الرسول لم يكن يمازح النساء يا عمرو خالد!

كان للانتقادات التي وجهتها العلمانية لموقف الإسلام من قضايا المرأة، الأثر البالغ في تحرك الكثير من الردود. فقد ظهرت محاولات متعددة ومتنوعة، بعضها يعتريه اليأس الواضح، من أجل التصدي لهذه الانتقادات. وعقل المرأة من ابرز هذه القضايا التي يُثار حولها النقاش، بل يعتبرها كثير من الناس أنها أساس تخلف المرأة، والنظرة القاصرة إليها، وهضم حقوقها. وقد تجد المرأة المسلمة العزاء والسلوى في هذا النقد اللاذع إذا عرفتْ أن نقص العقل ليس يقتصر عليها وحدها، بل هو اتهام قد طال الإسلام نفسه بما فيه ومن فيه. لكن الغريب في الأمر أن قضية العقل نفسها هي غير مفهومة، بل ومستعصية على العقل نفسه، فما بالنا نراها واضحة تمام الوضوح عندما يتعلق الأمر بالمرأة وبعقلها؟

نظرية الممازحة والمداعبة

كثرت التفسيرات والتأويلات والمخارج لحديث ناقصات عقل ودين. لكن ثبوت الحديث يعد العقبة في وجه أي تأويل، فقد رُوي من طرق متعددة صحيحة وفي أكثر من كتاب، على الرغم من وجود من يتجرأ على الحديث، فينكره أو يضعفه أو حتى يتوارى خجلاً من ذكره. وأطرف ما قيل من أجل تبرير الحديث هو نظرية الممازحة والملاطفة والمداعبة والمباسطة، وما إلى ذلك من عبارات التفكه. فالحديث قد قيل في مناسبة عيد والنساء خرجن من الصلاة، فلا يُعقل أن يُوجَّه إليهن خطاب ينغص عليهن فرحتهن بالعيد وبهجتهن بهذه المناسبة العظيمة. وربما لا يقل طرافة عن ذلك قول من يقول أن الحديث يُخبر عن واقع يحتاج إلى تغيير، ولا يشرِّع تشريعاً عاماً. ولسان حال هذه الطرفة يقول بأن أمهات المؤمنين وباقي الصحابيات - على الأقل - كن ناقصات عقل، وأن الأمر قد تغير ولم يعد كذلك. وقد تبنى هذه الآراء الكثير من العلماء والمفكرين رجالاً ونساء، مثل عبد الحليم أبو شقة والقرضاوي وعمارة والعوا ودار الإفتاء بالأزهر والبوطي وعمرو خالد وليلى الأحدب وسهيلة زين العابدين وعبلة سعيد وهبة رؤوف وغيرهم.

رأي عمرو خالد

تبنى الواعظ النفسي عمرو خالد نظرية الممازحة وروَّج لها، وهو يعبِّر عنها بالعامية المصرية بالهزار. وسوف نورد رأيه كما حكاه في برنامج صناع الحياة في حلقة بعنوان: رفع الظلم عن المرأة. وقد حرصنا على إيراده بالنص كما هو بالعامية، وهي الطريقة التي يخاطب بها مستمعيه، لئلا نُتهم أننا اجتزأنا كلامه أو حرّفنا فيه. فقد سبق وأن وجّه إلينا أتباع عمرو خالد اتهاماً مشابهاً عندما انتقدنا كلامه عن العقل في مقالة سابقة. هذا مع العلم أن تلخيصنا الدقيق لكلام عمرو خالد عن العقل يعجز هو نفسه عن صياغته كما ورد في مقالة لنا سابقة عنه (انظر الروابط في نهاية المقالة).

يقول عمرو خالد بالحرف الواحد: (خلوا بالكم: النساء ناقصات عقل ودين، إمتى النبي قال الحديث دا؟ يوم العيد الصبح، وهو خارج من صلاة العيد، أول ما قابل الستات اللي طالعين من صلاة العيد. بالله عليكم، يوم العيد الصبح، والستات حضروا صلاة العيد مش ماحضروش! حضروا صلاة العيد، والنبي الحكيم الرحيم أول ما يقابل الستات يقول لهم: أنتم ناقصات عقل ودين، يوم العيد اللى هو يوم الفرحة! أنا عايز أقول لكم إن الموضوع مش ماشي! يوم العيد اللي هو يوم الفرحة يوم العيد اللي النبي صلى الله عليه وسلم الستات طلعوا جزاهم الله خيرا حضروا صلاة العيد، والنبي، الحكمة، والرحمة، يقابلهم يقول لهم: انتو ناقصات عقل ودين. مش ممكن يكون المفهوم دا. مش يمكن كان بيهزر معاهم؟ على فكرة أحد العلماء أو كتير من العلماء قالوا كدة: لعله كان يداعب النساء! واتاخدت واتلوت، وبقى كل واحد عايز يشتم واحدة ست يقول لها: إنت ناقصة عقل ودين، والمعنى ما كانش كده).

إذا كان معلوماً عن الرسول أنه كان يمزح ولا يقول إلا حقاً، فهل ما قاله عن نقصان العقل والدين حق أم لا؟ ولو أنه قاله في حق الرجال فهل كان سيُفسَّر بالممازحة أيضاً؟ وإذا كان الرسول يمازح النساء فلم سألته النساء عن معنى هذه المزحة؟ أليس الأولى أن يضحكن أو يبتسمن؟ وأن يُنقل ذلك عنهن أو عن الرجال وقد ضحكوا ولو بطريق المجاملة؟ لا شك أن مخرج الممازحة لحديث ناقصات عقل ودين مخرج طريف جداً، وهو يكشف عن مدى العجز والهوان الذي لحق المسلمين بأفكارهم ومفاهيمهم، للدرجة التي يحاولون ليّ اعناق النصوص وعصرها وادخالها في قوالب غير قوالبها، من أجل أن تساير أفكار الحضارات الأخرى. فهل نجحت هذه المحاولات أم بقيت النساء على الرغم منها ناقصات عقل ودين؟
رأينا في عقل المرأة

لقد أوضحت رأيي في موضوع عقل المرأة في أكثر من مقالة على الإنترنت وفي الصحف والمجلات، وتجد في نهاية المقالة إشارة إلى بعض الروابط التي تعرض لهذا الرأي. ويتلخص رأينا في ان نقصان العقل ليس خاصاً بالمرأة، بل ويعم الرجل أيضاً، وذلك وفق نص الحديث ومدلوله، ووفق مفهوم العقل كما ينبغي أن يكون، وكما فهمه سلفنا الصالح في عهد النبوة ومن بعدهم، بعيداً عن تأثير الحضارات الأخرى. وليس أدل على ذلك من أن القرآن الكريم قد وصف الكفار بأنهم لا عقول لهم أو أن أكثرهم كذلك. وهؤلاء فيهم العظماء والعباقرة وعِلْية القوم، أي أن فيهم الرجال والنساء على حد سواء. ولا يتسع المقام هنا للمزيد، لكننا سنفصل الموضوع برمته في كتاب عن عقل المرأة في طور الإعداد إن شاء الله تعالى.

وبما أن الحق أحق أن يتبع، فإننا ندعو عمرو خالد وغيره إلى إعادة النظر في آرائهم لا سيما المتعلق بنظرية الممازحة، وتبني هذا الرأي الجديد والعمل به لأنه هو التفسير اللائق بالدين وبالمرأة وبالعقل نفسه.

<روابط المقالات

*******

* عمرو خالد يصنع الحياة أم يفسدها؟

* أتباع عمرو خالد مفكرون أم مكفرون؟

* ضرورة تغيير النظرة إلى عقل المراة

* ما معنى ناقصات عقل؟