الخميس ٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
متعة القراءة والكتابة
بقلم صبحي فحماوي

تجربة صبحي فحماوي الروائية

بعد أن قدم أ. د. الناقد العربي الكبير يوسف بكار الروائي صبحي فحماوي في (منتدى شومان الثقافي) وتحدث عن كتابته التي سماها خماسية في الرواية والقصة والمسرح، إذ أن له خمس روايات وخمس مجموعات قصص وخمس مسرحيات، وأشاد بتجربته الروائية ، ثم أدار الجلسة التي حضرها عدد كمي ونوعي من أساتذة وعمداء كليات آداب ونقاد وفنانين وروائيين، تحدث الروائي صبحي فحماوي فقال:
 تُمتعني قراءة الرواية وتدهشني وتثقفني. وهي تُنشط مخيلتي بالمقارنة مع التلفاز الذي يقتل المخيلة والإبداع لدى المشاهد!
 درست المسرح الأجنبي منذ الإغريق وحتى اليوم فترسخت لدي الدراما المسرحية لتكون صلب رواياتي. مارست الكتابة في الصحف، ولكن كل من استشرت، قال لي (الكتابة لا تطعم خبزاً ) وهذا جعلني أتراجع عن الكتابة، وأنشغل في هندسة الحدائق، وإن لم أبتعد عن القراءة مطلقاً.
 أشعر أن القراءة هي النوافذ التي أطل منها على الحياة. وإذ أن الرواية عمل فني يعتمد على البحث عن المخفي الأعظم، عن الإدهاش الفني، وعن التنوير المعرفي، فلقد قررت كتابة الرواية والتي صارت ديوان العرب، بعد تراجع الشعر عن الصدارة. وفي روايتي (الحب في زمن العولمة) كان المخفي في شخصية الملياردير الشواوي مدهشاً ومخيفاً، إذ يختلف جوهره المتردي عن مظهره الذي يتبدى لنا مليارديراً عظيماً. وبالإضافة إلى مخزوني المعرفي، أقرأ كثيراً للتحضير لكل رواية جديدة، إذ قرأت أكثر من خمسين كتاب ذي صلة، قبل أن أكتب رواية (قصة عشق كنعانية). وفي داخلي تنغل روايات كثيرة مختلفة قضاياها، مثل بطارخ السمك التي تنتظر كثيراً قبل أن تخرج من ذات أمها. والقصة لديّ هي روح الرواية، فلا رواية دون قصة. والرواية اليوم لا تحتمل قصة واحدة من أولها وحتى آخرها.. وكما أن ( الحديثَ ذو شجون ) فالرواية ذات شجون. ورواياتي مزدحمة في المكان الواحد، إذ يتكاثر خلق كثير في مضائق الهجرة الفلسطينية – في رواية (عذبة) - ولكنها ترسم فنها المُعذِّب بأسلوب بسيط، وبتدافع دراماتيكي، فأنت– في رواية (قصة عشق كنعانية)- تلاحق الأمير الكنعاني الغزِّي دانيال بلهفة، منذ اكتشافه تحريم زواجه من محبوبته إيزابيل أميرة بيت سان لأنها أخته، وحتى نهاية الرواية حيث ينشغل بالأميرة فرح، ابنة ملك أورسالم. وفي رواياتي تجد أن التسلسل الزمني للرواية قد انتهى، مع احتفاظها بعمود فقري، أو محور واحد لجسد رواية واحدة غنية بالجماليات.
 أعشق جمالية اللغة العربية، ونظراً لخوفي عليها من الاندثار أقوم بتجسير كلمات عربية حديثة بهدف تحديث اللغة وإنعاشها، وأجدني أتحلل من قواعد(أبو، وأبا، وأبي) وأكتبها على الحكاية (أبو فلان).
 شخصيات رواياتي دائمة التنقل ولا تهدأ، فتجد أن المهندس مشهور في رواية(الإسكندرية 2050) يولد في عكا ويهجّر إلى طولكرم، ومن القدس إلى الإسكندرية، ثم إلى دبي. وبعد عمر مائة سنة، يعود إلى الإسكندرية، ثم ينتهي عائداً إلى وطنه في عكا.
أجدني أهتم بالشكل الفني وبالمضمون الفكري ، موقناً أن الكتابة التي لا تنتمي لوطنها ولا تؤثر فيه، لا تعدو كونها قشرة تنسلخ من الجلد فتذروها الرياح..
 والرواية فن ممتع ومدهش ومُشغِل لي، ومعذِّب كالهوى، فأجدني أستمتع بتخيُّل الشخصيات وإبداعها، وأتلذذ وهي تنمو وتتطور بين يدي.‏. أدون الرواية مباشرة على الكمبيوتر وأصححها، ثم أعيدها، وأكرر إعادة كتابتها حتى تنضج. و‏أثناء الكتابة أحمل فكرة وشخصيات روايتي في ذهني أو مخيلتي، تماماً كما تحمل المرأة جنينها في بطنها، فينضج على مهل، فأستطيع بعدها أن أتباهى بشخصياتي؛ أولادي وبناتي الذين أبدعتهم، فصاروا يمشون على الأرض! وأفرح عندما يبدأ القراء أو النقاد الحديث عنهم، وكأنهم أهم من الشخصيات الحقيقية.
 أعتقد أن الرواية العربية تأثرت بالرواية الغربية، وتعلمت منها، ولكن تبقى جذور روايتنا عربية، تبني على ألف ليلة وليلة التي تعلم الغرب منها فنون الرواية بصفتها "الرواية الأم".‏
 الغموض في الرواية يعطيها جماليات أبهى وإمكانية لتشغيل مخيلة القارىء، ولكن كل ذلك يجب أن يرتبط بوضوح في الرؤيا، وتبصر بالطريق الذي تتحرك فيه شخصيات الرواية، والمصير الذي ستؤول إليه.

حاول الغرب إسكات الرواية الواقعية بمختلف أطيافها بما تمثله من فكر إنساني، ثم كتبوا روايات الحداثة وما بعد الحداثة التي أفلست أخيراً، وأما نحن العرب فعلينا أن نكون واقعيين حداثيين في رواياتنا. الحوار الخارجي في رواياتي يوجد العلاقة بين الشخصيات وينسج خيوط جسد الرواية،‮ ‬وأما الحوار الداخلي فهو يفجر الأسئلة،‮ ‬ويفتح الأبواب المغلقة أمام القارئ‮.‬

أعتقد أن النقد الأدبي رغم الجهود المبذولة، فهو لا يرقى إلى طموحات الكُتاب العرب. ‬
حلمت بالجنة على الأرض التي تخيلت تباشيرها في روايتي "الإسكندرية 2050".

• أجدني أتحيز لكل شخصية من شخصيات الرواية، مهما اختلفت أفكارها عن تفكيري، وأنا مصور غير متحيز إلا لعدستي المصوِّرة ! أعترف بأن أسلوبي ساخر في الكتابة. وسخريتي هي نوع من الكاريكاتير المرسوم بالكلمات. إنها رسالة الأدب الملتزم بقضايا الإنسان.

• أراني دائم البحث عن أشياء مفقودة، ففي روايتي "الحب في زمن العولمة" ، أصور طعم الحب المفقود في زمن العولمة، وفي روايتي ’عذبة’ تجد المُهجّر الفلسطيني يفتقد الوطن، وفي روايتي ’حرمتان ومحرم’ تجد الأطفال يفتقدون الحياة حيث يُقتلون بدم بارد..

• أرى أن الروائي يسأم يوماً، فيكتب رواية! والكتابة فعل جمالي يعني لي فن التعبير عن الذات، وهي فن اكتشاف الأشياء وتصديرها إلى القراء. وهي إبداع يُشعِر الكاتب بأنه يستطيع أن يوجِد شيئاً خارج ذاته، وهي تشعرني بأنني أختلف عن سائر الحيوانات التي لا تستطيع أن تؤرخ أحاسيسها، ولا أن تخطط لمستقبلها، فتدفع مجتمعها نحو التطور.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى