إخضاع المرأة في العالم وكيفية إضعافه
النساء في العالم أجمع يعانين من الإخضاع. وتختلف البلدان والثقافات بعضها عن بعض في مدى شدة هذا الإخضاع وفي مدى قبوله لدى أفراد الشعب من الرجال والنساء. وفي كل المجتمعات أنشئت آليات نفسية واجتماعية واقتصادية يحقق بها إخضاع الرجال للنساء. وطيلة قرون كثيرة حققت هذه الآليات النجاح في أدائها لوظيفة التحكم هذه. وتشير أحداث التاريخ إلى أن قبول قسم من النساء للإخضاع أو استكانتهن له أو لامبالاتهن به أو تعاونهن مع المستعملين لهذه الآليات أسهم في نجاح هذه الآليات. اعتقد قسم منهن، على الأقل، بأن من تدبير خالقهن أن يكن خاضعات وبأن القيادة الدينية والسياسية والاقتصادية ليست مناسبة لهن. وأمل النساء الحوامل في أن ينجبن أطفالا ذكورا، مفضلاتهم على الطفلات الإناث، هو انعكاس لقبولهن بالخضوع للرجال.
من الواضح أن ثمة اختلافات بيولوجية بين الرجال والنساء يترتب عليها الاختلاف في الوظائف التي يؤديها كل من الرجال والنساء. من الواضح أن للرجال مجالات خاصة بهم وأن للنساء مجالات خاصة بهن وأن ثمة مجالات يمكن للرجال وللنساء أن يدخلوها وأن يمارسوا فيها معا نشاطاتهم. وثمة مسألة تستحق الدراسة الجادة وهي هل هذا الاختلاف البيولوجي يستلزم موضوعيا إخضاع الرجال للنساء.
يبدو من الواضح أن الوضع المنخفض للنساء ليس نتيجة إدامة الرجال لذلك فقط. تقوم النساء، برغبة وتحمس أحيانا، في بعض المجتمعات، من قبيل المجتمعات القبلية، بتعليم أبنائهن أن يكونوا رجالا "حقيقيين" وبتعليم بناتهن أن يعجبن بأولئك الرجال.
ومدى توق النساء الى الانعتاق يتوقف على عوامل منها مستوى ثقافتهن ووعيهن. إن بنى الهيمنة الهرمية تسهم في إقامة النظام الاجتماعي وفي الإبقاء عليه. وهذا النظام تفضله مجتمعات، مثل المجتمعات القبلية، على الفوضى والشك. في هذه البنى للمرأة وضع ومنزلة أدنى من وضع الرجل ومنزلته وووضع خاضع لوضع الرجل. وفي المجتمعات التقليدية إسهام النساء في خضوعهن أكبر من إسهامهن في هذا الخضوع في المجتمعات غير التقليدية وذلك نظرا إلى أن النساء في المجتمعات التقليدية أقل أثرا في فعل شيء لتغيير حالتهن وإلى أنهن أقل قوة في التصدي لقيام الرجال بحملهن على الانصياع لرغباتهم. في مجتمع خاضع للنظام وحسن التكييف الثقافي لبيئته فإن النساء مكيفات اجتماعيا تكييفا صحيحا.
في المجتمعات القبلية التباين الجنسي كبير نسبيا، والاحتجاج على هذا التباين قليل. ومهما يكن الأمر فإن عددا متزايدا من النساء في مجتمعات أقل تقليدا يحتج على التفرقة الجنسية وعلى وضعهن الخاضع.
ويأتي قدر كبير من هذه المعارضة من السكان المنتمين إلى طبقات اجتماعية مختلفة وذوي صفات مغايرة: مجتمعات يكون فيها لنشر الإشاعات والانغماس في القيل والقال والكشف عن الأسرار الشخصية والوقائع المثيرة والمقدسات والمحرمات دور أقل نسبيا في التحكم الاجتماعي. وفي المجتمعات الأكثر تعقدا لا حاجة بالضرورة لدى النساء إلى الشعور بأنهن محرومات على نحو ظالم لأن أغلبيتهن هنا أيضا كما هو الحال في المجتمعات القبلية قد يكن داعمات للوضع الاجتماعي القائم دعما تاما أو شبه تام أو كبير على الرغم من وضعهن الأخفض.
وعلى الرغم من الاستياء الجنسي لدى النساء في المجتمعات الأكثر تعقدا فإن البنى الهرمية الجنسية لا تزال باقية في المجتمعات التي قطعت شوطا طويلا على طريق النهضة. لقد اكتسبت النساء في الولايات المتحدة، مثلا، حقوقا خلال العقود القليلة المنصرمة، بيد أن قسما لا يستهان به من الأمريكيين لا يزال يجد تبريرا يعتمد على مصادر دينية غربية للتمييز الجنسي. ولا يزال كثيرون من الأمريكيين يعتقدون بأن من المناسب أن يبقى الاقتصاد تحت سيطرة الرجال. وعلى الرغم من أن عدد المجالات المقصورة على الذكور، من قبيل فرق رياضية ومحافل ونواد، قل إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، فإن عددا كبيرا منها باق على حالته، وهو يلقى تأييدا عاما. ولا تزال الصور العقلية والفكرية الثابتة عن وضع المرأة منتشرة انتشارا واسعا في الولايات المتحدة، ولا يزال الكيل بمكيالين شائعا، ويبدو أن التفكه والسخرية القائمين على نوع الجنس لا يزالان منتشرين.
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة قد أشارت إلى أن أكثر من نصف النساء في هذا البلد يعتبرن أنفسهن من الداعيات إلى إعطاء مزيد من الحقوق والمهام للنساء فإن أشد أهداف الحركة النسائية طموحا لم يحقق. ويبدو أن العادات والمعتقدات التي تحرم النساء من اغتنام الفرص في أمريكا ستبقى محل تشكيك من جانب البعض . ونظرا إلى أن تقسيم العمل على أساس نوع الجنس يتضمن على نحو متزايد المفارقة التاريخية بالنسبة الى المجتمع المتقدم تكنولوجيا فإنه يمكن أن نتوقع أن الجهود التي تبذل للإبقاء على امتيازات حصرية لكل من الجنسين ستكون محل اعتراض.
والمجتمعات القبلية في حاجة إلى الاعتماد على نظام للمكانة (المنزلة) للمحافظة على بنية اجتماعية منتظمة. والسكان القبليون ليسوا في خطر لدى توزيع الأدوار الاقتصادية حسب الجنس تماما لأن عدم إقامة هذا التوزيع على أساس الأهلية والنزعة الفرديتين ليس له أهمية تستحق الذكر نظرا إلى أن الاقتصاد يتطلب مجموعة قليلة من المهام. بيد أنه في المجتمع الصناعي الحديث حيث التخصص العالي المهارة ضروري فإن اختيار المرشحين لشغل تلك المناصب من مجموعة محدودة من المواهب، من نصف السكان البالغين فقط، يضع ذلك المجتمع في وضع غير مؤات إذا تعين على ذلك المجتمع أن ينافس شعوبا أخرى لا تعيق أنفسها على هذا النحو. وإن المجتمعات المتطورة التي تمجد إتاحة الفرصة وتحقيق الإنجاز والتمتع بالمساواة (وهي أمور ذات أهمية أقل بالنسبة إلى المجتمع القبلي) لا بد من أن تواجه صعوبة إذا أنكرت هذه القيم على النساء. ومن شأن ذلك الإنكار تقييد قدرة النساء على تحقيق النجاح الذي يرغبن فيه والذي يتطلبه اقتصاد تلك المجتمعات.
ونظرا إلى أن الرجال مسيطرون سياسيا في جميع المجتمعات البشرية فليس مما يبعث على الدهشة أن عددا كبيرا من الدارسين استنتجوا بأن الطبيعة البشرية، وليست التنشئة، جعلت من الضروري هذا التفاوت بين الجنسين. وعلى الرغم من الإقرار بدور الطبيعة البشرية في إيجاد التفاوت الجنسي وبحتمية وجود هذا الدور فإن للتنشئة إسهاما في تقوية أو إضعاف ذلك التفاوت.
ومن الضروري معرفة كيفية إبقاء النساء في وضعهن مدة طويلة إذا أريد تحقيق بعض النجاح في محاولات مكافحة التفاوت الجنسي. وكما أن المعالجة الطبية الأشد أثرا تقوم على التشخيص السببي الصحيح للداء فإن جهود الإصلاح الاجتماعي يجب أن تأخذ في الحسبان طبيعة ما نريد أن نغيره. ومن شأن معرفة الطرق التي يستعمل المجتمع بها الوسائل الثقافية لإدامة التهيئة الاجتماعية المميزة للأولاد والبنات أن تجعل أفراد المجتمع على استعداد أكبر لإعادة تصميم تلك العملية لتقوية المساواة بين الجنسين. وبالمثل من شأن الوعي بالممارسات الاعتيادية التي تشجع النساء على الإذعان أن يوجد لدينا قوة كبرىعلى تغيير تلك العادات. ولفهم كيفية إبقاء النساء في وضعهن ولمعرفة مدى ذلك الإبقاء من المهم أن نفهم كيفية تحقيق مجتمعات لاستقرار التفاوت.
وقبل أن يكون في إمكان ذلك كله أن يجعل من الممكن استئصال أو إضعاف سيطرة الذكور ينبغي أن نعرف أولا سبب مواصلة المجتمع لإنكار المساواة في الفرص على النساء لأن من غير المحتمل أن المجتمع لا يفعل ذلك إلا نتيجة عن الجمود الثقافي. من الممكن أن للتفاوت وظيفة اجتماعية بطرق قد لا يجري فهمها التام.
وإذا أريد أن تحقق النساء المساواة – بقدر ما تسمح الاختلافات البيولوجية بذلك - وإذا أمكن تحقيق هذا التغيير الجوهري فإن ذلك يتطلب ما يتجاوز تعديل الحقوق المتساوية أو التغيير التدريجي لقوانين التفرقة. ونظرا إلى أن العادات الممارسة منذ وقت طويل التي تشجع التفاوت متأصلة في الثقافة البشرية فإن مساواة الجنسين لن تحقق حتى نتصدى لحقيقة أن التفاوت نتاج مواقفنا وسلوكنا. ولا يمكن طرح أو إضعاف هذا الأثر من آثار تركتنا القبلية إلا حينئذ.