الأحد ١ آب (أغسطس) ٢٠٠٤

الحلم الكبير

ابتسام محمد عبد العاطي ـ رام الله ـ فلسطين

كبرت وفاء في بيت قديم في مخيم جنين، خطت على جدارنه الأيام خطوطا مرسومة بريشة رسام مبدع، استخدم ألوانا مختلفة، هل تعرفون من هذا الرسام؟ إنه الزمن فقد مر على بناء هذا المنزل سبعون عاما، لقد رسمت هذه الرسومات ولونت بالعفن بفعل الرطوبة وعدم التهوية. تأملت وفاء هذا البيت الذي كان سببا في مرض والدتها بمرض أقعدها الفراش ، كان هذا دافعا قويا لوفاء لمحاولة تغيير الواقع إلى واقع أجمل رسمته بخيالها، نجحت في الجامعة وتخرجت لتدخل معترك الحياة ، تقدمت للوظيفة وحصلت عليها وشعرت بالفرحة وكأن لها جناحان يطيران بها ويحلقان بها فوق السحاب.

اليوم هو أول يوم لي في العمل بعد أعوام قليلة سيكون لي ولأمي بيت تدخله الشمس، سأحقق أحلامي، القرية التي تعمل بها وفاء بعيدة ولكن المواصلات متوفرة، ومرت على وفاء أيام جميلة وممتعة ولكن لم تدم طويلا ، ثار الظالم على المظلوم في الانتفاضة التي عبرت وتعبر عما تحتويه قلوبنا من شعور بالظلم والقهر.

والآن كيف ستصلين إلى المدرسة يا وفاء ؟ هذا ما قالته لها أمها.

ـ سوف نصبر يا أمي ونناضل وسأزرع في قلوب أطفالنا حب الوطن وسيزهر ويكبر وسيكون النصر الثمرة بإذن الله.
ذهبت وفاء إلى المدرسة وكانت الطريق شاقة والحواجز مذلة، وكانت تشاهد كل يوم صورا تعبر عن ظلم واستبداد الاحتلال وصلت وفاء إلى البيت، سألتها أمها كيف كانت الطريق ؟
ـ لقد رأيت اليوم مشاهد فجرت في قلبي مشاعر كثيرة ولكن ماذا أفعل يا أمي؟ قالتها بنبرة حزينة....
ـ ماذا شاهدت يا وفاء؟

ـ لقد شاهدت امرأة عجوز مريضة لا تستطيع المشي عبر الحاجز ووقعت على الأرض من شدة التعب، فذهبت إليها لأساعدها قالت لي: أنني مريضة وأريد أن اذهب إلى الطبيب ولا أستطيع المشي فماذا أفعل؟ وقفت بصمت أحدق في عينيها المتعبتين ووجنتها التي خط عليهما الزمن خطوطا تقول وتصرخ أنا كبرت وتعبت وأحتاج إلى الرعاية فهل من مجيب؟

استدعيت رجلا وقلت له : أرجوك ساعدها، ضعها في العربة التي هناك لتنقلها إلى آخر الحاجز، لبى الرجل النداء ووضعها في العربة وأنا اشهد وأقول حسبي الله ونعم الوكيل.
تابعت المسير ونظري باتجاه من يسير في الطريق فهناك امرأة حامل تجر أقدامها جرا وهناك طفل صغير يضحك وهو يحمل لعبة مسرورا بها، وهناك رجل يتذمر لأنهم أخذوا مفتاح سيارته وجعلوه يجلس على الأرض عقابا له، وهناك رجل يقول الموت أهون من العيش الذليل، ماذا أقول لك يا أمي ، لا يوجد كلام يعبر عما في قلبي من مرارة الوضع الذي نعيشه فاليوم مثل الغد، والغد مثل اليوم، بل اليوم أكثر مرارة من اليوم الذي يسبقه فإلى متى يا أمي سنبقى غريبين في ديارنا؟! متى تنتهي هذه المأساة التي نعيشها، وما هو البديل، الاستسلام والخنوع والرضا بالواقع أم الاستمرار في الانتفاضة التي هي المتنفس الذي نعبر فيه عما بداخلنا ؟! .

ـ اتركي الوظيفة يا وفاء وراتب تقاعدي الذي نأخذه يكفينا ، أنا لا أستطيع أن أراك بهذه الحالة يا ابنتي.
نظرت وفاء إلى أمها بحنان لا تخافي يا أمي فأنا قوية بإيماني لأنني صاحبة حق ولن تثنيني الحواجز ولا أسلحة العدو عن القيام بواجبي في بناء وطني وتسليح أطفال فلسطين بسلاح العلم، سأستمر يا أمي في طريقي الذي رسمته ، لقد تسامت وارتقت مشاعري وأحلامي، لقد علمتني الحواجز الصبر والقوة والتحدي، سأستمر في طريقي، لقد أصبحت يا أمي أحلامي أسمى من بناء بيت إلى بناء وطن ليكون قادرا على المرحلة القادمة إن شاء الله على نيل الحرية والاستقلال

ابتسام محمد عبد العاطي ـ رام الله ـ فلسطين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى