

أمي الحبيبة
(1)
مَسَكْتُ القَلَم َكَيْ أَكتُبَ حَرْفَاً فِيْكِ
فَتَرَاقَصَ طَرَبَاً يُهَنِّيكِ
يَاغَالِيَةً مَاذَا عَسَانِي اليَوْمَ أُهْدِيكِ
إِنِي بِعُمْرِي أَفْدِيْكِ
(2)
دَعِيْنِي أُقَبِّلُ يَدَيْكِ
وَأَشْتَمُّ عِطْرَ الصَّبْرِ فِي رَاحَتَيْكِ
ضُمِيْنِي وَعَانِقِيْنِي كَي أَشْعُرَ بِالأَمَانِ فِي حُجْرِكِ
ظَمْئَةٌ أَنَا لِلْحَنَانِ يَا أُمِّي
(3)
دَعِيْنِي أتَنَفَسُ الوَجَعَ مِنْ شَهْقَاتِكِ الصَّامِتَةِ
لَوْ تَعْرِفِيْنَ مَاذَا يَعْتَرِيْنِي !
كُلَّمَا فَكَرْتُ بَأَنَنِّي يَوْمَاً أَلاّ أَلتَقِيكِ
(4)
مُنْذُ وُجِدْتُ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ
وَأَنْتِ الجُودُ بِلا حُدُوْدٍ فِيْكِ
بَذَرْتِنِي زَهْرَةً بَيْضَاءَ اللَّوْنِ
وَأَنْبَتَتْنِي الأَيَّامُ فِي تُرْبَةِ الصَّخْرِ
فَامْتَلأَ الشُّوْكُ عَلَى أَوْرَاقِي شَوْقَاً أَحْمَراً
(5)
لا الحَيَاةُ مُخْمَليَّةُ وَلا البَقَاءُ بِلا لِقَاءٍ يَسِرْ
جَعَلْتِنِي أُنْثَى فِلَسْطيِنِيَّة
فِي رَوْضِ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ
تَتَمَايَلُ بِعِطْرِكِ يَا زَكيَّة
(6)
رَبَّاهُ احْمِ لِي أُمِّي
وَارْحَمْهَا فِي الحَيَاةِ وَمَا بَعْدَهَا
فَهِيَّ آخِرُ وَقُوْدٍ بَقِيَّ لَدَيّ
ذَخِيْرَتِي كَي أَسْتَمِرَ بِمِشْوَارِي
(7)
نَشْقَى فِي الدُّرُوْبِ
نَتَعَثَّرُ بَيْنَ الأَزِّقَةِ مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوْبِ
وَلا نَعْتَرِفُ خَجَلاً بِأَخْطَاءِنَا
وَلا نَتُوبُ عَنْهَا
(8)
كَمْ أَتُوْقُ لأَرْتَمِي فِي حُجْرِكِ
لأُبَدِدَّ أَنِيْنَ غُرْبَتِي
يَا مَوْطِنِي..
لَو أَنَّ لِي أَجْنِحَةً لأَطِيْرَ إِلَيْكِ
وَتَحْمِلُنِي الكَلِمَاتِ
فَأَحُطَّ عَلَى وَرَقٍ تَحْتَ عَيْنَيْكِ
أَمْكُثُ أَخْمَصَ قَدَمَيْكِ
(9)
يَا شَمْسَ حَيَاتِي
وَدِفءَ الإِنْسَانِيَّةِ
أَيُّ قَوْلٍ قَدْ يَكْفِيْكِ؟
(10)
رَبُّ السَمَاءِ قَالَ كَثِيرَاً فِيْكِ
وَعِنْدَ الأَنْقِيَاءِ، الأَتْقِيَاءِ
مَكَانَةٌ مَرْمُوْقَةٌ نَعْلِيْك
(11)
عيد كل يومٍ وعامٍ أهديكِ
(12)
أُمُكَ.. ثمَّ أُمُكَ .. ثمَّ أُمُكْ
رِضَاً عَلَيْنَا زِيْدِي
هِيَّ السِّرُ العَجِيْبُ الذِي يُزَوِّلُ هَمَّكَ
فَلا تَكُنْ غَلِيْظَاً لِتَنْدَمَ
وَلا تَكُنْ نَاكِرَاً فَتَتألَمَ
(13)
فِي لَحْظَةِ وُجُوْدِهَا كُنْ بِقُرْبِهَا، وَلا تَتَذَمَّرْ
فَالعُمُرُ قِطَارٌ يَهْوِي بِنَا إِلى مَقَابِرِ الحُلُمِ، فَلا تَرْتَحِلْ !
وَأَنَتَ: أَيَّهَا المُسَافِر ..
عُدْ لأَحْضَانِ أُمِّكَ، فَقَدْ أَنْهَكَهَا الإِنْتِظَار
تَكْوِيْهَا بِلَسْعَاتِ نَارِ الفُرَاِقِ
وَكَأَنَّكَ بِالفِرَارِ تُحَقِقُ شَيْئَاً
سِوَى الدَّمَارِ
(14)
وَحْدَهُ البَارِئُ المُصَوِّرُ
عَالِمٌ بِالأَسْرَارِ
(15)
أُحُبُكِ يَا أُمِّي وَأقْفِلِي ذَاكَ القَوْسِ المُنْكَسِرْ
بِعَدَدِ حَبَّاتِ المَطَرِ المُنْهَمِر
أَعْتَذِرُ عَنْ كُلِّ شَقَاوَةٍ سَبَّبْتَهَا إِلَيِّكِ
فَأَنَا اليَوْمَ أَفْتَقِرُ لِوُجُوْدِنَا مَعَاً
وَأَحْتَاجُ المَزِيْدَ مِنْكِ يِا أُمِّي
فَلا تَتْرِكِيْنِي الآن.
(16)
بِرَغْمِ قَسْوَتِي أَحْيَانَاً
وَعِنْدِي ..أَحْيَانُ أُخْرَى
إِلاّ أَنَنِّي سَأبْقَى لَكِ عَلَى وَعْدِي
وَسَيَأتِي يَوْمُ وَتَفْخَرِيْنَ بِمَا سَتَصْنَعُ يَدِيَّ
نَعَمْ؛ هُوَّ مَجْدُكِ لا مَجْدِي
(17)
يَا مَاسَةً تَقْطِرُ بِهَا خَدِّي
وَيَا لُؤْلُؤَةً تَغْفُو فِي قَعْرِ مُحِيْطَاتِ أَجْفَانِي
يَا مُرْاسَاةً لأَحْزَانِي
وَيَا سُفُنَاً سَأَعُوْدُ بِكِ لأَوْطَانِي
يَا تَنْهِيْدَةً مَعَهَا سَتَحْلُو مَعَهَا الأَيَّامُ
(18)
أَلا يَا كُلَّ الأَبْجَدِيَّةِ اسْطَفِّ
لِنَعْزِفَ لَحْنَ الحُبِّ وَالخُلُوْدِ لأُمِّي
(19)
كَمْ تَاهَتْ كَلِمَاتِي عِنْدَمَا طَلَبْتُ مِنْهَا أَنْ تَصِيْرَ إِليّكِ
اسْتِقْبَالاً أَدَبِيَّاً يَلِيْقُ بِحَضْرَتِكِ
يُطَوِّعُ السُّطُوْرَ سِجَادَاً أَحْمَرَاً تَحْتَ عَيْنَيْكِ
(20)
ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُوْنَ عَامَاً مِنَ النَّبْضِ لأُمّي
يَا بَلْسَمَ الجُرْحِ
كَمْ بَكَيْتُ وَأَسْكَتِنِي، عِنْدَ الجُوعِ أَطْعَمْتِيْنِي
وَوَقْتُ المَرَضِ كُنْتِ لي نِعْمَ الرَّاعِيَةِ
قَضَيْتِ الليَالِي ضَارِعَةً للهِ تَسْأَلي لِيَّ الشِّفاء
وَفِي الصَبَاحِ تُلْبِسيْنَنِي دُعَاءَ الرِّضَا مِنْكِ بِنِدَاء
(21)
يَا هَدِيَّةَ رَّبِي إليَّ
لا شَيءَ مَعِي سِوَى الدَّمْعُ
يِرْسِمُ لَوْحَةً فَارِغَةً
مَكْتُوْبٌ عَلَيْهَا: رُوْحِي فِدَاكِ يَا أُمّي