الاثنين ٢٣ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦

المصري الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي،

إنه الشاعر المصري الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي، ذلك الشاعر الذي احتفلنا به جميعا في عيد ميلاده السبعين مؤخرا، كما أقامت له ساقية عبدالمنعم الصاوي أمسية خاصة لتكريمه حضرتها وشاركت فيها أطياف مختلفة من الشعب المصري بدءا من العامة وحتى الدبلوماسيين . فقد حضر سفير المغرب بالقاهرة محمد فرج الدجالي، سفير اليمن بالقاهرة وعضوها الدائم في الجامعة العربية عبد الولي الشميري، سفير الصومال بالقاهرة عبدالله حسن محمود، رئيس المجلس الأعلى لمدينة الأقصر د. سمير غريب، عميد كلية دار العلوم بالقاهرة د. أحمد كشك وقدمت الأمسية الشاعرة السورية خديجة ماكحلي.

 ماذا تمثل الثقافة عامة والشعر على وجه الخصوص بالنسبة لك ؟

 الثقافة هي الوعي والعمل، الوعي بما يحدث حولك والعمل على تغيير الجانب السلبي في هذا الواقع. الثقافة هي الوعاء لتاريخ أي بلد وهي البوصلة التي توجهنا. أما الشعر فأرى انه قلب الثقافة، والذي تتضح فيه ملامح وسمات الثقافة بوضوح، فهو الفكر والفن والإبداع والحرية والوضوح . الشعر هو قيمة أخلاقية فنية يعبر عنها الشاعر الذي يجب أن يكون له مثل أعلى يبغي الوصول إليه، هذا المثل لا يوجد في الواقع، لذلك فالشاعر يبحث فيما وراء الواقع.

 رغم بدايتك المبكرة في الشعر، إلا انك لم تصدر حتى الآن سوى سبع مجموعات الشعرية ؟

 بدأت حياتي الأدبية عندما جئت إلى القاهرة عام 1955 والتحقت برابطة الأدب الحديث التي كان يرأسها في ذلك الوقت الشاعر محمد ناجي، وكنت أنشر قصائدي في مجلة الآداب البيروتية التي كانت تفسح صفحاتها للشعراء الشباب. مجموعاتي الشعرية التي أصدرتها والتي منها : "مملكة الليل" ، "أشجار الأسمنت" ، "مدينة بلا قلب"، "لم يبق إلا الاعتراف" و "مرثية العمر الجميل" ، أنا أصدر عادة كل ثماني سنوات مجموعة شعرية وهذا بالنسبة لي أمر جيد.

 البعض يرى أن اهتمامك بالكتابات الأدبية والنثر هو السبب في قلة إنتاجك الشعري ؟

 بالعكس فأنا أرى نفس بالدرجة الأولى شاعرا، فالشعر هو ذاتي وكياني وهو مقصدي الأول والأخير.

 نعلم أنك أقمت في فرنسا مدة طويلة امتدت إلى 16 عاما، هل أثرت هذه الفترة على توجهاتك الأدبية ؟

 بداية أود أن أسجل أن تلك الفترة كانت من أخصب فترات حياتي في الإطلاع والمعرفة، فكنت استكمل دراستي في الشعر العربي في جامعة فرنسا، وقرأت خلال تلك الفترة في علوم كثيرة منها الفلسفة العربية والتاريخ والنثر العربي والأدب الفرنسي لكبار الأدباء من أمثال فيكتور هوجو. الحقيقة أنها كانت فترة عهدت فيها إلى تثقيف نفسي في مختلف فروع الآداب والعلم مما زاد من أفقي الثقافي والمعرفي.

 ما رأيك فى قول البعض بأن الثقافة الفرنسية هي أحد روافد الثقافة العربية ؟

 هذا القول فيه كثير من التجني على الثقافة الفرنسية، فالتاريخ والثقافة الفرنسية لا يمكن أن ينكره أحد، فهي الثقافة الحرة والرائدة في أوروبا. ولكن يمكن القول أن الثقافة العربية تأثرت بشدة بالثقافة الفرنسية نظرا لأن معظم الأدباء والمثقفين العرب درسوا في فرنسا وقرءوا لأدبائها.

 كيف ترى حال الثقافة العربية في عصرنا الحاضر ؟

 نحن الآن في مختلف الدول العربية نعيش في أزمة تواجهها الثقافة، فهناك ضعف في الحركة الشعرية والثقافية على الرغم من وجود كثير من الشعراء والأدباء فهناك فرق بين الحركة الأدبية، ومدى توافر الأدباء .

 كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة ؟

 إن ازدهار الحركة الأدبية والثقافية يتوقف على معادلة لها أربعة أطراف هم ( المبدع، الناقد، المنبر أو الوسيلة، القراء ) .

بالنسبة للمبدعين، فالوطن العربي مليء بهم من مختلف الأطياف الأدبية، فليس هناك أزمة في المبدعين . أما الأزمة فهي في باقي أطراف المعادلة، فالناقد العربي انصرف إلى الدراسة الأكاديمية وانفصل عن الواقع وعن مواكبة التيارات الحديثة في النقد الأدبي . كذلك هناك أزمة في المنبر أوالوسيلة الأدبية التي تهتم بالثقافة والأدب، وأود أن أسجل هنا أنه لولا مجلة الآداب البيروتية لما استطاع عدد كبير من شعراء الخمسينات والستينات أن يظهر بشعره ويجاهر به، فقد عملت هذه المجلة على الاهتمام بشباب الشعراء مثل نزار قباني ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور والفيتوري وغيرهم .

أما بالنسبة للقراء، فالقارئ العربي ينقصه الثقافة العامة والاهتمام بالآداب وأنا لا أحمله المسؤولية كاملة، فهو تحت واقع شديد الصعوبة وأحداث جسام تمر بها الأمة، تجعله يهتم بحياته الذاتية أكثر من اهتمامه بالثقافة .

 كيف ترى القصائد التي يتم نشرها في الصحف والمجلات ؟

 القصائد المنشورة في العديد من الجرائد والمجلات وأتابعها، تدل على أن المسؤولين عن صفحات الثقافة في حاجة إلى مراجعة، فالمشرف على تلك الصفحات يجب أن يكون متخصصا فى الاداب والثقافة, اما أغلب المشرفين الحاليين على تلك الصفحات ليسوا متخصصين وهذا يضعف من قيمة صفحة الثقافة .

تطور الشعر مرهون بتطور اللغة، فما رأيك في الحالة التي آلت إليها اللغة العربية الآن ؟

 اللغة مرآة للواقع، تتأثر به جل تأثر . فنحن في البلاد العربية نعيش حالة من التخبط مما آثر بالسلب على اللغة العربية، فظهرت كلمات خاصة على لسان الشباب تعكس مدى اليأس والإحباط الذي يتعرض له . والتطور لا يبدأ من اللغة، بل إنه يبدأ من الواقع والارتقاء به وبالتالي تتطور اللغة .

 ما هي أكثر مراحل حياتك الأدبية ثراء ؟

 أعتقد أن فترة إقامتي في فرنسا من انضج الفترات الثقافية والإبداعية في حياتي فقد أنجزت فيها الكثير من الكتابات والأعمال النثرية .

 خضت في حياتك الأدبية كثير من المعارك، فكيف ترى معركتك مع عباس العقاد ؟

 بداية أؤكد أن عباس محمود العقاد من القامات الأدبية والفكرية العربية التي لا يمكن الخلاف عليها أو تجاهل دوره في تطور الثقافة العربية . أما عن خلافي معه فيرجع ذلك إلى الرؤية الشخصية لكلا منا في الشعر والقالب الشعري . فالعقاد يرى أن شعر التفعيلة هو الشكل الأوحد للشعر العربي والذي يجب أن نلتزم به . أما أنا فأعتقد أن الشعر حالة من الانفعال والمثل الأعلى يعبر عنها الشاعر بأي أسلوب وأي شكل، لذلك كتبت القصيدة العمودية بجانب النثر وشعر التفعيلة .

 يطلق عليك بعض النقاد شاعر الصدمة أو شاعر اللحظات الإنسانية، لماذا ؟

 أنا في شعري لا اهتم كثيرا بالحب والهجر ووصف المحبوب، لكني أهتم باللحظات الإنسانية شديدة الخصوصية والتي تتمتع بالصدق الخالص . ففي قصيدتي " مرثية لاعب سيرك " مثلا أعبر عن حالة لاعب السيرك الذي يواجه الموت في كل لحظة من حياته .

 الساحة الشعرية تمتلئ بشعراء مختلفين من حيث الشكل على الأقل، فهناك القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة والقصيدة النثرية . كيف ترى مستقبل القصيدة العربية في ظل هذا التنوع ؟

 قصيدة التفعيلة هي الشكل الأساسي للشعر العربي منذ الأزل، وقد ظهرت القصيدة العمودية كرد فعل لها وكشكل جديد يمكن من خلاله أن يعبر الشاعر عن أفكاره ومشاعره، والآن ظهرت القصيدة النثرية لدى جيل شباب الشعراء كشكل جديد، فكل عصرله خصوصيته الذاتية واعتقد أن الثقافة والأدب العربي له قدرة كبيرة على استيعاب هذه الأشكال وأي أشكال أخرى يمكن أن تظهر في المستقبل .

 هل هناك قصيدة لها خصوصية لديك ؟

في سنة 1958 كتبت قصيدة تنبأت فيها بما يحدث الآن في العراق كان عنوانها ( بغداد والموت ) أقول فيها :

من قبل أن يذبح

كان ميتا يبكي بغداد زمانا ميتا

يبحث عن حجابه

عن شاعر ببابه يسمعه أنت الفتى

"محيط الثقافي" - حوار : أحمد حمدي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى