الاثنين ٢٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٥
بقلم رانيا مرجية

تحجّرتُ

لأن الوعي حين يُحاصَر
يبحث عن هيئةٍ لا تُستنزف.
ولأن الفهم، إذا وُضع في بيئةٍ تعادي الأسئلة،
يتعلّم التخفّي كي ينجو.

لم يُنهكني العنف الصريح؛

ذلك يُرى ويُسمّى ويُدان.

ما أرهقني كان ناعمًا،

مُهذّبًا،

مُغلّفًا بلغة الحرص والمعرفة.

استنزافٌ بلا جروح مرئية،

لكن بنتائج قاطعة.

كنتُ في دوائر كثيرة

ولا أنتمي لأي منها.

محاطةً لا محتواة،

مرئيةً حين أُفيد،

ومُلغاةً حين أتّسع.

كان المطلوب أن أبقى أقلّ من وعيي

كي لا أُربك التوازن الهشّ من حولي.

هناك، تعلّمتُ أن بعض البيئات

لا تريد امرأةً كاملة،

بل نسخةً قابلة للتكييف:

تخفّف لغتها،

تُنعّم رأيها،

وتعتذر عن حدّتها

كأن الوضوح إساءة.

تدرّبتُ طويلًا على التنازل:

في النبرة،

في الحضور،

في الحقّ بالسؤال.

حتى صارت “اللطافة” قناعًا،

وصار الصمت مهارة اجتماعية،

وتحوّلت المرونة إلى جلدٍ إضافي

يخفي النزيف.

وهكذا جاء التحجّر.

لم يكن قسوة،

بل آلية نجاة.

الصخر لا يُستدرج،

ولا يُطالَب بالشرح،

ولا يُستنزف بسهولة.

لكنه

لا يعيش.

في لحظةٍ غير درامية،

سقط الاتفاق غير المكتوب

بيني وبين هذا الدور.

لم أغادر أحدًا،

غادرتُ الفكرة:

أن الانتماء ثمنه الذوبان،

وأن المرأة الواعية

مطالبة بتصغير نفسها

كي تُحتمل.

تحرّرتُ

حين توقفتُ عن التبرير.

حين أدركتُ أن الشرح المتكرر

ليس حوارًا

بل محكمة.

وأن من يُصرّ على إساءة الفهم

لن تنقذه الكلمات.

أعدتُ السيادة إلى الداخل.

لأفكاري حقُّ أن تكون حادّة،

ولـ “لا” حقي في أن تكون كاملة،

دون اعتذارٍ أو زخرفة.

بدأتُ من جديد

لا كبراءة،

بل كمسؤولية.

نصٌّ يعرف تاريخه

ولا يتنصّل منه.

حدودٌ بلا ضجيج،

وحضورٌ لا يطلب الاعتراف.

اليوم،

لا أطلب أن أُفهم.

الفهم امتياز،

لا حقًّا عامًا.

تحجّرتُ يومًا

لأن النجاة كانت ضرورة.

وتحرّرتُ

لأن الحياة

أوسع من أن تُعاش

بوضعية الدفاع.

أنا الآن

لا أشرح،

لا أبرّر،

ولا أقاوم.

أنا أعيش

بوضوحٍ كافٍ

ليُربك

كل ما اعتاد أن يتغذّى

على تآكل النساء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى