الثلاثاء ١٤ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم
العــقد المــاسي..
عيد مولدي...وتعلو الطبول...تنطفئ الأضواء فجأة...وتسقط تلك الكرة المضيئة بعشرات الألوان وتتلاشى لتسطع الأضواء من جديد وصوت زوجي يهنئني: كل عام وأنت سعيدة ...أحبك...تتحرك اليدان لترصعا عنقي بعقد ماسي، يشع ضوئه في عيون المحيطين بي...أبتسم...وتلتهمني حلبة الرقص كما في كل عيد لمولدي...أدور في الحلبة بخفة...أشعر أن ملايين النجمات تتطاير مني وعيون النساء تكاد تلتهم عنقي المرصع بالعقد الماسي...وككل عيد لمولدي أرتسم في عيون الآخرين بعقد ماسي وأركض باحثة عنكَ في زوايا البيت الكبير...ولكني لا أجدك...وأراه...كم تمنيت أن أرتسم مرة بعينيك وبلا عقد ماسي...كم تمنيت أن لو تضمني على ضوء شمعة وتهمس في أذني: أحبك ووردة حمراء ترصع بها شعري...ولكني لا أجدك...تتلألأ الأضواء...والأشياء...وتأكلني العيون...يتلألأ العقد الماسي ،لكن القلب يظل...فارغا...وباردا...يلفني الضياع وأنا أتلألأ في عيون الآخرين...شيء ما بداخلي يتكسر وأنت تودعني-كالآخرين- لتأخذك الأشياء من جديد...ومرة أخرى...لا أجدك...ومرة أخرى يسرقني الوهم...وذاك الفرح الكبير الذي كان هو...ومرة أخرى...تدق الوحشة بدواخلي،تعود الأيام لرتابتها ...وأعود من جديد بلا أنت...تستقبلني زوايا البيت الكبير بأثاثه وستائره المخملية ...بلاطاته البلورية التي تعكس وجهي الحزين وثرياته المتدلية....تستقبلني لوحاته الثمينة وصورك المعلقة على جدارا ته...أذكر أنني قلتُ لك يوم زواجنا:سأعلق على كل جدار صورة لك لتظل معي دوما..يومها قلتَ لي: ستعوضك عن غيابي الكثير.يومها لم أعرف أنك ستظل غائبا ووحدها تلك الصور ستظل معي...لكنها باردة....دوما...باردة جدران البيت الكبير...باردة مساءاتي وأنا أدفئها على فنجان شاي يفقد حرارته بين يدي وأنا أعود إلى يوم أدخلتني هذا البيت الكبير...شيء ما كان حزينا بداخلي...ربما لأنه لم يكن بيتي الأول الذي أدخله...وربما لأنك لم تكن هو...دخلت بيتك الجميل..وقفتُ بداخله أحدق باتساعه المهول...كنتُ ساعتها أدخل بيته/بيتي الأول...كان من غرفتين...وكانت زهور البنفسج تملأ المكان... كنا نعشق الزهرة ذاتها...كانت الجدران مزينة بقلوب حمراء تتدلى منها جدائل الورد...وكان-عبد الحليم-يضمنا في صوته...قال لي:البيت صغير لكني أعدك ببيت أكبر حين تتحسن الظروف...وضعت يدي على فمك وقلت: انه قصري الجميل...وهو يكفيني...المهم أن تظل معي...لكنكَ غادرتني فجأة...وزهور البنفسج ما تزال تملأ المكان....لم أعرف ما حدث...رصاصة ما استقرت بقلبك ذات أحدٍ كنتَ عائدا فيه من أمسيتك الشعرية....استيقظتُ على دمك المتخثر وبرودة جسدك...لم أبك،شعور صقيعي طغى على كل ما في جسدي...وبعد أيام...انفجرتُ صراخا دام لأسبوع بالمستشفى...خرجت بعدها مكسورة...وباردة...امرأة بلا أنت...رتبتُ أيامي القادمة بلا عينيك...وبلا يديك الشعريتين...وعدتُ إلى أشيائي من جديد...عشت صباحات ماطرة كانت فيها قصائدك غائبة....عشتُ لحظات الفرح المبتور إلى أن قابلتني عيناك أنت فقررت أن أتدفأ بك من برد العمر...وتزوجتك...وبرغم الورود والموسيقى،برغم البيت الكبير والعقد الماسي...كنتُ باردة...كانت الأشياء تلمع وتلمع ثم ما تلبث أن تنطفئ...وينطفئ القلب إذ لا أجدك...يرن الهاتف...ويأتيني صوتك من بعيد:-أحلام جميلة...وحين يغيب صوتك الزائر،يضيق البيت على اتساعه وتنز جدرانه صمتا ووحشة...تمر الأيام ولا شيء يتغير...يستيقظ وجع العمر...يستيقظ الحلم...حلم الدفء...يختلط الحاضر بالماضي..أدور في فضاء البيت الكبير نزولا وصعودا...والوجوه تزاحم مخيلتي...وأتمنى لو أنك مرة واحدة لا تودعني –كالآخرين- في عيد مولدي...أتمنى لو أنك مرة واحدة تخبئني في صدرك وتنسى العقد الماسي...