الرؤية الوصفية في الشعر العباسي
مدخل:
يرتبط الوصف بنقل الصورة المرئية أمام الشاعر إلى صورة كلامية يستعيض بها المتلقي عن الرؤية العينية الآنية للمشهد الموصوف ومن ثمة كان " أحسن الوصف ما نعت به الشيء حتى يكاد يمثله عيانًا للسامع " تمثيلاً قد تتبدى معه عاطفة الشاعر وأحاسيسه تجاه ما يصفه، وقد لا تتبدى بحيث يكون الشاعر مجرد ناقل لما يراه، وفي كل الأحوال يشير فن الوصف إلى الرابطة التي تربط الشاعر بالمتلقي، وكلما كان المشهد الموصوف من الدقة والجمالية بحيث يستثير مشاعر المتلقي وعواطفه، كانت الرابطة بينه وبين الشاعر قوية، وكانت حيوية النص الشعري وثراؤه
وقد شمل فن الوصف كل ما وقعت عليه عين الشاعر من مظاهر حسية مادية، أو غير مادية كالذي يحسه من عواطف نفسية مجردة، وعلى ذلك فقد دخل الوصف كل فنون الشعر العربي "فالمدح وصف نُبل الرجل وفضله والنسيب وصف النساء والحنين إليهن والشوق إلى لقائهن، والرثاء هو وصف محاسن الميت وتصوير آثاره وأياديه، والهجاء وصف سوءات المهجوّ وتصوير نقائصه ومعايبه" ومن ثمة لم يكن غريبًا ما قاله ابن رشيق القيرواني: إن "الشعر إلا أقله راجع إلى باب الوصف"
ولقد تناول قدامة بن جعفر فن الوصف باعتباره واحدًا من أغراض الشعراء العرب، وعرّفه بقوله: "الوصف إنما هو ذكر الشيء كما فيه من الأحوال والهيئات" وذلك لأن "أصله من الكشف والإظهار 0 يُقال وصف الثوب الجسم إذا نمَّ عليه ولم يستره" هذا إذا اعتبرنا أن كل غرض من أغراض الشعر العربي ينطلق من فكرة الإظهار والكشف عما في النفس قبالة الموضوع الذي لا يقف عند معنى واحدٍ أو غرض محدد ؛ إذ أغراض الشعر جميعها ربما آلتْ، أو انتمت إلى فن الوصف ؛ لأنه في ضياء ما سبق "يكون المدح وصفًا للممدوح والهجاء وصفًا للمهجوِّ والافتخار يكون وصفًا للمفتخِر، والرثاء يكون وصفًا للميت، والتشبيه وصف الشيء بأنه يشبه شيئًا آخر، والنسيب هو وصف المحب والمحبوب" بيد أننا لابد من أن نميز بين تلك الأغراض من حيث الحالة النفسية والعاطفية والسياقية والصياغة الشعرية
وإذا كنا في الأغراض الأخرى نتوخى العاطفة المسيطرة على الشاعر، فإننا في الوصف قد نتغاضى عن هذه العاطفة، اللهم إلا إذا حصرناها في عاطفة الإعجاب الشكلي بالموصوف، وذلك إذا كان الأمر مجرد وصف، أو أن نربطها بالدلالات المصاحبة لعملية الوصف إن جاء في سياقات دلالية تستدعي ذلك الربط، ومن ثمة كانت المفاضلة بين الشعراء في عملية الوصف "فمنهم مَنْ يُجيد في الوصف ومنهم من يُقصِّر، ومنهم من يكون وصفه متوسطًا، وذلك كله إنما يكون بحسب ميل نفوسهم إليه، واستعدادهم لمواد ما يصفونه"
ولقد قدّم الشعراء العباسيون في المباحث السابقة لوحات فنية كانت فيها الشمس مفردة من مفرداتها دون أن يدور الحديث حولها، أو أن تكون موضوع الحديث ومحوره، ومن ثمة كانت السياقات الشعرية التي وردت فيها: الغزل بالمرأة أو المذكر والمدح والاعتذار والرثاء والفخر، وهنا في سياق الوصف سوف تكون الشمس المحور أو المركز الذي تنبني عليه اللوحة التصويرية الوصفية، أو أن تستدعى الشمس في أسوقة غير إنسانية، كأن تكون في وصف الحيوان أو النبات أو غيرهما، دون أن يعني ذلك اتصال الدرس هنا بدرس الرؤية الجمالية، أو الرؤية العلوية؛ لأن الرؤية هنا مجرد وصف للموضوع من زاوية فنية خالصة متكئة على التصوير الفني للشمس من حيث التشخيص أو التجسيد وكذلك التوضيح، وثلاثتها أسوقة فنية افتن الشعراء
الصورة الفنية:
انتبه الشعراء العرب منذ تفتحت قدراتهم الإدراكية إلى الشمس، ونظر كل منهم إليها من زاوية خاصة به، ومن ثمة تعددت الصور الوصفية التي قدموها للشمس من ذلك قول ابن الرومي في وصف الزهر وأثره في الربيع التارك أثره على كل مظاهر الطبيعة ومنها الشمس التي يقول فيها [منسرح]:
وَتَظْهَرُ الشَّمْسُ فِي النَّشَاصِ لَنَــا
مِثْــــلَ عَـــــرُوسٍ تَـسَتَّرَتْ خَـجَـــــلاً
مِــــنْ خَــــلَلِ الْــغَـيْـــــمِ إِذْ تَـغَشَّـاهَـــــا
مِـــنْ بَــعْــلِـهَــــا بَـعْـدَ أَنْ تَــجَــلاَّهَـــــا
فهو يقدم هذه الصورة الوصفية للشمس عند الغروب مصبوغة بصبغة ذاتية لا تتنافى وجمعية الضمير في لنا ؛ لأن الجمعية هنا مصحوبة بخصوصية الظهور، ومن ثمة ذاتية الرؤية التي رأت الشمس وقد بدت من بين السحاب المرتفع ـ النشاص ـ حيث غطاها الغيم كأنها عروس تسترت من زوجها وقد كشفها، وهنا نلحظ جمالية الوصف في استدعاء الدلالات المصاحبة للتصوير الوصفي، فالعروس تستدعي البكارة، أو تشير إلى أول طلوع الشمس حيث الطهارة والوضاءة والجمال المناسب للعروس ليلة عُرسها
وفي استدعاء مشهد العُرس وتشبيه الشمس بالعروس، والسحاب أو الغيم هو البعل، أو الزوج الذي يتغشاها، ثم يتكشفها، هو استدعاء ميثولوجي لعلاقة الشمس بالسحاب والقمر والأجرام السماوية، وقد عد الفكر الميثولوجي القمر زوجًا والشمس امرأته ومن تزاوجهما كان كوكب الزهرة أو عثتر على نحو ما سبق مما أشرنا إليه من قبل، بيد أن ما نقف عليه هنا هو صورة الشمس التي نزع فيها ابن الرومي إلى التشخيص باعتباره "الملكة الخالقة التي تستمد قدرتها من سعة الشعور حينًا ومن دقة الشعور حينًا آخر فالشعور الواسع هو الذي يستوعب كل ما في السماوات والأرضين من الأجسام والمعاني، فإذا هي حية كلها ؛ لأنها جزء من تلك الحياة المستوعبة الشاملة"
وهذا التشخيص الذي أحال الشمس عروسًا قد يتناقض ومنظر الغروب بما يستدعيه من مشاعر حزينة درجت الشعرية العربية القديمة على ربطها بالغروب ونحن لا نستبعد مثل هذا الشعور بنفسية ابن الرومي الحزينة المذعورة المتشائمة فقد كان متشائمًا كثير الطيرة كما يقول ابن رشيق وثمة حكايات كثيرة حول تشاؤمه، وهي حكايات قد يصدق بعضها، وقد لا يكون بعضها الآخر حقيقيًّا وصمه به أعداؤه، على أن الذي تواترت به أخباره أنه "كانت به علة سوداوية ربما تحركت عليه، فغيرت منه" ولذلك كانت غلبة نزعة الحزن والتشاؤم والقلق والريبة التي سيطرت عليه، وكانت نظرته تلك للغروب رغم عموم النظرة عند الشعراء، فهو يقول [ طويل ]:
كَـــأَنَّ خُــبُـــوءَ الـشَّـمْسِ ثُمَّ غُــرُوبَـهَـــا
وَقَـدْ جَعَلَتْ فِي مَجْنَحِ اللَّيْلِ تَمْرَضُ
تَخَاوُضُ عَيْنٍ مَسَّ أَجْفَانَهَا الْكَرَى
يُـــرَنِّــــــقُ فِــــيـهَـــــــا النَّـــــــوْمُ ثُـــمَّ تُــغَــمِّــضُ
وهي صورة لا تقل حزنًا وقتامة عن سابقتها؛ إذ يصور الشمس مريضة وقد اختبأت تمهيدًا للمغيب أو الغروب بالعين الغائرة ـ تخاوض ـ التي يداعب أجفانها الكرى، ثم تغمضهما، فيعم الظلام؛ لتنبعث أو لتتوالى عليه الهموم والأحزان التي لا يفارقها، وقال في مشهد الغروب كذلك [طويل]:
إذا رَنَّقَتْ شَــمْـــسُ الأَصِــيــــلِ وَنَفَّضَتْ
ج
عَـــــــلَى الأُفُــــــقِ الْــغَــرْبِيِّ وَرْسًـــا مُـذَعْــذَعَــــا
ج
وَوَدَّعَــــتِ الــــدُّنْـيَــــــا لِـتَـقْـضِيَ نَـحْـبَـهَـــــــا
وَشَـــــوَّل بَــاقِـي عُــمْــــرِهَــــــــــا فَـــتَــشَــعْــشَـعَــــــا
وَلَاحَــظَــــــــتِ الـــنُّـــــــوارَ وَهْيَ مَـرِيـضَــــــــةٌ
وَقَــــدْ وَضَعَتْ خَــــدًّا إِلَى الأَرْضِ أَضْـرَعَـــا
ججج
كَـــمَــــــا لَاحَــظَتْ عُـوَّادَهُ عَيْنُ مُــدْنَفٍ
تَــــوَجَّـــــعَ مِــــــنْ أَوْصَــــــابِهِ مَـــــــا تَوَجَّـعَـــــــــا
ج
وَظَلَّتْ عُيُونُ النَّوْرِ تَخْضَلُّ بِالنَّدَى
كَمَا اغْرَوْرَقَتْ عَيْنُ الشَّجِيِّ لِتَدْمَعَا
يُــــرَاعِـيـنَـهَـــــا صُـــــــوَرًا إِلَـــيْــهَــــــــا رَوَانِـيًـــــــــــا
وَيَــلْحَــــظْـــــنَ أَلْـحَـاظًـــــا مِنَ الشَّجْوِ خُشَّعَا
ججج
وَقَــــدْ ضَرَبَتْ فِي خُضْرَةِ الرَّوْضِ صُفْرَةٌ
مِنَ الشَّمْسِ فَاخْضَرَّ اخْضِرَارًا مُشَعْشَعَا
فهي صورة جديدة للشمس المريضة المشرفة على مفارقة الدنيا ـ تقضي نحبها ـ بالغروب، والجدة في هذه الصورة عن سابقتها هو الملكة التخييلية عند ابن الرومي الذي أدخل في الصورة عنصرًا جديدًا له علاقة بالشمس وهي علاقة الأم بأبنائها، وما هذا العنصر الجدي إلا الأزاهير، أو النور الأبيض الذي تفتح ليتلقى غذاءَه من الشمس، بيد أن تلك الأزاهير تفجع إذ ترى الشمس أمامها مريضة قد أسند مرضُها خدَّها إلى الأرض، فباتت متوسلة بمرضها ناظرة إلى زائريها من النور والأزاهير نظرة استعطاف دفعت هؤلاء الزوار إلى مبادلتها النظرة الخاشعة الحزينة لفراقها
وليس يغض من جدة الصورة على هذا النحو أن يكون الشاعر قد تأثر بمن سبقه من الشعراء خاصة حُميد بن ثور الهلالي الذي يقول في وصف الشمس الجانحة للغروب [كامل]:
وَالَّليْــــلُ قَـــــدْ ظَــهَــــــرَتْ نَحِيزَتُهُ
وَالشَّمْسُ فِي صَـفْرَاءَ كَالْوَرْسِ
فإن لون الشمس عند الغروب وظهور الليل قد اقتربت صفرته من نبات الورس، وقول حُمَيْد أيضًا [بسيط]:
وَالشَّمْسُ قَدْ نَفَضَتْ وَرْسًا عَلَى الأُفُقِ
أقول: إن هذا التناص الذي يقيمه ابن الرومي مع حميد بن ثور الهلالي في وصف الشمس عند الغروب لا يغض من جِدّة الصورة التي رسمها هو للشمس عند الغروب من حيث تصويرها بمريض يكاد يقضي نحبه وحوله مجموعة من الزُّوَّار تبادلهم ويبادلونها نظرة استعطاف حزينة في مشهد الموت المهيب، وتلك هي الملكة التخييلية التي كان ابن الرومي يتمتع بها 0
وفي مثل هذه الصورة القاتمة نجد ابن طباطبا العلوي يصور الهلال والشمس عند الغروب فيقول [مشطور الرجز]:
مَــا لِلْهِــلاَلِ نَاحِــلاً فِي الْـمَـغْـرِبِ
كَالنُّــونِ قَدْ خُطَّتْ بِمَاءٍ مُذْهَبِ
أَفَـارَقَتْـــهُ الـشَّـمْـسُ مِـــنْ تـَعَـتُّــبِ
فَــرَاحَ نِـضْـوًا كَـالْمَرِيضِ الْوَصِبِ
كَــأَنَّـمَـــــا حَــــلَّ بِـــهِ مَــــا حَـــــلَّ بِي
مِـــنَ الـضّــَنَى عِـنْـدَ فِــــــرَاقِ زَيْنَبِ
لقد أشرنا غير مرة إلى أن التفسير الميثولوجي يجعل من العلاقة بين الشمس والقمر أو البدر علاقة أسْرية يكون فيها القمر الإله الأب الزوج، والشمس الإلاهة الأم الزوجة، ثم كوكب الزهرة الابن، والشاعر هنا يقيم مشاركة وجدانية بينه وبين الهلال الذي نظر إليه عند الغروب فوجده ضعيفًا ناحل الجسم، فبدا كحرف النون في ضعفه وتقوسه، وقد كُتب بماء مذهب هو لون القمر عند الغروب، ثم يتساءل هذا التساؤل المحيل من الشمس امرأة متدللة تفارقه معاتبة، مما أحزنه وأنحله وأمرضه وأصابه الضنى الذي أصاب الشاعر بسبب فَقْدِهِ محبوبته زينب، ويقول في وصف آذريون [خفيف]:
وَإِذَا الشَّمْسُ لاَحَظَتْ سَرْحَ آذَرْ
يُـــونِـهَــــــا أَشْعَــلَتْ لَــنَـــا مِنْــــهُ نَـــــــارَا
فَهْوَ فِي الأَرْضِ كَالْمَصَابِيحِ تَبْغِي
مِــنْ سَنَـا الشَّـمْـسِ لِلْمَصَابِيحِ ثَــــارَا
إن الصورة التي يقدمها ابن طباطبا العلوي هنا تقدم صورة للنبات أو للزهر الأصفر موظفًا فيها التشابه اللوني بين الآذريون والشمس التي إذا سقطت بصفرتها على الآذريون الأصفر ازدادتْ صفرته لتوهم الرائي أن ثمة نارًا مشتعلة ؛ لأن هذا الزهر بصفرته كالمصابيح وبمواجهته الشمس كأنما يطلب منها ثأرًا لكل المصابيح ومن ثمة تكون الصورة تشخيصًا للشمس بصورة الجاني المطالَبِ بالثأر، وفيها إيحاء بأثر الشمس على النبات، ويقول في غروبها كذلك [منسرح]:
وَأُقْذِيَتْ عَيْنُ شَمْسٍ فَحَكَتْ
مِنْ خَلَلِ الْغَيْمِ طَرْفَ عَمْشَاءِ
والتصوير هنا مصبوغ بصبغة الوهن والضعف الملازم لعين الشمس عند الغروب وهي تشبه لما أصابها من مرض، أو من الأقذاء عين امرأة أصابها العمش وهو ضعف الإبصار، ويقول في مغيب الشمس [طويل]:
وَشَمْسٍ تَجَلَّتْ فِي رِدَاءٍ مُعَصْفَرٍ
كَأَسْمَــاءَ إِذْ مَـــدَّتْ عَلَيْهَـا إِزَارَهَـــــا
حيث نجد صورة المرأة المشبَّهِ بها حاضرة هنا لتبادل الشمس الموقعية، فتصير هذه الأخيرة امرأة مرتدية ثوبها المعصفر ذا اللون الأصفر وهو لون الشمس عند المغيب 0 ومثل هذه الصورة التي تتبادل فيها المرأة والشمس الأدوار التصويرية يقول أبو هلال العسكري [ طويل ] ():
فَيَـا بَهْجَةَ الدُّنْيَا إِذَا الشَّمْسُ أَشْرَقَتْ
كَــمَــــا أَشْــرَقَتْ فَـــــوْقَ الْــبَرِيَّــــةِ زَيْنَبُ
يُفَضَّضُ مِـنْـهَـــا الْـجَـــــوُّ عِـنْـــدَ طُــــلُوعِهَا
وَلَــكِــنَّ وَجْـــهَ الأَرْضِ فِـيـهَـــــا مُــذَهَّبُ
وَتَحْسَبُ عَيْنَ الشَّمْسِ إِذْ هِيَ رُفِّعَتْ
عَـــلَى الأُفُـــــقِ الْـغَــــرْبِيِّ تِـبْــرًا يُــــــذَوَّبُ
جج
ولعلنا في هذه الصورة ندرك التحول في تصوير الشمس بين التشخيص الذي يجعل من بهجة الدنيا نتيجة لإشراق الشمس الذي يشبه إشراق المحبوبة زينب فوق البرية في صورة فنية جامعة بين الدلالة العلوية والجمالية التي نتجت عن تبادل الأدوار حيث إن جمال المرأة قد اتخِذَ مقياسًا لجمال الشمس، والتجسيم الذي ينزل بالشمس على الأرض لتترك آثار لونها الأصفر المذهَّب على الأرض، وعندما ترفع الشمس في الأفق مائلة نحو الغروب تبدو وكأنها الذهب المنثور في الأفق وذلك استدعاءً للون الشمس عند الغروب، ويرسم أبو هلال للشمس في يوم صحو صورة فنية يستدعي فيها المرأة، فيقول [ ]:
مَــــــلأَ الْـــعُـيُـــــــونَ غَـضَــــارَةً وَنَضَـــــارَةً
صَـحْـــــــوٌ يُــطَـــــالِــعُـنَـــــا بِــوَجْـــــــهٍ مُــوَنَّـــــقِ
وَالــشَّـمْــسُ وَاضِحَــةُ الْجَبِينِ كَــأَنَّهَــا
وَجْـــــهُ الْمَـلِيحَــــةِ فِي الْــخِــمَــــارِ الأَزْرَقِ
وَكَأَنَّهَــا عِــنْـدَ انْبِسَـــــاطِ شُعَـاعِـهَـــا
تِبْـــــرٌ يَـــذُوبُ عَــــلَى فُــــرُوعِ الْـمَشْــرِقِ
جَــــرَّتْ إِذَا بَـكَــرَتْ ذُيُـــــولَ مُــزَعْفَــرٍ
وَتَــجُــــــرُّ إِنْ رَاحَــــتْ ذُيُـــــولَ مُـمـَشَّـــقِ
فَشَـرِبـْتـُهَــــا عَــــذْرَاءَ مِـنْ يَــــدِ مِـثْـلِـهَــــا
تَحْكِي الصَّبَاحَ مَعَ الصَّبَاحِ الْمُشْرِقِ
ج
واستدعاء المرأة مرتبط باليوم الصحو الذي بدت فيه نعمة العيش واسعة رغيدة والحياة نضرة جميلة وكذا الشمس التي أشبهت في نضارتها ووضوحها نضارة وجه المليحة وجماله وهي في الخمار الأزرق الملائم زرقة السماء في ذلك اليوم الصحو، ومنذ البيت الثاني نجد تركيز الشاعر على صورة الشمس التي يشبهها بالمليحة في الخمار الأزرق الذي يتناص به مع قول الشاعر الأموي مسكين الدارمي [ كامل ]:
قُلْ لِلْمَلِيحَةِ فِي الْخِمَارِ الأَسْوَدِ
مَـــاذَا أَرَدْتِ بِــنَـــــاسِــــــكٍ مُـتَـعَـبِّــدِ
ويشبهها عند ارتفاع النهار وانبساط شعاعها بالذهب الذائب في نواحي المشرق، وهي في الصباح تشبه الزعفران في صفرة لونه، وعند الرواح وقت الغروب تكون خيوطها الصفراء ممشقة ممتدة، ولا ينسى الشاعر وسط هذا الجو الوصفي أن يُعرّج على الخمر يشربها جديدة لم تمسسها يد، فهي عذراء كالساقية التي تشبه صفو الصباح وجماله المشرق الوضاح، وتلك صورة متداخلة بين الخمر والساقية، ويقول القاضي الجرجاني [بسيط]:
وَقَــدْ تَـقَـلَّــدْتَ عَــضْـبًـــــا أَنْتَ مَـضْــــرِبُهُ
وَعَـنْــكَ يَـأْخُـــــذُ مَــــا يَـأْتِي وَمَــــا يَــــــــــذَرُ
مَـــــــا زَالَ يَـــزْدَادُ مِــــنْ إِشْـــــرَاقِ غُــــرَّتِـــهِ
زَهْــــــرًا وَيُــشْــــرِقُ فِــيــــــهِ الـتِّيــهُ وَالأَشَــرُ
وَالشَّمْسُ تَـحْـسُــدُ طِـــرْفًـا أَنْتَ رَاكِبُهُ
حَــتَّى تَــكَـــــــادَ مِـــنَ الأَفْــــلاَكِ تَنْحَدِرُ
حَتَّى لَقَدْ خِلْتَ أَنَّ الشَّمْسَ أَزْعَجَهَا
شَـــوْقٌ فَـظَـــلَّتْ عَـــــلَى عِـطْــفَـيْــهِ تَنْتَثِرُ
صحيح أن هذه الأبيات من قصيدة مدحية يهنئ فيها الشاعر الصاحب بن عباد بخلعة الوزارة، لكننا في الواقع ننظر إلى الصورة التي يرسمها الشاعر للشمس، إذ يُخرجها من طور الظاهرة الكونية السماوية، إلى حيث الطبيعة البشرية التي يستعير منها إحدى مثالبها وهي الحسد، ويجعلها تحسد الممدوح على الجواد الكريم ـ طِرف ـ الذي يركبه، ثم يرشح صورة الشمس بصورة بشرية أخرى حيث يصورها وقد أزعجها الشوق إلى الممدوح فظلت تنتثر على جانبيه في تزلُّفٍ ودلال
وهذه الصور التي يتم فيها تبادل الأدوار التصويرية بين الشمس والمرأة خاصة والإنسان عامة توحي برغبة الشعراء في تنويع الصورة، وعدم قصرها على مشبَّهٍ أو مشبَّهٍ به معين، ولذلك يأتي التحليل الفني ليميل إلى صورة دون أخرى وذلك بفعل السياق المقامي والسياق الدلالي، وكذلك بفعل رواية الأبيات وكمالها أو نقصانها، والشواهد على ذلك من الكثرة بحيث يستحيل الوقوف عليها جميعها، فالمطلع على تاريخ أمتنا العربية يتحسر أيما حسرة على ذلك التراث الضائع مما لم تستطع أيدي الرواة ولا حوافظهم أن تنتشله من براثن الضياع فيبقى الأمر رهن الاجتهاد الذي قد يخطئ أو قد يصيب، خاصة إذا كنا أمام بيت واحدٍ أو مصراعٍ واحد أثبتته أيدي الرواة، من ذلك ما نراه من قول عمارة بن عقيل يصف نحلاً [رجز]:
كَــأَنَّـهُــــنَّ الْـفَـتَـيَــاتُ اللُّــعْــــسُ
كَــأَنَّ فِي أَظْــلاَلِـهِنَّ الشَّمْسُ
فنحن نقف أمام هذين المصراعين في حيرة من أمرهما، لقد وقعت الفتيات اللعْسُ مشبهًا به للضمير المؤنث المتصل بدالة التشبيه والتأكيد كأن، دون أن ندري ما مرجعية الضمير المشبَّه، اللهم إلا إذا استعنا بالمصاحبة اللغوية لهذين المصراعين، حيث وصف النحل، وهي مصاحبة لا تغني ولا تسمن، أما إذا رجعنا إلى النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري وجدناه يقول: إنهما في وصف النخل، وهنا يمكن أن يكون التحليل متكئًا على مرجعية معقولة إذ يشبه النخل بالفتيات اللائي في شفاههنّ ذلك السواد وهي مظهر زينة جمالية محببة في المرأة، وفي المصراع الثاني يجعل سواد النخل ظلالاً تتوسطها الشمس، وهنا قد نقف على دلالة التشبيه من حيث تشبيه النخل بظلاله، والشمس تسقط عليه بالفتيات اللعس حيث سمرة الشفاه محوطة بجمال شمسي
وتبدو الشمس عند القاضي الجرجاني مأزومة بالكسوف أو بعدم منفذ تنفذ منه إلى الطلوع والإشراق، يقول [طويل]:
وَمَا سَلَبَ الشَّمْسَ الْكُسُوفُ ضِيَاءَهَا
وَلَـكِــنَّـــهَــــــا سُــدَّتْ عَـلَــيْـهَـــا الْمَطَــالِـــعُ
وَكَـمْ كُـــرْبَـــــةٍ كَـانَـــتْ وَسِــيــلَــــةَ فَـرْحَــةٍ
وَضُـــــرٍّ تُـــــرَى فِي حَـــافَــتَــيْـــهِ الْمَنَافِـــعُ
وَلَـيْسَ مَـلُـــــومًـــــــا مَـــنْ تَــعَــالَتْ هُـمُـومُــهُ
إِذَا أَنْــزَلَــتْـــــهُ بِـالْــحَـضِــيضِ الْــفَـــــــوَارِعُ
والأبيات الثلاثة في الحكمة، وقد صدّرها الشاعر بهذا البيت الدال على أن الأزمات قد تكثر وتتوالى على المرء دون أن يُعرف لها سبب محدد، فهذه الشمس يصيبها الكسوف بإذهاب ضيائها، ومع ذلك قد يكون كسوفها بسبب انسداد المطالع أمامها، والأمر كذلك مع الكثير من الكُرَب قد تكون سببًا في الأفراح لأصحابها، كما أنَّ بعض الضر قد يحمل في طياته المنافع لأصحابها، ومن ثمة يمكن الْتماس التناص الدلالي مع القرآن الكريم في قول الله عزّ وجلَّ: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [ سورة البقرة 216] وقوله تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾[ سورة النساء 19] ومن ثمة كان سلب الشمسِ ضياءَها غير مرتبط بالكسوف، وإنما قد يكون بانسداد مطالعها أمامها
ويصورها القاضي إسماعيل الهروي [كان حيًّا سنة 437ه] عند الغروب بقوله [طويل]:
قَــدِ اصْفَـرَّ وَجُهُ الشَّمْسِ مِـنْ خِيفَةِ النَّوَى
فَـهَـــــا هِــيَ تــَبـْـــغِي فِي الْـمَـغَــارِبِ مَــذْهَبَــا
بَـقِـيَّـــــةُ ضَــــــوْءٍ تَـــــوَّجَــــتْ رَأْسَ شَـــــاهِـــــــقٍ
وَغُــــودِرَ مِــنْــهَــــــا جَــانِبُ الأُفْــقِ مُـــذْهَبَـــا
وَأُلْــبِـــسَــتِ الـــــدُّنْــيَـــــا لِــفُــقْــــدَانِ ضَـــوْئــِهَــــا
حِــــــدَادًا إِلَى أَنْ يَــطْـــلُـــــعَ الْـفَــجْــرُ أَشْهَبَا
فالصورة التي يرسمها الشاعر للشمس صورة تلونها الكآبة بألوانها المريضة فاصفرار الوجه دليل مرض وذبول، والبحث عن مكان تذهب إليه دليل حبس وأزمة نفسية لا تصيب الشمس وحدها، وإنما شاركها فيها الأفق، فتلون جانبه بلونها، والدنيا كلها قد لبست السوادَ حِدادًا على فقدانها ضوء الشمس، وسيستمر حدادها إلى أن يظهر الفجر بأنواره البيضاء الساطعة 0 ومثل هذا الإطار العام لصورة الشمس عند الغروب واحتجابها بالغيم نجده عند الثعالبي في قوله [بسيط]:
أَمَا تَرَى الْيَوْمَ مِسْكِيَّ الْهَوَاءِ وَقَدْ
مَدَّتْ يَدُ الشَّمْسِ فِي حَافَاتِهَا الْكِلَلاَ
كَأَنَّمَا شَمْسُهُ قَدْ أَبْصَرَتْ قَمَرِي
يُرْبِي عَلَيْهَا فَغَطَّتْ وَجْهَهَا خَجَلاَ
فقد أدخل الثعالبي القمر في هذه الصورة التي رسمها للشمس وجعل بينهما شيئًا من العلاقة الإنسانية التي يبدو فيها القمر رجلا والشمس امرأة جميلة يجللها الخجل أو الحياء عندما ترى القمر يقترب منها إيذلنًا بالغروب تغطي وجهها ـ خجلاً ـ مغادرة الكون ليبدأ من ثمة الليل، والصورة على هذا النحو من التصوير تتماسّ والتفسير الميثولوجي الذ عرضنا له من قبل، وسنمر عليه مرور الكرام كذلك فيما بعد
ويقول ابن المعتز في المطر واختلاطه بتراب الأرض [كامل]:
لَطَمَتْ ثَرَاهَا الشَّمْسُ لَمَّا عَلَّهَا
جَـفْــنُ السَّـحَـابِ بِـأَدْمُـــعِ الأَنْــوَاءِ
فَكَأَنَّمَــا ذَاكَ الثَّرَى مِــنْ سُنْــدُسٍ
وَكَـأَنَّـمَـــا تِلْكَ الـــرُّبَى مِــــنْ مَــــــــاءِ
إن الملكة الخيالية الخلاَّقة يمكن أن تحيل المشهد الطبيعي بما فيه من جمود إلى لوحة فنية زاخرة بألوان من الظلال الدلالية التي تشد المتلقي إليها شدًّا، فيقف قبالتها متفكرًا متأملاً، وذلك حال الصورة التي يرسمها الشاعر للشمس والسحاب إذ يحيلهما شخصين يملكان من الإرادة ما يجعل أولهما يلطم الثرى لطمة تحمل من دلالات القوة والبطش ما يعينها على تقبل ما يذرفه الثاني ـ السحاب ـ من دمع الأنواء، ويبدو أن قوة اللطمة مع توالي المطر بعد المطر ـ علّها ـ قد أحال الثرى إلى قطعة من الثياب الحريرية تلمع عند سقوط الشمس عليها، فيخالها الرائي والربى تحتها ماءً كالسراب، ومرة أخرى يصور ابن المعتز الشمس بصورة جامدة مبتعدًا بها عن التشخيص إلى التجسيم المرِن مرونة الخمر، وذلك حيث يقول [مجزوء الكامل:
يَـــــا لَـــــيْــــــــلَةً مَـــــا كَــانَ أَطْــــــ
أَحْـــــيَـــيْــتُـــهَــــــــا وَأَمَــــتُّـــهَـــــــــــــــا
حَــتَّى رَأَيْتُ الـشَّــمْــسَ تـَتْــــ
فَــكَــــــأَنَّــــــــــــــــهُ وَكَـــأَنَّـــهَــــــــــــــا
جج
ــيَبَهَـــا سِــوَى قِـصَرِ الْــبَقَـــاءِ
وَطَـــوَيْــتُـــهَـــــــا طَـــــيَّ الــــــرِّدَاءِ
ـــلُو الْـبَـدْرَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ
قَــــدَحَــــانِ مِـــنْ خَـــمْرٍ وَمَـاءِ
إنه ليل السكارى وخيالهم الذي يأتي بالعجيب والغريب، فرغم تعجبه من طيب تلك الليلة، يشعر بسرعة انقضائها، وتلك حال الملذات سريعة الانقضاء، ومع ذلك راح يحييها وينهيها إلى اللحظة التي ظهرت فيها الشمس واختفى البدر المؤذن بانتهاء الليل، وهنا يجمع الشاعر خياليًّا بين البدر والشمس وهما في الواقع لا يجتمعان إلا في مخيلة مخمور شبَّه الشمس والبدر بالخمر والماء وهو تشبيه دقيق في براعة إدراك أوجه التشابه ؛ إذ الخمر تشبه الشمس في اللون، كما يشبه لون القمر لون الماء
وإذا كان ابن المعتز قد شبه الشمس في البيتين السابقين بقدح الخمر مستعينًا بالدلالة اللونية، فإنه يشبه الشمس بالدينار في سياق حديثه عن جو الشراب الذي يفضِّله، يقول [ خفيف]:
إِنَّمَا أَشْتَهِي الصَّبُوحَ عَلَى وَجْـــ
وَنَسِيــــمٍ مِــــنَ الصَّبَــــا يَــتَــمَــشَّى
وَكَــــأَنَّ الــشَّـمْسَ الْمُضِيئَةَ دِينَــا
ــــهِ سَمَـــاءٍ مَـصْـقُــولَـــةِ الْجِلْبَابِ
فَوْقَ رَوْضٍ نَدٍ جَدِيدِ الثَّيَابِ
رٌ جَـــلَــتْــــهُ حَـــــدَائِـــدُ الـضُّــــرَّابِ
فهذا هو الجو الذي يفضله لتناول الخمر /الصبوح، تكون السماء مصقولة لا أثر فيها لسحاب مُنذرٍ بنزول المطر، ونسيم الصبا الطيب يسير فوق روضة ندية جديدة الزهر، والشمس كالدينار اللامع قد زاده لمعانًا وجدة حداثة صنعه بأيدي الضُّرَّاب وحدائدهم، وهذا التشبيه يستدعي اللمعان كما يستدعي الصفو والطهارة في استدعاء زمني لما قاله من قبل: الشمس تتلو البدر وذلك في الصباح الباكر 0 ويقول ابن طباطبا في وصف ليلة [بسيط]:
وَلَيْلَةٍ مِثْــلُ يَـــــوْمٍ شَمْسُهَــا قَمَرٌ
بَــدَتْ بُــدُوَّ الضُّحَى ظَــلاَّءَ قَـمْرَاءَ
يَا حُــسْنَهَــا لَيْلَةً عَـادَ النَّهَارُ بِهَــا
أُنْسًـــــا وَطِيبًـــــــا وَإِشْــرَاقًــــــــــا ولأْلاَءَ
فهذه الليلة بدا فيها القمر ساطعًا سطوعًا دفع الشاعر لتشبيهها باليوم، ثم جعل شمس ذلك اليوم شبيهة بالقمر في سطوع نورها وهدوئه ولطافته، وهنا نلمح ما أحدثه الشاعر من تداخل في الوظائف الكونية للقمر والشمس، وكأنما يكشف عن جمال تلك الليلة وحُسْنها الذي امتد إلى النهار، فصار أنسًا وطيبًا وإشراقًا ولألاء ويقول في احتجاب الشمس بالغمام [وافر]:
كَـــأَنَّ الـشَّـمْـسَ مِــــــرْآةٌ تَــــــــــرَاءَى
لَــنَـــــا وَلَــهَـــــــا شُـعَــــاعٌ ذُو خُـمُــــودِ
مَتَى أَبْصَرْتَ شَمْسًا تَحْتَ غَيْـمٍ
تَــــــرَ الْـمِــــرْآةَ فِي كَــفِّ الْــحَسُـودِ
يُــقَــابِـلُـهَـــــا فَــيُــلْـبِـسُـــهَــــا غِـشَـــــــاءً
بِـأَنْــفَـــــــاسٍ تَـــزَايَـــــدُ فِي الــصُّـــعُـودِ
إن تشبيه الشمس بالمرآة قد رأيناه من قبل في الشعر الأموي والشاعر هنا كأنما أراد التميز عن سابقيه، فجعل الشمس في يد رجل حسود يبالغ في إخفائها، والحسود هنا هو الغمام والمرآة هي الشمس، وولمبالغة في تأثير الحسود جعل أنفاسه المتصاعدة كالغمام الذي يغطي سطح المرآة بغشاء رقيق يخفي سطحها الأملس الناعم