الاثنين ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٤
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

الاستغلال الأكاديمي: الصراع الصامت بين الأستاذ والمساعد

من المفترض أن تكون المؤسسات الأكاديمية مراكز للنمو الفكري والاحترام المتبادل، وتعزيز تنمية كل من المعلمين والطلاب. ومع ذلك، هناك واقع أكثر قتامة في العديد من البيئات الأكاديمية: استغلال المساعدين من قبل بعض الأساتذة. هذه الظاهرة، التي تتسم بإساءة استخدام السلطة والنفوذ، تكشف عن ديناميكية مزعجة حيث يتقاطع الطموح الأكاديمي والاعتماد، مما يخلق صراعا صامتا ولكنه شامل.

وهى مسألة لا يمكن تعميمها، فالقاعدة التعليمية تتسم بوجود أساتذة كثيرين أجلاء، ومحترمين، مازالوا يقدرون العلاقات الإنسانية الطيبة، بما فيها العلاقات بالجيل الأصغر سنا، والذي مازال يخطو خطواته الأولى نحو التعلم والحصول على الدرجات العلمية المختلفة. وهو أمر يجعلنا نؤكد أن عملية الاستغلال هذه، هى الاستثناء وليس القاعدة، لكنها ظاهرة تحتاج منا لمواجهتها والحد منها ضمانا لرسوخ القيم الأخلاقية التعليمية النبيلة.

يتجلى الاستغلال الأكاديمي في أشكال مختلفة، غالبا ما يبدأ بشكل خفي ولكنه يتصاعد إلى إساءة استخدام السلطة بشكل صريح. غالبا ما يفوض بعض الأساتذة، المسلحون بالسلطة الهرمية الممنوحة لهم بموجب مناصبهم، مسؤوليات إلى المساعدين تتجاوز نطاق أدوارهم. وغالبا ما يُكلف المساعدون بعمل لا علاقة له بتطورهم الأكاديمي. يتضمن ذلك إدارة التقدم الأكاديمي للطلاب، وتدريس دورات كاملة، وتصحيح الواجبات، وإجراء متابعة للأطروحات، وقراءة الأبحاث ووضع الملحوظات، وتدريس مواد كاملة، مع ما يرتبط بذلك من وضع امتحانات وتصحيحها - وهي كلها واجبات تخص الأستاذ، ومن صميم عمله!!

كما يفرض بعض الأساتذة مصالحهم البحثية الشخصية على مساعديهم، ويوجهونهم لإعطاء الأولوية للمشاريع التي تفيد مهنة الأستاذ بدلا من التطلعات الأكاديمية للمساعدين. وفي الحالات القصوى، لا يتم الاعتراف بمساهمات المساعدين في المنشورات، مما يجعلهم مستنزفين فكريا وغير معترف بهم مهنيا. وغالبا ما يمتد الاستغلال إلى العمل غير المأجور. ويُتوقع من المساعدين تكريس الكثير من الوقت والجهد دون أي عائد مالي، مبررا تحت ستار الإرشاد أو الالتزام المهني. وفي بعض الحالات، يفرض بعض الأساتذة أنفسهم على الحياة الشخصية للمساعدين، ويطالبون بالوقت والجهد بما يتجاوز ساعات العمل، حيث تطمس هذه الحدود الخط الفاصل بين العلاقات المهنية والاستغلال.

وعلى الرغم من الظلم الواضح، يجد العديد من المساعدين أنفسهم غير قادرين على مقاومة هذا الاستغلال. وهناك عدة أسباب تساهم في خضوعهم:

 غالبا ما يكون المساعدون طلابا يعملون تحت إشراف الأستاذ لدراساتهم في الماجستير أو الدكتوراه. ويرتبط نجاحهم الأكاديمي بموافقة الأستاذ، مما يجعلهم عرضة للتلاعب.

 يمكن أن تؤدي مقاومة مطالب الأستاذ إلى عواقب أكاديمية أو مهنية، بما في ذلك التخرج المتأخر، أو التقييمات السيئة، أو الاستبعاد من الفرص. ويخلق هذا الخوف ثقافة الصمت والامتثال.

 يعتقد العديد من المساعدين أن إرضاء أستاذهم خطوة ضرورية نحو التقدم الوظيفي. وهم يأملون أن يؤدي امتثالهم إلى توصيات أو تعاون أو فوائد مهنية أخرى.

 في العديد من الأنظمة الأكاديمية، يمارس بعض الأساتذة نفوذا كبيرا، مما يترك المساعدين مع سبل محدودة للانتصاف أو الهروب من العلاقات الاستغلالية.

ويمثل الاستغلال الأكاديمي فشلا أخلاقيا عميقا. إن بعض الأساتذة الذين ينبغي لهم أن يعملوا كمرشدين وقدوة، يستغلون سلطتهم بدلا من ذلك، مما يقوض الثقة والاحترام الضروريين للأوساط الأكاديمية. ولا يضر هذا الاستغلال بالمساعدين فحسب، بل يضر أيضا بسلامة المؤسسة الأكاديمية ككل. ويجب أن تكون العلاقة بين الأساتذة والمساعدين علاقة احترام متبادل وتعاون، وتعزيز النمو والتعلم لكلا الطرفين. وعندما تتحول هذه العلاقة إلى علاقة استغلال، فإنها تخلق بيئة من الاستياء وخيبة الأمل والركود الأكاديمي.

ولمكافحة الاستغلال الأكاديمي، هناك حاجة إلى تغييرات منهجية وثقافية:

 يتعين على الجامعات أن تحدد بوضوح أدوار ومسؤوليات المساعدين، وضمان أن تتوافق واجباتهم مع تطورهم الأكاديمي والمهني.

 كما يتعين على المؤسسات إنشاء آليات للإبلاغ عن الاستغلال ومعالجته، وتزويد المساعدين بطريقة آمنة ومجهولة للتعبير عن مخاوفهم.

 يجب أن يتلقى الأساتذة تدريبا حول الإرشاد الأخلاقي، مع التأكيد على أهمية الاحترام والإنصاف والحدود في علاقاتهم مع المساعدين.

 يجب تثقيف المساعدين حول حقوقهم وتشجيعهم على الدفاع عن أنفسهم. كما يمكن لشبكات الأقران ومجموعات الدعم أن توفر صوتا جماعيا ضد الاستغلال.

إن الاستغلال الأكاديمي يعكس إساءة استخدام السلطة على نحو يتناقض مع قيم التعليم والتوجيه. فبعض الأساتذة الذين يستغلون مساعديهم يقوضون الأساس الحقيقي للنزاهة الأكاديمية، ويخلقون بيئة حيث يحل الخوف والاعتماد محل الاحترام المتبادل والتعاون. إن معالجة هذه القضية تتطلب تحولا ثقافيا داخل الأوساط الأكاديمية - تحول يعطي الأولوية للأخلاق والعدالة ورفاهية جميع المشاركين في العملية الأكاديمية. فقط من خلال مواجهة وتفكيك الهياكل التي تمكن الاستغلال يمكن للأوساط الأكاديمية أن تحقق مهمتها كمساحة للنمو الفكري والشخصي الحقيقي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى