التفريط باللغة العربية إلى متى ؟!
إن مسألة الاهتمام باللغة العربية مسألة مركزية ، وهي من القضايا الكبرى التي يجب علينا التنبه إليها .. إننا حين نتحدث عن اللغة العربية ، فإننا نتحدث عن موضوع يتعلق بعقيدتنا وحضارتنا وأخلاقنا ؛ ما يجعلني أقول بأن التفريط بالعربية مصيبة كبيرة ، وقصور خطير ، لا يمحـوه أسف ولا يسعـه اعتذار ، ولا يحتمله استغفار . فالعربية ركن أساسي في بناء الشخصية العربية والإسلامية ، وذلك أمر بدهي لا يحتاج إلى دليل ، والتوصل إلى بداهة هذا المفهوم لا يحتاج إلى تفكير .. المسألة واضحة من جهتين : الأولى : أن اللغة العربية لغة القرآن الكريم الذي نعز به ، وبه تعلو قاماتنا في الدنيا والآخرة ، وهي لغة نبينا ، نبي الرحمة ، محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي لغة التراث الشعري العربي الأصيل . وهي بالمفهوم الآخر اللغة الوطنية لأمة العرب ، واللغة التي يتعبد بها الملايين في شتى بقاع الأرض .
والجهة الثانية : هي مسألة الغيرة والانتماء لذات اللغة وعظمتها ، وقدرتها على التجلي والإفصاح ؛ ونظرة بسيطة إلى معاهد اللغة الإنجليزية في العالم ، ومنها دول العالم العربي والإسلامي كافية لتجعلنا غيورين على لغتنا التي تتميز عن لغات العالم أجمع بفصاحتها وبيانها ، وعدد مفرداتها الضخم ، خلافا لكل لغات الأرض .
إن احترام اللغة في أي مكان في العالم يدل على انتماء ووعي وفهم من أصحاب هذه اللغة ، ولذلك تجد الدول المتقدمة تحرص على لغاتها أكثر من حرصنا .. حتى لكأنك تحس بأن الاهتمام باللغة يحتاج إلى قرار سياسي .. لا يساورني شك في أن ضعف الاهتمام باللغــة العربية قصـور في الوعي ، وإجحاف في الدين .. !!
غيرنا من الدول تدفع الملايين سنويا لنشر لغاتها في العالم ، وما المعهد البريطاني ومعهد غوتا الألماني وغيرهما إلا دليل واضح على وعي هؤلاء الناس لدور اللغة في نشر ثقافاتهم وفرض حضارتهم على الآخرين .
لقد أصبح من المؤسف حقا أن تفقد العربية ألقها وبريقها في ديار أهلها ، حتى لكأنك تحس في بعض الدول لعربية أحيانا بأنك في بلد أجنبي ، فاللغة الإنجليزية أصبحت سائدة في بلادنا بطريقة غريبة مستهجنة، وويل لمن لا يعرف الإنجليزية في كثيـر من دولنا العربية !! لقد أصبحت اللغة العربية في كثير من المواقع اللغة الثانية أو الثالثة ، وأصبح عليك أن تتعلم الإنجليزية بسرعة حتى تتمكن من التخاطب مع الشركات والمؤسسات الخاصة ، وأحيانا لا تنفع الإنجليزية ، فلا بد من الهندية أو الأوردية .. أليست هذه مهزلة يجب إيقافها ؟! فبدلا من أن يتعلم الهندي أو الباكستاني أو الإنجليزي لغتنا ، وبدلا من أن نرفض التحدث مع الناطقين بالإنجليزية بلغتهم كما يفعلون هم في بلادهم ، نضطر نحن إلى التحدث معهم بالإنجليزية ، والرهبة والخوف يسيطران علينا خشية الوقوع في الخطأ !!
لقد حدثني من سافروا إلى فرنسا بأن موظف المطار الذي يعرف الإنجليزية عن ظهر قلب يرفض التكلم معك أو مساعدتك إذا لم تحاول التحدث بالفرنسية ، وكذلك الأمر في ألمانيا وإيطاليا ، وغيرها من دول العالم التي تحترم حضارتها وتراثها ، وتعرف يقينا قيمة اللغة وموقعها في فلسفة الثقافة والتاريخ ، مع أن اللغات الأوربية على وجه التحديد معظمها لغات جديدة طارئة ، لا تاريخ بعيدا لها.
إن العارف باللغة العربية يموت كل يوم ألف مرة ، وهو يرى بعينه الأخطاء القاتلة التي تنتشر هنا وهناك ، على اللافتات وعلى السيارات الخاصة بالشركات ، وحيثما اتجه بصره ..
اليوم قرأت على إحدى الحافلات : ( البان ال … ) ، وهي شركة ألبان ، لم تضع على ألف ألبان همزة ، ووضعت همزة على الكلمة الثانية التي لا تحتاج إليها . ولعل قائلا يقول : الهمزات غير مهمة ، لا تعقدوا اللغة .. بيد أن هذا الشخص لو كان معلم لغة إنجليزية لما أعجبه ألا يضع الطالب النقطة على الحرف i ، أو الشّرطة لحرف ( t ) ، نحن مهيؤون دائما للتقليل من أهمية لغتنا ، ونتهم المهتمين بها بالتحجـر والكلاسيكية ، بينما نحرص على اللغات الأخرى ، أليس هذا غريبا أيضا ؟!
إن لغتنا العربية لغة غنية قادرة على مواجهة كل التطورات ، وقادرة على استيعاب المتغيرات ، وقادرة على التعامل مع كل جديد .. القصور ليس في اللغة العربية ، القصور متحقق فينا نحن ، في الجمود والتقوقع الذي تعاني منه مجامع اللغة العربية ، وفي عدم التنسيق فيما بينها ، وفي ضعف صوتها ، وفي القرار السياسي الكامن خلفها . نحن في حاجة إلى مجمع لغة عربية شاب فتي ، تلتقي فيه الطاقات الشبابية المخلصة مع الطاقات ذات الخبرة ، ليكون التعريب ناضجا ملائما للعصر ، قابلا للتداول . أليس من المؤسف أن يظل تعريب كلمة ( فاكس ) سنوات طويلة دون أن نسمع به، حتى تكرم أحد المجامع بتعريبها بـ ( البرّاق ) ، بعد طول انتظار ؟! هل كانت اللغة عاجزة عن اشتقاق هذه الكلمة ؟ أو أن أصحاب الاختصاص قصروا في اشتقاقها ؟! العيب فينا نحن ، لغتنا عظيمة لا تطاولها لغة أخرى ، وهي تنتظر من يتعامل معها بحب ووعي وتقدير . إنها لغة القرآن الكريم ، وأنى للغة قدرت على استيعاب أعظم كتاب سماوي أن تكون عاجزة عن استيعاب مفردات العصر والتعامل مع كل معطياته ؟!
لقد كان ضعفنا وهواننا السبب الرئيس في ضعف التواصل بالعربية بيننا وبين شعوب العالم الأخرى ، فاللغة بما هي وسيلة للتواصل ، تضعف وتقوى تبعًا لقوة وضعف أهلها . لكننا كنا وما زلنا قادرين على التفاهم مع المسلمين الممتد وجودهم عبر القارات الخمس باللغة العربية . وذلك بتأسيس سلسلة من معاهد تعليم اللغة العربية في دول العالم ، بتمويل عربي ، تعمل على نشر اللغة العربية وثقافتها ، وعادات أهلها وتقاليدهم الأصيلة ، وهي فكرة طرحها ميثاق الجامعة الثقافية العربية في العالم ، وهي الآن تبحث عن التمويل اللازم لجعل هذه الفكرة حقيقة قائمة .
وأخيرا لا بد من أن يكون ثمة إصرار وعزيمة على الارتقاء باللغة العربية على الصعد كافة ، لماذا لا يكون ثمة مجمع لغة عربية في كل عاصمة عربية ؟! ثمة طاقات وإمكانات بشرية هائلة يمكنها القيام على هذه المجامع ، وجعلها أهم من كثير من مجامع اللغة العربية النائمة في بعض الدول العربية
.
وعلى صعيد التعليم ، فإنني أتمنى على وزارات التربية والتعليم في دول الخليج والعالم العربي أن تقدر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها ، وأن تكرس مناهج وقيم جديدة في تدريس اللغة العربية للطلبة الأجانب ، وخصوصا في دول الخليج العربي ..
مشاركة منتدى
8 كانون الثاني (يناير) 2014, 00:07, بقلم أ.د. صادق عبد الله أبو سليمان
مداخلة على مقالة ( التفريط باللغة العربية إلى متى)
أ.د. صادق عبد الله أبو سليمان جامعة الأزهر- عزة
قرأت هذه المقالة الغيور صاحبها على اللغة العربية، وسعدت لغيرته الحميدة على اللغة العربية لغة العروبة والدين الإسلامي، ولاحظت أنه هاجم مجامعنا اللغوية باتهامه لها بتقصيرها في التعريب، وأشار إلى مصطلح( الفَكس) الذي اتهمها بعدم تعرضها له، وهذا غير دقيق؛ فقد سبق لمجامعنا إذاعة بديلٍ عربيٍّ له هو( الناسوخ) أو( الناسخ الآلي).
أود أن أوضح في هذا السياق أنه قد سبق لي أن اقترحت بديلاً آخَر عندما اخترت عضوا عن فلسطين في مجمع اللغة العربية( القاهرة) في عام( 2003م)، وقدمته ضمن بدائل أخرى لألفاظ دخيلةٍ أخرى في مؤتمر المجمع في دورته السبعين( 2003- 2004م) في دراسة لنا جاءت بعنوان:" بدائل لغوية- نحو إثراء اللغة العربية"، وقد نشرت في مجلة مجمع اللغة العربية- القاهرة، العدد( 104) القسم الثالث- رمضان 1425هـ = نوفمبر 2004م، حيث افترحت( البَرّاق) بفتح الباء، وتشديد الراء لفظ بديلاً للفظ الدخيل( الإنترنت)، و( المبراق) بكسر الميم بديلاً للفظ الدخيل( الفكس)، واستعملت تعريبي للفكس في بطاقتي التعريفية، وكذلك نشرت هذين التعريبين في مقالة بعنوان:"المِبْراق والبَرّاق كلمتان بديلتان لـ( الفاكس) و(الإنترنت)"، وقد نشرت هذه المقالة في جريدة القدس( فلسطين) 28 يناير 2005م، وجريدة" الرّوّاد" صحيفة تصدر عن جامعة الأقصى بغزة، ع. 18+ 19 مارس/ أبريل 2007م.". وقد استعمل تعريبي للفظ" الفكس" في بعض المقالات، وقرأته في بطاقة تعريفيةٍ لرئيس جمعية لغوية ومجمعيٍّ بارز.
أحببت أن أذكر هذه المعلومات للتأصيل التاريخي، مع يقيني بأن لفظ" الفَكس" وتعريبه سينقرضان؛ للاستغناء عن آلته التوصيلية بمراسيل شبكة البَرّاق، ومراسيل جمع البديل العربي" مرسال" الذي اقترحته في حواشي إحدى دراساتي التي قدمتها للمجمع، ونشرته داعياً لاستعماله بعنوان:"هلا انتصرنا لعروبتنا( مرسال بدل إيميل) في موقع الألوكة، المجلس العلمي العربي- مجلس اللغة العربية وعلومها، 3 صفر 1431هـ = 18 يناير 2010م. http://majles.alukah.net/forumdispl...
حمى الله العربية من أعدائها
وأطيب تحياتي لموقع ديوان العرب ولكاتب المقالة
أ.د. صادق عبدالله أبو سليمان