الى السيد «الرئيس»
معظم الشعوب العربية ليست على معرفة بحكّامها ولا ضير في ذلك ربما، بيد أن الظرف المصيري والمأزق الدقيق التي يعصف بالمنطقة يحتم على من هم في موقع السلطة ان يكونوا أكثر صراحة ومصارحة وانفتاحًا على كل شرائح المجتمع الذي يسوسنه ويحكمونه ويتكلمون باسمه.
يقوم كثير من الرؤساء بأخذ آراء مستشاريهم وما أكثرهم؛ بيد ان معظم هؤلاء يرهبون الحاكم وينافقونه بدلا من ان يصارحوه، لقد احترفوا وطيلة أعوام طويلة على الخداع، بل كثيرا ما يوحون للزعيم بأنه فوق البشر أجمعين، وان الأجواء السياسية ممتازة والاقتصادية على أحسن ما يرام، وانه أفضل الخلق على الدوام، معتمدين بذلك على تقارير لا تعكس وقع الشارع ولا حال الناس الذين يرزحون تحت عبء الفقر والقهر في أغلب الاحيان.
حالة الخوف الذي يعيشها الانسان لا يمكن ان تساعد على كشف المستور والحقيقي المعاش، ولا على حجم المعاناة التي يخلفها الكبت والقمع الممنهج والمنظم، ولا يمكن بحال من الاحوال ان تطور حالة بلد وتنقله من طور التخلف الى طور الرقي في ظل اعمال الحلول الأمنية في رقاب البشر. نعم كثيرون من أبناء الأوطان غير مرتاحين للنهج الغير العادل والسياسات الغير المنصفة التي يتعرضون لها، بيد انهم صامتون خشية هلاكهم وهم معرضون للاذلال الدائم ويسعون لتأمين لقمة العيش في ظل ظروف قاهرة.
هذه هي الحال التي استمرت عقود طويلة في كثير من دول ما يسمى ب"العالم النامي " ولم تعد الشعوب اليوم ترضى بهذا الواقع المذل فخرجت بثورات سلمية تطالب برفع الظلم والقهر.
السيد الرئيس...
الناس يسألونك عن مستقبل أوطانهم وعن جدوى الحلول الأمنية الممارسة بحقهم !
الناس يرفضون هذا النمط من التعاطي المذل لهم. يرفضون المعتقلات والسجون. يرفضون تكميم الأفواه.
الناس يرفضون مبدأ الانتخابات الشكلية المفبركة، والدساتير المفصلة على مقاس الزعيم، واللوائح المركبة المباركة من قبله.
الناس منزعجون من القوانين المعدة سلفا ومفروضة من فوق.
الناس متألمون من الأوضاع الاقتصادية القاهرة ومن البطالة المتفشية ومن غلاء الاسعار ومن الغبن الواضح في الأجور التي لا تكفي سد الرمق.
الناس مستاؤون من حالة التخلف المفروضة عليهم ومن المناهج الدراسية التي لا تتلاءم مع تطور العصر ومتطلباته.
انهم غاضبون مقهورون ثائرون...
لم يعد ثمة مكان للسياسي المداهن و لا لمفتي البلاط ولا للمثقف القابع في دائرة تهويماته ولا للشاعر المدّاح ولا للصحفي المنافق...لقد انطلق الشباب ينسجون ثقافتهم وتطلعاتهم ويرون اخبارهم ويصورون الاحداث على طريقتهم انهم يعشقون الحرية.
عليك "السيد الزعيم" ان تتفهم هذه الأمور، وان تدرك ان البشر من حقهم ان يختاروا طريقة عيشهم، وان الشباب من حقهم ان يمارسوا حقوقهم الطبيعية دون وجل من ازعاجك حتى وان طالبوك بالرحيل دون ان يوصَفوا بأنهم خونة او عملاء.
بكل شفافية وصراحة لقد سئم البشر الخنوع والاذلال، والسواد الاعظم من المظلومين ليسوا هواة حروب أهلية او أبدية بل جل ما يريده هولاء شيئًا من الاحترام والكرامة وان يحيوا بسلام حياة كريمة وان يحصلوا على ما يكفيهم لتأمين عيشهم.
ثمة مخاوف لم يبددها الزمن بل على العكس زادها شرخا وتعميقا ولم تعد تنفع معها الاصلاحات استعراضية و لا الاستفتاءات الشكلية ولا الحلول التلفيقية.بل لابد من المصارحة كل المصارحة مهما كانت مؤلمة؛ فيما عاقبة الخداع ستحمل مزيدا من الحقد والخوف وربما تدفع بالبعض نحو الانتقام والخراب فبعض الناس لم يعد يملك شيئا كي يخسره بعد ان فقد الاهل والمال والولد.
لقد آن اوان اعتماد الشفافية والمصارحة والاستماع الى كل الاصوات بما فيها انين الصامتين الذين يلهجون بالدعاء ليل نهار يطالبونك فيه بالرحيل
فلترحل ايها "الزعيم"!
فليس كل من يعارضك كائن خائن او افتراضي مزعوم!