الثلاثاء ٢٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠١١
بقلم محمد سلطان الولماني

الإيقاع في شعر التفعيلة

من المهم أن يُحدد إطار المصطلح الذي يدور فيه البحث. فمصطلحنا هو: الإيقاع. الإيقاع لغة: مأخوذة من الجذر ( وقع ) والوقعُ: وقع على الشيء،ووقع المطر بالأرض، ولا يقال سقط(...) والإيقاع: من إيقاع اللحن والغناء، وهو أن يوقع الألحان ويبنيها. [1].

وأول من استعمل الإيقاع من العرب هو " ابن طباطبا " في "عيار الشعر" عندما قال: « وللشعر الموزون إيقاع يطْرَبُ الفهم لصوابه...» [2].

أما الإيقاع عند المحدثين من العرب، فقد شاع عندهم مصطلح" موسيقى الشعر" وقد عرّف "كمال أبو ديب" الإيقاع بأنه: «الفاعلية التي تنتقل إلى المتلقي ذي الحساسية المرهفة الشعور بوجود حركة داخلية ذات حيوية متنامية تمنح التتابع الحركي وحدة تغمية عميقة عن طريق إضفاء خصائص معينة على عناصر الكتلة الحركية» [3].

فالإيقاع قائم على الفاعلية بين الشاعر والمتلقي، فهي حركة تخرج عن السكون، لتعطي المتلقي إحساسًا بالفرح والسرور أو الحزن والألم.

الإيقاع الخارجي

في هذا المبحث، سأتحدث عن الإيقاع الخارجي للقصيدة، وهو يتكون من: تقطيع البيت تقطيعًا إيقاعيًا، وكذلك استخراج البحر العروضي والقافية أو الروي. وأول قصيدة سنطبق عليها الإيقاع الخارجي، هي قصيدة للشاعر السعودي الراحل "عبدالله الثبيتي" في قصيدته "تعارف" . يقول الشاعر:

غرفةٌ باردةْ غرفةٌ بابها.. لا أظنّ لها أي بابٍ وأرجاؤها حاقدة غبشٌ يتهادى على قدمين وصمتٌ يقوم على قدم واحدة لا نوافذ، لا موقدٌ، لا سريرٌ، ولا لوحة في الجدار، ولا مائدة...
 [4]

 التقطيع الإيقاعي:

غر|فتن \ با|ردة \
غر|فتن \ با|بها \
لا| أظن \ ن لها \ أي|ي با \ بن| وأر \ جا|ؤها \ حا|قدة \
غبشن \ يتها \ دى| على \ قدمي
ن وصم \ تن|يقو \ م على \ قدم \ وا |حدة \
لا|نوا \ فذ لا \ مو|قدن \ لا| سرير \ رن|ولا \
لو|حتن \ ف ل|جدا \ ر ولا \ ما|ئدة \ .

 بحر هذه القصيدة هو ( المتدارك ).

بحر المتدارك من البحور الخفيفة والسريعة. يُكتب عليه قصائد الحرب (نظرًا لارتباطه بالخيل والسيوف). وكذلك، يصلح للتعبير الذاتي عن النفس المتعبة أو القلقة. وهنا نجد الشاعر أجاد في استخدام هذا بحر المتدارك لهذه القصيدة، حيث يغلب على القصيدة طابع الرتابة والملل والتشاؤم. فجاء بحر المتدارك، ليكسر تلك الرتابة والملل وما يتخلل القصيدة من تشاؤم،وذلك؛ بتلاحق أنغامه وخفته. وكان إيقاع البحر، متناغمًا مع اللقطات التصويرية الموجودة في النص.

 الروي: الدال.

لروي القصيدة دلالة لإيضاح المعنى الذي يرده الشاعر. وسنورد بعض الكلمات التي تدل على دلالة الروي، فمثلاً: دمار، إبادة، دم. وكلها كلمات تدل على كسر أو العدول عن الطريق المخصص له. فالشاعر هنا أراد كسر التشاؤم والملل، ومحاولة التخلص منها بكل الوسائل.

أما النص الثاني، فهي قصيدة لشاعرنا الثبيتي – رحمه الله –بعنوان : " الأوقات "، ويقول فيها:

وأفقت من تعب القرى
فإذا المدينة شارعٌ قفرٌ ونافذةٌ تطلّ على السماء
وأفقت من سغب المدينة خائفًأ
فإذا الهوى حجرٌ على باب النساء
وأفقت من وطني فكانت حمرة الأوقات مسدلةً
وكان الحزن متّسعًا لأن نبكي فيغلبنا النّشيد
ونسيل أغنيةً بشارعنا الجديد [5].

 التقطيع الإيقاعي:

وأفق|ت من \ تعب ل|قرى
فإذ ل|مدي \نة شا|رعن \ قفرن| ونا \فذتن| تطل \ل عل لس|سماء
وأفقت| من \ سغب ل|مدي \نة خائفن
فإذ ل|هوى \ حجرن| على \ باب ن|نساء\
وأفق|ت من\ وطني| فكا \نت حم|رة ل\ أوقات| مس\ دلتن| وكا \ن لحز|ن مت\ تسعن|
لأن \ نبكي| فيغ \لبنا| ننشيد\ ونسي|ل أغ \نيتن| بشا \رعنا| لجديد\ .

 بحر القصيدة: البحر الكامل.

دلالة البحر: بحر الكامل من البحور الدالة على الشجن والعشق والرومانسية وكذلك الفروسية. فقد تناسب إيقاع البحر مع غرض القصيدة المليئة بالشجن والسهد، والتلهف على محبوبته. وقد اختار الشاعر هذا البحر؛ لما فيه من موسيقى عالية يجعله فخمًا وجليلاً.

 الروي: الهمزة الساكنة والدال الساكنة.

دلالة الروي: زاوج الشاعر في الروي بين الهمزة الساكنة والدال الساكنة. فالهمزة الساكنة دليلٌ على الحيرة التي يعيشها الشاعر داخل النص. فقد حاول أن يهرب من حيرته، إلا أنه وقع فيها مرة أخرى، وذلك بالدال الساكنة.

الإيقاع الداخلي

يتمثل الإيقاعي الداخلي في القصيدة من وحدات إيقاعية تزين النص. ويكون الإيقاع الداخلي من: تَكرار ( صوتي ولفظي ) ومن موازنة وتجاور صوتي وتصريع وغيرها من الوحدات الإيقاعية التي تساعد على إبراز جماليات النص ومعانيه.
ومن الصعب حصر جميع الوحدات الإيقاعية عند الثبيتي، لذلك، اختصرت البحث في ثلاث وحدات إيقاعية، وهي: ( التَكرار: الصوتي واللفظي وكذلك الموازنة ).

 التَكرار الصوتي.
 قال الشاعر محمد الثبيتي في قصيدته "البشير" :

أنا خاتم الماثلين على النّطع
هذا حسام الخطيئة يعبر خاصرتي
فأسلسل نبعًا من النّار يجري دمًا
في عروق العذارى
أنا آخر الموت [6]

نجد في هذا النص، تكرار حرف ( النون ) في: ( أنا-الماثلين-النطع-نبعًا-النار-أنا). ولا شك أن تَكرار مثل هذا الحرف له دلالته على الشاعر وقصيدته. فحرف النون حرفٌ مجهور، ودلالته في القصيدة: الظهور والبروز. وهذا ما يناسب القصيدة. حيث نجد الاعتزاز بالنفس، ومحاولة التصدّر.

• التَكرار اللفظي.

• قال الشاعر الثبيتي:

وأفقت من تعب القرى
فإذا المدينة شارعٌ قفرٌ ونافذةٌ تطلُّ على السماءْ
وأفقت من سغب المدينة خائفًا
فإذا الهوى حجرٌ على باب النساء
وأفقت من وطني فكانت حمرةُ الأوقاتِ مسدلة... [7]

عند قراءتنا لهذا النص، يلفت انتباهنا لفظة تكررت، وهي: (وأفقت ). ولا شك أن الشاعر لم يردها عبثًا، بل كان وراء ذلك دلالة التوكيد وأهمية ما يكرره. ودلالة ذلك التكرار على النص، هو تعجب الشاعر من تسارع الحياة، وتناقضها. فالقرية تعب والمدينة قفرٌ وخالية.

والنص الثاني من التَكرار اللفظي، للشاعر الثبيتي من قصيدته والتي هي بعنوان "البابلي".

يقول الشاعر:
فاقتاده وثنٌ عبقريٌ إلى حيثُ
لا تُشرق الشمسُ
بعد ثلاثٍ أتى مورقًا
وتكوّر في ملتقى الشّاطئين
وحين تساقط من حوله الليلُ
كان يعاني الصداعْ
الصداع
الصداع [8].

كما نرى من هذا النص، فقد كرر الشاعر لفظة ( الصداع ) ثلاث مرات. ولا يمكن أن نغفل هذا التَكرار ودلالته في النص. فلفظة الصداع تدل على تتابع المعاناة التي يعيشها الشاعر . وكما نعلم أن الصداع ألمٌ داخلي، لا يظهر أثره على المريض. لذلك؛ كرره الشاعر للفت الانتباه.

3- الموازنة.

الموازنة مصطلح يُقصد به التساوي بين الكلمات صرفيًا. يقول ابن الأثير في الموازنة« وهي أن تكون ألفاظُ الفواصل من الكلام المنثور متساويةً في الوزن» [9].

 وفي هذا النص وهو للشاعر الثبيتي في قصيدته" تغريبة القوافل" يقول فيها:

يا وارد الماء عٍلّ المطايا
وصُبّ لنا وطنًا في عيون الصبايا
فما زال في الغيب منتجعٌ للشقاء
وفي الريح من تعب الرّاحلين بقايا [10]

في هذا النص، نجد الموازنة بين ( المطايا، الصبايا، بقايا )، ويجب على المتلقي عدم إغفال هذا التوازن صرفيًا. فالمطية هي الراحلة، وهنا نجد الشاعر في رحلة غربةٍ لا يعرف مصيرها ولا منتهاها. يريد الاستقرار، وذلك بتزيين منظر الوطن عند صبّهِ في عيون الصبايا الجميلات، ومع ذلك؛ فإن الغريب ما زال يحن للرحلة، فهناك بقايا من تعب السفر.

المراجع

  1. مرجع رقم واحد، جمال الدين ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، 2003م، مادة( وقع).
  2. مرجع رقم 2، ضياء الدين ابن الأثير، المثل السائر، تحقيق\أحمد الحوفي وبدوي طبانة، دار نهضة مصر، القاهرة، (د.ت)، ص 1\291.
  3. مرجع رقم 3، ابن طباطبا، عيار الشعر، تحقيق: محمد زغلول سلام، منشأة المعارف، الإسكندرية،(د.ت)، ط3،ص53.
  4. مرجع رقم 4، كمال أبو ديب، في البنية الإيقاعية للشعر العربي الحديث، دار العلم، بيروت، 1981م، ط2،ص 230.
  5. مرجع رقم 5، محمد الثبيتي، ديوان شعر( الأعمال الكاملة)، نادي حائل الأدبي، حائل،2009م،ط1.

[1جمال الدين ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، 2003م، مادة وقع.

[2ابن طباطبا، عيار الشعر، تحقيق: محمد زغلول سلام، منشأة المعارف، الإسكندرية،(د.ت)، ط3،ص53

[3كمال أبو ديب، في البنية الإيقاعية للشعر العربي الحديث، دار العلم، بيروت، 1981م، ط2،ص 230

[4محمد الثبيتي، ديوان شعر( الأعمال الكاملة)، نادي حائل الأدبي، حائل،2009م،ط1، ص35.

[5محمد الثبيتي، الأعمال الكاملة، ص 45

[6محمد الثبيتي، الأعمال الكاملة، ص 91

[7محمد الثبيتي، الأعمال الكاملة، ص 45.

[8محمد الثبيتي، الأعمال الكاملة، ص 87

[9ضياء الدين ابن الأثير، المثل السائر، تحقيق\أحمد الحوفي وبدوي طبانة، دار نهضة مصر، القاهرة، (د.ت)، ص 1\291

[10محمد الثبيتي، الأعمال الكاملة، ص 105


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى