البنت مش زى الولد
منذ أيام الجاهلية الأولى دأب العرب على النظر إلى البنات نظرة دونية، فكانوا يئدون البنات. والكثير منا يعرف قصة سيدنا عمر بن الخطاب فى الذى وأد ابنته حية أيام الجاهلية، وكيف بكى عندما تذكر كيف كانت تنفض عن لحيته التراب، وهو يحفر قبرها. وفى تراثنا الحاضر، ما زالت بقايا النظرة الجاهلية الدونية للفتاة سائدة، ولكن بأشكال أخرى. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود كتب التحقيق التالى:
يرفع الكثيرون فى وقتنا الحاضر شعارات براقة، ويقولون: "البنت زى الولد". ولكن عند الممارسة الحقيقية الواقعية، نجد أنهم يرتدون إلى الوراء عشرات القرون من السنين، ويعودون أكثر جاهلية من الجاهليون الأوائل.
جاهليوا العصر الحديث، هم الذين قتلوا دلالا. تلك الفتاة البريئة التى اغتالوا براءتها دون أن يطرف لهم جفن. وكتب عنها الأستاذ الصديق عادل سالم، وتجاوب معه، ومع الحادث العشرات من الكتاب والمفكرين والقراء الذين هزتهم الحادثة، وفجعتهم الحادثة. وهو السبب الذى دعانى للبحث قليلا عن أصول هذه المأساة.
على مر التاريخ، وفى التراث الدينى والشعبى، يتضح أن هناك صراعا بين المرأة والرجل، منذ بدء الخليقة، عندما أغرت حواء آدم بالأكل من الشجرة المحرمة. منذ ذلك الوقت بدأ الصراع الخفى بين الرجل و المرأة. وإلى ذلك الماضى السحيق تعود جذور الحقد على المرأة الذى ترجمه البعض لا شعوريا إلى الرغبة فى القتل. وترجمه البعض أحيانا إلى معان أخرى تتخفى تحت كلمات وشعارات رنانة ذات بريق خادع. كلمات كالشرف، والطهارة، والبراءة. ولكن للأسف لا يتم التشدد فى تطبيق هذه الكلمات إلا على شرف المرأة فقط، فقالوا فى الأمثال: "شرف البنت زى عود الكبريت". أى أن شرف البنت كعود الكبريت لا يعود أبدا إلى حاله إذا تعرض للتلف. وأذكر فى هذا المقام الممثل القدير توفيق الدقن، وعبارته الشهيرة: "أغلى من الشرف مفيش". والعرب يربطون بين الشرف والقتل: "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى .. حتى يراق على جوانبه الدم".
الدكتور ثروت اسحق أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس يقول إن وضع المرأة فى المجتمعات العربية حساس جدا. المجتمع يفرض عليها أن تبقى تحت سيطرة الرجل سواء فى بيت أبيها أو فى بيت زوجها. وإن غاب الأب عن البيت فإن أى ذكر يمكنه القيام بهذه المهمة، حتى لو كان الأخ الولد هو الأصغر، يمكنه السيطرة على أخواته الأكبر منه سنا.. لأنه على حد تعبيرنا الشرقى: "هو الراجل". وحتى لو لم يكن هناك أخ فإن الفتاة تدخل فى نطاق سيطرة الأقارب أو حتى الجيران الذكور. فالمرأة دائما موضع شك. وأحيانا لا يكون الشك من جانب الرجال فقط، بل يمكن أن يكون الشك من جانب الصديقات المتزوجات لخوفهن من سطوها على أزواجهن". ويواصل الدكتور ثروت قائلا: "إن المجتمع يمكن أن يغفر للرجل القاتل أو لتاجر المخدرات، وأحيانا يتمتع الرجل المتعدد العلاقات النسائية بالإعجاب من جانب زملائه. ولكن.. هل يستطيع المجتمع أن يغفر للمرأة خطأها؟ بالطبع لا. فالرجل يعتبر المرأة متعة خاصة، أو ملكية له لا يجوز لأحد الاقتراب منها، و إلا ينطبق المثل القائل: "التار ولا العار"، أى الأخذ بالثأر هو الحل الوحيد لمحو العار.
ما حدث مع دلال يعتبر حادثا نمطيا من وجهة نظر رندة سمير التى تقول: إن البنت دائما محل شك. والرجل يصدق أى شىء يقال عن البنت حتى لو كانت بريئة. وتلقى رندا باللوم على المرأة فى هذا الواقع المؤلم لأن المرأة تسعى دائما لإرضاء رغبات الرجل، وهذا يزيد من شكه فيها. وقد قتل أحدهم زوجته بعد أيام قليلة من زواجهما لأنه لم يتحمل مجرد الشك فى سلوكها بسبب أنها مارست معه الخلوة الزوجية الشرعية باستمتاع، وتفننت فى إرضائه لدرجة أنه اتهمها بأنها مارست الجنس قبل الزواج. وعندما نفت عن نفسها هذه التهمة الشنيعة، وطلبت منه أن يذهب بها إلى الطبيب لكى تثبت صحة كلامها رفض. واستمر الشك فى داخله، ولم يرتح إلا عندما قتلها.
يقول المثل الشعبى المصرى: "ضل راجل ولا ضل حيطة"، والمعنى أن الرجل أفضل من العنوسة والجلوس فى المنزل مهما كانت أخلاقه سيئة. والغريب أن النساء يتعاملن مع هذه المفاهيم كأنها أشياء مقدسة، وينظرن إلى الرجل تلك النظرة. وتتناقل النساء هذه المفاهيم التى ترسخت يوما بعد يوم فى الأذهان حتى أصبحت جزءا من الموروث الشعبى. ولعل المثل الشعبى القائل: "عمر المرة ما تربى عجل و يحرت". والنص يعنى: "أن الثور الذى تربيه المرأة لا يصلح لحرث الحقل"، والمقصود أن النساء فاشلات فى الحياة، لا قيمة لهن، وهن مجرد جسد يستمتع به الرجل، ويفرغ فيه شهوته الجنسية متى أتته الرغبة، ومن حقه أن يضربها ليؤدبها، ومن حقه أن يتشاجر معها إذا لم تقم بخدمته على الوجه الذى يراه هو مناسبا. والحال أن النساء تحولن إلى مجرد خادمات على السرير وخارج السرير، وفى بعض الأحيان لا يتورع بعض الرجال عن إرسال زوجاتهن للعمل، والاستيلاء على مخصصاتهن المالية، باعتبار أن المرأة وما تملك ملك للرجل.
أسماء سعيد تعتبر أن الرجل هو الأسوأ سلوكا، فهو يبيح لنفسه ارتكاب كل المعاصى، والموبقات، ويتفاخر بها، ولكنه يمكن أن يضرب أخته أو زوجته لو نظرت من نافذة المنزل. وعندما يلتقى بعض الشباب مع بعضهم، غالبا ما تكون المرأة، والرغبة الجنسية هى محور حديثهم. ويبيحون لأنفسهم معاكسة الفتاة فى الشارع، ويتمنون أن تلتفت البنت إليهم لتتحدث معهم، ولكن عندما تقف البنت لتتحدث، فإنهم يعتبرونها على الفور فتاة سيئة السلوك. و يبيح الشاب لنفسه التفكير فى الالتقاء الجنسى مع أى فتاة تعجبه، ولكنه لا يقبل مجرد التفكير أن تفعل أخته نفس الشىء. وهو يقبل أن يعاكس بنت الجيران، لكن لا يقبل أن يعاكس ابن الجيران أخته.
هناك بالفعل العديد من التناقضات، والأخ الذى قتل أخته بسبب ما يسمى بجرائم الشرف فى الأردن لم يكن هو الجانى الوحيد، فالمجتمع بأكمله مجرم فى حق دلال. ومن المفروض أن نحاكم كل أفراد ذلك المجتمع. ليس فى الأردن وحدها، ولا فى مصر فقط، بل فى كل البلدان العربية، وفى كل الثقافات التى زرعت فى ذهن الفتاة أنها مجرد كائن فاشل مخلوق من أجل الرجل.
على الجانب الأخر يرفض أسامة السيد (موظف - مرتبط فى مرحلة الخطوبة) المفهوم السائد عن دونية المرأة، ويقول إن المجتمع المصرى مزدوج النظرة. فهو ينظر إلى المرأة بنظرتين مختلفتين إلى حد التناقض. وأحيانا نجد أن الثقافة الشعبية تذخر بالعديد من المفاهيم التى تعتبر البنت أقوى من الرجل، خصوصا من جهة المكر والدهاء، والحيلة. وإذا وقع أحدهم ضحية مكيدة معينة، فإنهم يصفونها بأنها: "كيد النساء". وكيد النساء هذه مشتقة من القرآن الكريم من قصة سيدنا يوسف الذى تعرض لمكيدة من زليخة، أدت به فى نهاية المطاف إلى السجن. ورغم أننا كشباب نحب أن نقابل الفتاة اللطيفة الجريئة بلا حدود إلا أن النموذج المطلوب والسائد عن المرأة هو أنها يجب أن تكون خجولة، وخائفة، وضعيفة، ورقيقة. وإذا تجرأت فتاة، وعبرت عن إعجابها بالشاب فإن سمعتها تتعرض للدمار على الفور. وبالتالى فالمعادلة صعبة. وإذا قررنا الزواج فإننا على الفور نبحث عن فتاة لم تعرف شابا من قبل. وكأننا نحيا فى كوكب آخر. ونلغى من عقولنا فكرة الزواج من أى فتاة عرفناها من قبل، بسبب أنها قبلت بالتعارف معنا.
إيمان يحيى تؤكد من جانبها أن عملية الثأر ليست خاصة بالرجل فقط. فالمرأة تثأر أيضا من الرجل. المرأة ليست بهذا الضعف، ولكن الفارق يكمن فى طريقة ونوعية الثأر. بعض النساء يثأرن لأنفسهن عن طريق قتل الأزواج، وهى الحوادث التى انتشرت فى مصر كثيرا فى فترة من الفترات، وأحيانا يمكن أن تثأر الزوجة من زوجها عن طريق خيانته مع رجل آخر، أو عن طريق إتباع أساليب ماكرة، ومخادعة، فالزوجة يمكن أن تمارس القهر على الرجل من خلال دورها كحبيبة. حيث تزيد من سيطرتها على الرجل، وتستغل حبه لها، وتضغط عليه من خلال حاجته الجنسية إليها، حيث تشعر أنها تثأر لنفسها ولكرامتها عندما ترى الرجل ضعيفا محتاجا إليها، وراغبا فيها. ولهذا نرى الكثير من الزوجات يمارسن هذا النوع من الثأر على أزواجهن. والمعروف مثلا أن أنسب وقت يمكن أن تطلب فيه المرأة من الرجل شيئا فيلبيه دون أى تردد هو وقت ضعفه الجنسى أمامها. أما المرأة الأم فتمارس دورها فى الثأر من خلال ممارسة أشكال مختلفة من الضغوط الاجتماعية على الرجل، من خلال السيطرة على الأبناء، واستخدامهم كأدوات للضغط على الرجل. أو استخدام الإنجاب كوسيلة لربط الرجل، وإثقال كاهله بالمسئوليات حتى لا يجد متنفسا للبحث عن امرأة أخرى. والمثل الشعبى ينصح المرأة قائلا: "خدى لك راجل بالليل غفير وبالنهار أجير". والمعنى أن الرجل يعمل من أجل المرأة بالنهار، ويحرسها فى الليل. فالزواج هنا زواج منفعة ترى فيه المرأة أنها الطرف الرابح.
هكذا، يتضح أن البنت مش زى الولد فى المجتمعات العربية، ومن الواضح أن العلاقات بين الطرفين تدور فى حلقات مفرغة، وفى تسلسل مترابط، بحيث تقع المسئولية على الطرفين، ولا يمكن أن نفض هذا الاشتباك دون تكاتف من جانب الجميع، مع كافة مؤسسات المجتمع.
أما الذين قتلوا دلالا فهم أنا وأنتم أيها القراء، وقتلها عادل سالم رئيس تحرير مجلتنا هذه لأننا جميعا كنا نعرف عن جرائم القتل من أجل الشرف، ولكننا سكتنا عن الحق، حتى اغتالوها، والله أعلم، من التالى فى مسلسل جرائم القتل.
مشاركة منتدى
1 آذار (مارس) 2004, 02:52, بقلم وليد سليمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم
السلام عليكم ورحمة الله
أنا اسمي: وليد سليمان من فلسطين ، انوي كتابة كتاب حول جاهلية القرن العشرين فيما يتعلق بوأد البنات
هل ممكن مساعدتي ..
1- بمراجع عن الموضوع
2- قصص عن الموضوع
وشكرا