الثلاثاء ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٢
الشاعر سامر أبو هواش

الشعراء الأمريكيون على النقيض من السياسيين

وإذا كان توفيق صايغ الذي رحل في مطلع السبعينيات قد اهتم بلوحة الشعر الأميركي الجديد تحت قوس واسع من الجماليات الجديدة، فإن أبو هواش يبدأ من حيث انتهى صايغ، وحيث كان جيل شعري أميركي جديد يصعد.

الشاعر الفلسطيني سامر أبو هواش واحد من أفضل الشعراء العرب الجدد الذين يكتبون القصيدة الحديثة. ولد أبو هواش في لبنان وأصدر منذ مطلع التسعينيات أربع مجموعات شعرية لفتت الإنتباه بقوة الى تجربته وما فيها من عناصر ومقومات مميزة تجاوزت القاموس الفلسطيني المعهود في الشعر الى فضاء عربي أوسع. في السنوات الثلاث الماضية عكف أبو هواش الذي اجتمعت له مكتبة شعرية مهمة بالإنكليزية على ترجمة مختارات من الشعر الأميركي، مواصلاً بذلك ما بدأه مواطنه الشاعر توفيق صايغ الذي قدم أول أنطولوجيا شعرية أميركية من نوعها في الستينيات.

وإذا كان توفيق صايغ الذي رحل في مطلع السبعينيات قد اهتم بلوحة الشعر الأميركي الجديد تحت قوس واسع من الجماليات الجديدة، فإن أبو هواش يبدأ من حيث انتهى صايغ، وحيث كان جيل شعري أميركي جديد يصعد.

قدم أبو هواش حتى الآن ثلاثة شعراء أميركيين، هم ، كيم أدونيزو، ولانغستون هيوز وآرتشي راندوف آمونز. وثلاثتهم ينتمون شعرياً من جيل ما بعد الحرب العالمية الأولى الى جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث ولدت منذ النصف الثاني من القرن العشرين حركة شعرية جديدة في أميركا.

وإذا كان توفيق صايغ قد نشر مختاراته الأميركية في كتاب واحد هو "خمسون قصيدة من الشعر الأميركي" فإن الجديد في عمل أبو هواش أنه يفرد لكل شاعر كتابا، أما الأكثر إثارة في مشروعه الصادر في سلسلة تحت عنوان: "أشياء أخرى تأتي من بلاد العم سام" فهو أنه يقوم به بصورة مستقلة عن أية مؤسسات ترعى ترجمة الأدب، ويطبعه في بيروت على نفقته الشخصية.
"المشاهد السياسي" التقت الشاعر سامر أبو هواش على هامش مشاركته في مهرجان الشعر الدولي المتوسطي في لوديف في جنوب فرنسا، وخاضت معه في حوار حول مشروعه المميز في ترجمة الشعر الأميركي.

قلت لأبي هواش:

أنت تباشر مشروعاً كبيراً في الترجمة، ما الذي جعلك تختار الشعر الأميركي لتقدمه للقراء العرب المهتمين بالشعر، سيما وأنك شاعر فلسطيني والفلسطينيون هم من أكثر الشعوب تضرراً من الإنحياز الأميركي لصالح الإسرائيليين ضد شعب فلسطين؟
 ببساطة، ومن دون بلاغة لا حاجة بنا اليها. هناك أسباب جمة، أهمها أن الشعر والشعراء يقيمون في جهة من العالم، والسياسيون في جهة أخرى. ينطبق هذا على أميركا وينطبق على سواها. شعراء أميركا من بين أبرز شعراء العالم في معاداة السياسيين، والهزء منهم، ومواجهتهم بالنقائض الإنسانية والجمالية، ولنا في قصيدة "عواء" لألن غيسبرج مثال كامل على ما أقول. أما السبب الأكثر جوهرية وأساسية فهو وجود شعر أميركي باهر، ولا نعرف عنه إلا القليل .

اكتشاف الشعر الأميركي

كيف بنيت معرفتك بالشعر الأميركي؟
 بداية كنت أقرأ، ما أحصل عليه من المجموعات والأنطولوجيات الشعرية من مكتبات بيروت. ثم أتيح لي الدخول على موقع شعري خاص وثري جداً على الإنترنت بعون خاص من صديق أوروبي الأمر الذي مكنني من الإطلاع الواسع على المكتبة الشعرية الأميركية والإنكليزية. كنت مجرد قارئ ، ثم لما تجمعت لدي مكتبة كبيرة من الأعمال الشعرية الأميركية خلال القرن العشرين، اكتملت لدي صورة الشعرية الأميركية من خلال اتجاهاتها البارزة. وبدا مهماً بالنسبة الي تقديم ترجمات لمن أثارتني تجاربهم من الشعراء والشاعرات. فبدأت أترجم، وفي عزمي من حيث المبدأ أن أقدم أكثر من عشرين شاعراً شغلتني أعمالهم وأثارتني لغاتهم والجماليات التي ينطوي عليها شعرهم.

الشاعر الأسود

قدمت حتى الآن ثلاثاً من هؤلاء الشعراء، فهل لك أن تحدثنا حول واحد من أبرز هؤلاء الشعراء، الثلاثة، وأعني به الشاعر الأسود لانغستون هيوز الذي لم يسبق أن طبع له كتاب شعري مترجم الى العربية، قبل أن تقوم أنت بذلك؟
 لانغستون هيوز (1902 –1967) هو أحد كبار الشعراء المعاصرين وأحد رموز ما عرف خلال الثلث الأول من القرن العشرين بـ "نهضة هارلم". الكيان الثقافي والفكري والسياسي والاجتماعي والفني الذي جمع نخب السود ووحّدهم في محاربة التمييز العنصري والعرقي في أميركا والمطالبة بالمساواة الثقافية (الاعتراف بالآخر) والمساواة مع البيض. انطلقت "نهضة هارلم" أو "حركة النيغرو الجديدة" كسلسلة من النقاشات دارت بين المثقفين والفنانين في منهاتن السفلى (غرينويتش فيلج) ومانهاتن العليا (هارلم) في نيويورك، وعكست وعياً جديداً للسود بأنفسهم وبالعالم من حولهم. أحد عوامل صعود هذه الحركة تمثل في موجات الهجرة الكبرى للأفارقة الأميركيين من المدن الأميركية الجنوبية الى مدن الشمال مثل واشنطن ونيويورك وشيكاغو، لا سيما في الفترة بين 1919 و1926. وترافق ذلك مع بروز عدد من المفكرين الأفارقة من أمثال عالم الاجتماع والناقد ألين لي روي لوك صاحب الكتاب التأسيسي "النيغرو الجديدة"، وماركوس غارفي مؤسس "رابطة الإنماء العالمية للسود" و إي دوبوا صاحب مجلة "كرايسيس" التي أصبحت صوت المثقفين السود في أميركا. وبالإضافة الى هؤلاء شهدت تلك المرحلةبروز عدد من الكتاب والفنانين والشعراء من أمثال لانغستون هيوز وكونتي كولن ولويز مايلوجونز وويليم جونسون وبالمرهايدن وأنجلينا غريمكه وجسي زدمون فوست ونيلا لارسن وزورا نيل هورستون وكلود مكاي وجان تومر وأرنا بونتمبس.

دور هيوز

ما الدور الذي لعبه هويز بين هؤلاء الشعراء وفي إطار هذه الحركة؟
 لعب هيوز من خلال نتاجه شعراً ونثراً وفي المسرح والرواية والقصة القصيرة والمقالة الدور التأسيسي الذي لعبه كل من دوبوا ولوك. فإذا كانت مهمة المفكرين السود محاججة الدعاوى العرقية التي كانت منتشرة بقوة في العالم الغربي والقائلة بالإنحطاط "الأصلي" (بالولادة) والجيني للعرق الأسود وعدم قدرته "الطبيعية" على التطور والإرتقاء، فإن أهمية هيوز تمكن في أنه قدم البعدين الروحي والحضاري للسود والمتثلين في الأشكال التعبيرية والإيقاعات الموسيقية والثقافة الطقوسية الضارية عميقاً في التاريخ. وبالتالي فإن السود غير طارئين على البشرية وغير ثانويي مسار تطورها. الى ذلك عكس هيوز في شعره ومسرحه ونصوصه النثرية واقع المجتمع الأسود في يوميات عيشه دامجاً بين تصوير أقصى المأساة وأقصى الأمل مخاطباً الفئة المضطهدة، أي السود، وتلك المضطهدة، أي البيض، في آن معاً، محفزاً الأولى على الخروج من وضعية الضحية، وكاشفاً للثانية تناقضات سلوكها وخطابها السياسي والثقافي.

شاعر الشعب

هل لك أن تحدثنا قليلاً حول السيرة الذاتية لهيوز؟
 يمكن تلخيص سيرة هذا الشاعر الأسود من مصادره الشخصية، فنحن نقرأ عنه في مقدمة المختارات ما كتبه بنفسه ملخصاً بدايات حياته ونشأته الأولى بقوله: "ولدت في جوبلن بميسوري، أيم كاري عملت مدرسة قواعد اللغة الإنكليزية في أوكلاهوما حيث التقت أبي الذي كان يعمل في مكتبة وقتذاك. حتى سن الثانية عشرة قامت جدتي ماري سامسون بترسون ليري لانغستون بتربيتي. بعد موتها انتقلت للعيش في لينكولن بايلينوي مع أمي التي كانت قد طلقت أبي لتتزوج هومر كلارك حيث عاشت معه زمن طفولتي في المكسيك. درست في ثانوية كليفلاند، ولدى تخرجي ذهبت الى المكسيك حيث عشت مع أبي بضع سنوات. أولى قصائدي كتبتها في الثانوية ونشرتها في مجلة المدرسة". يتابع هيوز "ذهبت من المكسيك لمدة سنة، حتى 1921، الى جامعة كولومبيا، ثم اشتغلت في مدن عدة في أرجاء نيويورك، وانتهى بي الأمر بحاراً في الرحلات الذاهبة الى أفريقيا وهولندا ثم عملت طباخاً في مطعم ناد ليلي في باريس. لدى عودتي الى أميركا عملت نادلاً في فندق "واردمن بارك أوتيل" في واشنطن، وتمكنت من اجتذاب انتباه فاشيل لندساي عبر ثلاث قصائد دسستها في صحن طعامه".

وفي 1967 عام وفاته بالسرطان كان هيوز قد أصبح بمثابة الأسطورة التي تتجاوز الكتابة والشعر الى مستوى الرمز حتى أطلق عليه البعض لقب "شاعر الشعب الأميركي".

من أعمال هيوز في الشعر "قصائد البلوز الغريبة" (1962)، "أيها الموت العزيز" (1931)، "حافظ الأحلام" (1922)، "شكسبير في هارلم" (1942)، "بطاقة سفر بلا عودة" (1949) "مونتاج لحلم مؤجل" (1961)، "أسال أمك" (1961). وقد نشرت الأعمال الشعرية الكاملة للانغستون هيوز (1994).

عن المشاهد السياسي


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى