري الباع، فصرنا نتعثر بكثرة المنافسات المائية( لا لون لها ولا طعم ولا نكهة) الصادرة عن غير هيئة أو مركز أو متجر ما أو" ميني مؤسسة"، في ظاهر المسألة، تبدو هذه المباريات محطة مهمة "لترشيق" الإبداع، وتحفيز الكفاءات واكتشافها، وصناعة ثقافة خالصة، لكن المسألة وبعد قراءة متأنية في أوراقها صارت مضطهدة، وتعرضت للحرّفِية العمياء…
تترد كثيراُ في كتابة هذا النقد المتواضع-المختزل، لكنك تحاول جاهداً خلق حالة جدل، فعقب موجة منافسات ما تتكرر مجموعة أسئلة كبيرة وملّحة، ويبدو أن رعاة حركة التنافس هذه انزلقوا في "الحرّفنة"، فالبنظر إلى الأهداف الكبيرة لكل إطار، يجد المرء مداً ثقافياً نحتاج إليه حتى نتمكن من الإطاحة بالقهر المفروض على قلوبنا وأجسادنا ووطننا. لكن التعمق في قراءة هذه الظواهر نجدها تتعرض لخطر التحول إلى روتين جاف وتقليد أعمى.
تنخرط في ثلاث تجارب وكذا عدد من رفاقك، وتظنون أن هذا سيخلق حالة تقدمية تشبه الانقلاب الأبيض في حقول الصحافة والأدب والفن والثقافة والصحة والبيئة…
تكتشف تالياً أن المُعلن شيء والواقع شيء آخر، تساءل نفسك عن الجدوى، فالمؤسسة هذه والمنشأة تلك تكلف نفسها في وضع ترتيبات كبيرة لمنافسات محترمة إلى رفيعة: أفكار، إعلان، تشكيل لجان، متابعة، تنسيق، محكمون، نتائج، جوائز قليلة أحياناً، احتفالات وكالعادة يغيب التقييم والمتابعة، حتى أصبحت بعض المنافسات كشيء من الترف…
تنخرط في عمل ما، وتعكف وحفنة من منافسيك على صناعة منتج ثقافي، تغيب الهيئة المنظمة في سبات شتوي أو صيفي، وتخرج في النهاية النتائج على (ورقة أي فور) مستوردة: إشادة بمتسابق والتوصية عليه، والإطاحة به في الوقت ذاته، فعمله جميل ويفتقد إلى عنصر من الأدبيات الأساسية مدار التنافس( النفي والإثبات)!!
الطريف في الأمر لجنة التحكيم التي يكلف الاتصال بها والتعامل معها رقما محترماً يخضع لسوق البورصة، فهي مشتتة في أرجاء الأرض….
عندما يقرر المرء دخول المنافسات من هذا الطراز أو ذاك فإنه في العادة يسرف في الأمل والتوقعات بترشيق مهنيته و إغناء أدبه ،وبتعلم فنون جديدة ومهارات خارقة، لكن قرارات هذه اللجان في العادة، تبقى غير معلنة، ولا يجتمع المتنافسون مثلاً، ولجان التحكيم، فيحللًون، ويطوّرن ويندمجون في فحص مكامن الخلل، ويحاولون معاً الارتقاء بالنهج، ويتفقون على نقد رائع يساهم في رِفعة النصوص والتعالي على الأخطاء، وبناء مدارس راقية وخلق جيل فريد.
يُحدّثك صديق مقرًب عن تجربته الشخصية، فيكشف لك أن قرارات لجنة تحكيم راشدة، اختزلت محاولته في تطوير مهنيته بكلمة تجرحه وتكسر شراع أحلامه، فبدلاً من أن ينتقد المحّكم الأسلوب بأدب، كان تشخيصه وقحاً، وتسلل إلى شخص المتباري، فذهل من وُجه النقد إليه في السطر اليتيم الذي خطه المحكم المستورد، ولم يقطر لسانه حكمة أو ذهبا أو يمنح المرء الطموح قوة أمل تتمرد على الاعتيادية.
تسأل نفسك وغيرك عن السبب في نشوء ظاهرة كهذه، ولماذا يغيب عن منافستنا الهدف، ولم لا نقدّس نهج التعلم لا الاستعلاء.
يتسلل إليك في منافسة كبّدت المنظمون الكثير من التنسيق والمال والاجتماعات، لكنها لم تخضع اختيارها المحكمين لمعايير تبرر الاختيار وتمنح حكمهم الشرعية المقنعة.
ومن الساخر و الطريف أن ذلك العضو، كان يستخدم الحاسبة في جمع النقاط التي حصل عليها المتنافس، فهي في كل مرة كانت تتخطى حاجز المائة والثلاثة عشرة من مائة!!!
في تجربة أخرى لهيئة تحاول نشر وعي يتعطش له مجتمعنا، أعلنت عن منافسة مَدّدّت فترتها لثلاث مرات متتالية، لضعف الإقبال من جانب المشاركين، وعندما تضخم عدد المتنافسين هؤلاء لم يحصل إي منهم على تقدير يفوق درجة جيد، و كانت نسبة الفرق بين المراكز الأولى تقاس على ميزان الذهب، وكأننا في امتحان فيزياء( أجور الإعلان المتكرر في الصحف ووسائل الإخبار تقترب من قيمة الجائزة الكبرى لهذه المنافسة!)….
كانت التوقعات أن تكون للجنة التي تتولى تقييم ما يُكتب تفوق مهنية المشاركين، حتى يكون بوسعهم تطوير مهاراتهم وخبراتهم.لكن أحد هؤلاء يعرف بين زملائه بغياب مهنيته وقدراته اللغوية والتخصصية.
يتسلّل الخوف من تعمق ظاهرة "التحكيم الكرتوني"التي لا تستطيع خلق منافسة، ولا تسعي لتعزيز نهج الحوار والتمرن على فنون جديدة في كل المجالات، ونخشى من يوم يفوق فيه عدد لجان التحكيم رئاسة وأعضاء جمهور المتبارين.
في لقطة أخرى، يمكن للمرء مشاهدة نتاج عمل بطابع ثقافي كلف رزمة من الدولارات الخضراءٍ، لكنه وبمجرد انتهاء المنافسة نقل لمكب للنفايات لا هتم بإعادة تدوير الورق!!
وتسجّل العين الإلكترونية لك و لغيرك، إتلاف أوراق منافسة أخرى، لم يرق لرئيس لجنتها نقلها لمشتركين طالبوا التعرف على كبواتهم( كان الجواب كلمة ممنوع)!!
يقول ساخر: ربما سيفتحون مناقصة لبيع أوراق المنافسات في مزاد علني لباعة الترمس، فذلك أهم من إعادتها لأصحابها، للانتفاع بها والتعرف إلى هفواتهم ومحاولة إصلاح ما أفسدته أيديهم و أقلامهم!
تضع نقطة لنهاية حروفك، وتناشد النقاد وأعضاء لجان التحكيم من الماء إلى الماء، أن لا يمزقوا أشرعة الذين يسعون للإبحار في أدب نخشى أن يتسلل إليه العجز والوهن والمجاملة والتسلق وقصر النظر.
أرجوكم أيها السادة أن لا تهتموا بلون العدسات اللاصقة للمتنافسين، ولا بخرائطهم الجيوسياسيه، أو لون الحواسيب النقالة التي يحملونها أو هيئة البريد الإلكتروني الذي يبثون عبره رسائلهم، ولا بمنسوب وقاحة نصوصهم الصفراء…..
وأدعوكم لإعادة النصوص غير الفائزة إلى أصحابها مع نقد راق يزرع التفاؤل في أفق لا يخلو من وجع متعدد المصادر والوزن والهيئة.