الجمعة ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤
شغف كتاب الليالي:
بقلم عبد السلام دخان

الذاكرة المقنعة في ألف ليلة وليلة

صدر للدكتور عبد الرحيم جيران، كتاب "الذاكرة المقنعة في ألف ليلة وليلة" الصادر عن دار الكتاب الجديد المتحدة، وقد واكبت لسنوات الإشكاليات العميقة والحفر الجينالوجي في ذاكرة كتاب الليالي بوصفه سلسلة من المتواليات السردية لكتاب يمثل سلطة الحكاية في مواجهة سطوة الذات، وقد كتب خورخي لويس بورخيص Jorge Luis Borgesعن كتاب الليالي قائلا:" «نعلم أنه بدخولنا إلى هذا الكتاب، سنكون قادرين على نسيان مصيرنا البشري البائس... نشعر أن الكتاب لانهائي.»

ويمكن عد هذا العمل جهدا نقديا بنفس فلسفي لأستاذ الأجيال الأديب عبد الرحيم جيران، و استئنافا للتوجه الذي اختطّه الكاتب، والمتمثل في ممارسة تأويل نقدي اعتمادا على" التجديل التضافريّ" بغية تعميق السؤال حول قضايا كتاب الليالي. وقد كتب الناشر سالم احمد الزريقاني، عن هذا العمل قائلا: "يُواصِلُ الناقدُ عبد الرحيم جيران في كتابه الجديد "الذاكرةُ المُقَنَّعةُ في ألف ليلةٍ وليلة" الحفرَ في إشكالات الذاكرة الذي رسَمَ مَعالِمَهُ في كتابه التّأسيسيِّ "الذاكرةُ في الحَكيِ الرِّوائيّ" الصادر عن دار الكتاب الجديد المتَّحدة.

وينعطفُ عملُهُ الجديدُ هذا إلى مُساءلة الذاكرة المعرفيَّة التي تتوسَّط بيننا وبين "الليالي" نازعًا منها مكرَ أُلفَتِها، مُرغِمًا إيّاها على إعادة النظر في ما رسَخَ فيها من فُهومٍ حِيالَها، سواءٌ تلك التي سادَت في الفكر النقديِّ العربيِّ الحديث وتلك التي اتَّخَذَ منها الفكرُ الغربيُّ وِجهاتٍ لولوج عالَم الحكاية الليليَّة، وفكّ طلاسمها. وهو، بهذا الفعل المعرفيِّ، يُغيِّرُ الاقتناعاتِ التي لازَمَت دراسةَ النصِّ الليليِّ، ويَكشِفُ عن مَدى رخاوتِها تُجاهَهُ، وسَلبها روحَها الأصيلةَ، وخاصّةً سوء الفهم المُسَبَّب عنها في حقِّ الحكاية-الإطار. ليسَتْ ذاكرةُ "الليالي" بقادحةٍ شراراتِ المتعةِ، أو بموقِظةٍ الضميرَ الأخلاقيَّ من سُباته فحسبُ، بل هي أكثرُ من هذا، إنَّها ذاكرةُ الزمانِ أيضًا. وها هنا تَكمُنُ وصيَّتُها التي تَنزِعُ عند كلِّ قراءةٍ إلى أن تجعلَ من نفسِها وَعدًا بإنقاذ النسيان من آفاته، بل إنقاذ ذاكرة النصِّ الليليِّ بالحفر عن أُصولِهِ بوساطةِ بَعثِها من رَمادِ الأرشيفِ الحِكائيِّ العربيِّ.

لم يكُنْ هذا العملُ الفكريُّ والنقديُّ متيسِّرًا من غير أُمورٍ أربعةٍ: يكمُنُ أوَّلُها في تجديد السؤال حِيالَ النصِّ الليليِّ من طريق إعادة صياغة الإشكاليَّة التي تتَّصلُ بالغاية من إنتاج "الليالي" في الثقافة العربيَّة؛ ويكمُنُ ثانيها في إنتاج مفاهيمَ جديدةٍ لها القدرةُ على إسعاف الفَهمِ في النَّفاذ إلى أصالتها؛ ويكمُنُ ثالثُها في تغيير الأُسُسِ التي يُقارِبُ بوساطتها كلًّا من فعلِ السردِ الذي صار يَروي ما لا يُروى في الوقت الذي يُثبِّتُ فيه مَروِيًّا مُعَيَّنًا، ومَفهومَي السارد والمسرود له اللذَينِ لم يَعودا مُجَرَّدَ حضورٍ في محفلٍ خطابيٍّ يُنقَلُ فيه حدثٌ مّا، بل صارا متمتِّعَينِ باتِّصافَينِ: أونطولوجيٍّ وأنثروبولوجيٍّ، لهما تَبِعاتٌ على مستوى فهم تشكُّل المعنى الحِكائيِّ؛ ويكمُنُ رابعُ هذه الأُمور في تلافي الشطَطِ النظريِّ الذي يُبعِدُ الليليَّ عن حقيقته التي تتعيَّنُ في تاريخ ذاكرته الخاصَّة، لا في تاريخ ذاكرة نتاجٍ نصِّيٍّ غيريٍّ له مسوِّغاتُ وجودٍ مختلفةٌ. والمرادُ – هنا - إنقاذُ فَهمِهِ من حماسةِ الانبهار بمظاهرِ النصِّ الطليعيِّ الغربيِّ، والسعي إلى إسقاطِها عليه.

يتميّزُ هذا الكتابُ بمغايَرتِهِ لكلِّ ما كُتِبَ عن "ألف ليلةٍ وليلة"، بِما يَعنيه هذا من صياغةٍ لأسئلةٍ مُربِكةٍ للمألوف في الدراسات التي تناولَتها بالدرس والتحليل؛ ومن جُرأةٍ على مُحاوَرةِ الفكر النقديِّ الغربيِّ، والكشف عن الآليّات التي تحكَّمَت في صياغة أحكامه حِيالَها؛ ومن اصطناع البدائل النظريَّة والإجرائيَّة التي تُلائمُ خصوصيَّةَ نصٍّ حكائيٍّ لا يَكُفُّ عن إحراجِ مَن يقتربُ منه قراءةً ونقدًا. لا يقفُ هذا الكتابُ عند تجديد التفكير في "الليالي" فحسبُ، بل يعمدُ أيضًا إلى أن يكونَ مقترَحَ ورشٍ جديدًا للعملِ البحثيِّ فيها."

وسبق للدكتور عبد الرحيم جيران أن أصدرعديد الاعمال النقدية نذكر منها: في النظرية السردية - دار إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، (2006)، إدانة الأدب مطبعة النجاح، المغرب (2008)، علبة السرد – دار الكتاب الجديدة المتحدة، بيروت، (2013)، سراب النظرية دار الكتاب الجديدة المتحدة، بيروت (2013)، النص الأدبي- لعبة المرايا، الدار المغربية العربية، الرباط (2017)، الذاكرة في الحكي الروائي، دار الكتاب الجديدة المتحدة، بيروت (2019)، لما تكلم الحكي ج1- معهد الشارقة للتراث- (2019)، المقاربة السردية السيميائية- دار الحوار- (2020).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى