الثلاثاء ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٢
عبدالمنعم مدبولي في حوار مع ديوان العرب
بقلم أشرف شهاب

المسرح يتراجع بسبب رداءة النصوص

فى مسرحية "وسط البلد" التى تشهدها القاهرة هذه الأيام يقف الفنان المبدع عبد المنعم مدبولى، معيدا إلى الأذهان أيام الفن الجميل. أيام كان الفنان يتعامل مع المسرح باعتباره محرابا مقدسا للفن، ويتعامل مع الجمهور على أنه ملك متوج. وفى الوقت الذى يتعالى فيه صغار الفنانين على جمهورهم، وعلى مقابلة الصحفيين، حرص الفنان مدبولى على الترحيب بنا فور الاتصال به، ودعانا فى اليوم التالى لزيارته. وفى كواليس المسرح وجد مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود الفنان الكبير "بابا عبده" جالسا فى انتظاره ليكون الحوار التالى

ديوان العرب: أولا نرحب بك على صفحات مجلتنا، ونشكرك على تلبية دعوتنا فورا للحوار معكم.
 مدبولى: لا داعى للشكر. أنا كفنان أحترم دور الصحافة وأقدر الدور الذى تلعبه فى تشكيل وجدان الناس، وفى دعم الفنان. ولهذا أرحب بكم فى أى وقت.

ديوان العرب: تقول هذا فى الوقت الذى أصبح العديد من الفنانين يتعالون، ويتعللون بضيق الوقت.
 مدبولى: يجب أن نعطى الفنان عذره فى انشغاله الدائم. وفى بعض الأحيان لا يجد الواحد وقتا لحياته الخاصة. وإليك مثالا لذلك. أنا أعمل فى هذه المسرحية فى نفس الوقت الذى تلازم فيه زوجتى الفراش بسبب مرضها. ومع ذلك لا بد من حضورى للمسرح، والصعود إلى الخشبة. ولا أستطيع وسط كل هذه المشاغل زيارة زوجتى سوى لمدة ساعة واحدة يوميا.

ديوان العرب: سمعت عن مرض زوجتك عافاها الله. ولكن ألا يبدو هذا الموقف غريبا؟ لماذا لا تعتذر عن العمل فى المسرحية وتتفرغ لمراعاة زوجتك.؟
 مدبولى: هذه ليست المرة الأولى التى أتعرض فيها لهذا الموقف. فقد تعرضت لموقف أصعب من ذلك عند وفاة والدتى رحمة الله عليها. وكنت وقتها مشغولا فى تقديم عرض مسرحى بمدينة الإسماعيلية. وبسبب ظروف العرض، وبيع التذاكر وجدت نفسى مضطرا لعدم حضور العزاء، وسافرت إلى الإسماعيلية لكى ألتزم أمام الجمهور. ورغم كمية الحزن التى عانيتها وقتها إلا أننى وقفت على خشبة المسرح، وأديت دورى تحت ضغط نفسى رهيب. وبمجرد انتهاء العرض انفجرت فى موجة من البكاء. وتكرر نفس الموقف ولكن بشكل أسوأ مع وفاة شقيقى.

ديوان العرب: كيف كان الموقف أسوأ.
 مدبولى: كانت المسرحية التى أمثلها كوميدية. وكان من المفروض أن أقوم بإضحاك الجماهير وأنا أتلوى حزنا وألما. مشكلة المسرح أنه لا يعطيك الفرصة لتعتذر لأى سبب. هناك جمهور جاء من كل مكان، ولا يمكنك أن تطلب من هذا الجمهور أن يعود إلى بيته لأن أحد الممثلين اعتذر. فليس للجمهور ذنب فى أى ظروف يمر بها الفنان.

ديوان العرب: ولكن ماذا لو مرض أحد الممثلين؟
 مدبولى: مرة من المرات وفى أثناء عرض مسرحية "الناس اللى تحت" أصابنى مغص مفاجئ، وشديد. واضطررت للتوقف عن التمثيل. واستدعى عمال المسرح واحدا من الأطباء الذين كانوا موجودين بين المشاهدين. وأعطانى مسكنا، وواصلت تمثيل دورى.

ديوان العرب: كيف يكون شعور الممثل وهو يعانى من حزن داخلى ويكون مطلوبا منه الوقوف على المسرح لإضحاك الناس؟
 مدبولى: الممثل الناجح يلقى بمشاكله الشخصية خارج باب المسرح. ولهذا لا أفكر أثناء التمثيل سوى فى دورى. أما لو ترك الممثل نفسه للذكريات وهو على المسرح فذلك شىء مؤلم، ولن يساعد الممثل على النجاح.

ديوان العرب: الفنان القدير عبد المنعم مدبولى ليس مجرد ممثل، ولكن مخرج أيضا. ورغم تاريخك العريق نراك تتعاون فى هذا العمل مع مخرج شاب هو ناصر عبد المنعم.
 مدبولى: وما العيب فى ذلك؟ أنا أقف أمام ناصر عبد المنعم كأى ممثل داخل فريق العمل وأتلقى منه الملاحظات. وفى حالة وجود أى ملحوظة لى بسبب خبرتى اقدم فإننى أقدمها لناصر، ونتناقش فيها. وإذا لم يقتنع بوجهة نظرى ألتزم بما يقوله. فهو المخرج فى النهاية وهو المسئول الأول عن العرض.

ديوان العرب: من الواضح أن هذا الالتزام الفنى هو أهم أسباب نجاحكم المستمر.
 مدبولى: الفن التزام. ولا بد للفنان أن يحترم فنه، ووقته، وجمهوره. وأن يراعى الله فى كل تصرفاته. وللأسف تسرب إلى مجال الفن بعض الذين لا يحترمون فنهم، واسهموا بعدم مبالاتهم فى انتشار بعض القيم السلبية.

ديوان العرب: ألا ترى أن هذه أصبحت سمة عامة بين الفنانين؟
 مدبولى: المشكلة لم تعد مقصورة على أهل الفن فقط. المجتمع كله أصبح مليئا ببعض القيم الغريبة. وعلى فكرة أنا لم أحضر اليوم مبكرا مخصوص بسبب اتفاقى معكم على هذا الموعد للحوار.

ديوان العرب: ؟ ؟ ؟
 مدبولى: هذه عادتى عموما. أنا أحضر دائما قبل العرض المسرحى بساعة على الأقل. ويمكنك أن تتأكد من عمال المسرح هنا.

ديوان العرب: لماذا؟
 مدبولى: لأننى أحب أن أمارس بعض الطقوس الخاصة قبل العرض. مثلا أقوم بمراجعة دورى، وأقوم بتهدئة نفسى والتهيؤ للظهور على المسرح بذهن صاف. ولن يحدث هذا لو حضرت من الشارع مباشرة إلى خشبة المسرح.

ديوان العرب: لا أعتقد أن الكثير من الممثلين يفعلون نفس الشىء، فهم مشغولون طوال الوقت، وربما ليس لديهم هذه الساعة التى تقضيها فى المسرح استعدادا للعرض.
 مدبولى: صحيح. ولكننى أنا شخصيا أحب أن أحترم مواعيدى، وأكره أن يستهين أى إنسان آخر بمواعيدى. وأطالب الآخرين أن يحترموا وقتى كما أحترم أنا وقتهم.

ديوان العرب: المسرح المصرى يعانى من أزمة. والبعض يلقون باللوم على مسارح القطاع الخاص، ويتهمونها بإفساد ذوق الجماهير.
 مدبولى: هذه القضية شائكة ومعقدة. ولكن ببساطة شديدة ماذا تتوقع من الممثل إذا ظل يعمل بمسرح الدولة؟ ولم يجد المرتب الكافى الذى يضمن له حياة كريمة؟

ديوان العرب: بالطبع سيتجهون للبحث عن ما يوفر لهم دخلا أكبر.
 مدبولى: جميل. وإذا قلت لك إن الممثلون فى حقيقة الأمر هم من الفئات المهضومة؟ المشكلة أن التمثيل من المهن غير المضمونة، ولا أحد يضمن مستقبله فيها. وبالتالى يضطر الممثل إلى العمل فى أكثر من عمل فى وقت واحد، أو يقبل أعملا دون المستوى لأنه لا يضمن الغد. وهو بالتالى يسعى لتأمين مستقبله. ولهذا لا يجب أن نلوم الفنان. صحيح أن البعض يكسب كثيرا، ولكنه أيضا ينفق كثيرا.

ديوان العرب: ولكن هناك فنانين لا يرحبون بالعمل على مسرح الدولة أو ما نسميه مسارح القطاع العام. و هاأنت تقف على خشبة واحد من هذه المسارح.
 مدبولى: أنا من الجيل القديم من الممثلين الذين تربوا على خشبات مسارح القطاع العام. ولهذا لا أجد أى حرج فى العمل بهذا المسرح طالما أن هناك نص جيد وفريق عمل محترم.

ديوان العرب: إذا ما هو تقديرك كفنان قديم لوضع المسرح المصرى حاليا.
 مدبولى: المسرح المصرى يتراجع بسبب رداءة النصوص. وفى موسم الصيف الفائت لم تحقق المسارح الإيرادات المتوقعة. ولهذا هناك مشكلة تهدد بإغلاق كل المسارح. وهذه المشكلة تحتاج إلى تدخل من الدولة لدعم الفرق المسرحية.

ديوان العرب: هل هناك أعمل أخرى تنوى تقديمها إن شاء الله بعد الانتهاء من عرض "وسط البلد"؟
 مدبولى: أتمنى أن ينتهى الكاتب الدكتور هانى مطاوع من كتابة المسرحية التى يعكف عليها. والتى سيشاركنى فيها البطولة إن شاء الله الفنان فؤاد المهندس شفاه الله.

ديوان العرب: ما اسم هذا العمل ومتى؟
 مدبولى: لم ينته د.هانى من كتابة العمل بعد. ووقتها سنعرف إسمه، وموعد عرضه.

ديوان العرب: شكرا على هذا اللقاء، وسرعة تلبيتك لرغبتنا فى اللقاء. ونتركك لتستعد للعرض.
 مدبولى: أهلا


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى