احتلال الجسد
أشد وقعا من تأثير المآسي و أقسى من جراح الحب هو ذلك الاحساس المبهم الذي يأسرنا في سجن بلا قضبان...فكثيرا ما تكون الحياة سلسة ناعمة تهبنا أوقاتا مرحة ننهل منها قسطا من الراحة يمكننا من نسيان عقبات تجاوزناها ثم و فجأة تكشر عن أنيابها مجددا فتصبح أكثر قسوة و صلابة من ذي قبل..
يعد الاحتلال من أبشع أشكال الاضطهاد فأن يحرمك الأخرون من التمتع بحريات من حقك ثم يجعلون حياتك مستحيلة بسلب أمانيك و حتى أصغر أحلامك التي ليست سوى مجريات حياة عادية يسأمها من لم يحرم منها يوما يعتبر من أشد أنواع العذاب. من لم يعش يوما في موطن محتل يتعاطف قطعا مع قضية الحرب لكنه لن يحس أبدا بما يعانيه الأبرياء من جور الزمان وظلم قاتلي زهور الصباح, حيث يتخلل رصاص الغدر بيوتهم الصغيرة, هناك أين تلف أنامل الخوف كيان صورة نحتتها الدموع فوق صخور الأمل الذاوية ,صورة يصلون من جلها كل حين أنها صورة الحرية التي انتهكتها الة القتل الرهيبة.
تماما كما لا نشعر بمعاناة من يواجهون احتلال يشبه في كل معانيه احتلال الوطن لكنه بعيدا عن الأضواء, احتلال الجسد معاناة من نوع خاص و هو مصير من يجبرون على العيش دون أحلام عادية. حالة أجسادهم الخاصة تمنعهم أحيانا من التعايش الطبيعي معنا اذ يصبح العلاج في أوضاع اجتماعية متدنية طموح صعب المنال و في أحيان أخرى يعتبر من الخيال العلمي. لكنهم يتألمون في صمت دون أن يتمكنوا من تجاوز أسوار الوجيعة.. صامدون أمام رياح القدر العاتية متطلعين للمستقبل بابتسامة تشع براءة و ايمانا.يحتاجون الى كلمة طيبة, لمسة حنان او حتى نظرة مواساة صادقة تختزل كل معاني التضامن و العطاء. انهم يحتاجون الينا....