الخميس ٢٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٤
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

أبحاث الذكاء الاصطناعي في علم الاجتماع المصري

في السنوات الأخيرة، شهد العالم الأكاديمي في مصر زيادة في الأبحاث الاجتماعية حول الذكاء الاصطناعي. يتماشى هذا الاتجاه مع الانبهار العالمي بالذكاء الاصطناعي وإمكاناته التحويلية عبر التخصصات. ومع ذلك، عند الفحص الدقيق، يصبح من الواضح أن الكثير من هذا البحث يفشل في معالجة الأبعاد الاجتماعية العميقة للذكاء الاصطناعي، ويركز بدلا من ذلك على الجوانب الفنية أو التأثيرات السطحية. ولا تعكس هذه الفجوة عدم التوافق مع الجوهر الحقيقي لعلم الاجتماع فحسب، بل تكشف أيضا عن ميل لملاحقة الاتجاهات الأكاديمية دون فهم حقيقي لجوهرها.

جاذبية الذكاء الاصطناعي: البحث كموضة

لقد حولت بروز الذكاء الاصطناعي في الخطاب العالمي هذا الأمر إلى "موضة" أكاديمية. لقد خاض العديد من علماء الاجتماع في مصر، الحريصين على مواءمة عملهم مع الاتجاهات المعاصرة، دراسات الذكاء الاصطناعي دون فهم كامل لطبيعته المعقدة. ويؤدي هذا النهج إلى انتشار الأبحاث التي تفتقر إلى العمق، مدفوعة أكثر بالرغبة في الاعتراف الأكاديمي من الالتزام بالاستكشاف الهادف. إن الانبهار بالذكاء الاصطناعي يؤدي غالبا إلى دراسات سطحية تعطي الأولوية للكلمات الطنانة على الأفكار الجوهرية، مما يقلل من دراسة الآثار الاجتماعية للذكاء الاصطناعي إلى تمرين قائمة مرجعية.

التجاوز التقني وإهمال الحقائق الاجتماعية

يركز جزء كبير من البحوث الاجتماعية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في مصر على الجوانب التقنية - الآليات الخوارزمية، ومعالجة البيانات، أو النماذج الحسابية - وهي مجالات تقع تقليديا خارج نطاق علم الاجتماع. وفي حين أن فهم هذه العناصر أمر قيم، فإن إهمال عواقبها الاجتماعية يقوض أهمية البحث. إن علماء الاجتماع في وضع فريد لاستكشاف كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل الهياكل المجتمعية، وديناميكيات القوة، والمعايير الثقافية، والتفاعلات البشرية. ومع ذلك، تتوقف العديد من الدراسات عن هذا التحقيق الأعمق، وتقدم بدلا من ذلك وجهة نظر مجزأة تفشل في استجواب التكامل المجتمعي للذكاء الاصطناعي وتأثيره.

الجمود الإحصائي في مقابل التفكك الكيفي

إن الأساليب المنهجية المعتمدة في هذا المجال تسلط الضوء بشكل أكبر على القيود، حيث يظهر نمطان مهيمنان:

الجمود الإحصائي

تعتمد العديد من الدراسات بشكل كبير على الأساليب الكمية، وتقدم تركيزا مفرطا على النمذجة الإحصائية. غالبا ما تفتقر هذه التحليلات، على الرغم من دقتها، إلى التفسير السياقي، مما يجعلها جامدة ومنفصلة عن تعقيدات العالم الحقيقي. وغالبا ما يطغى السعي وراء الدقة الرقمية على الحتمية الاجتماعية لفهم التجارب البشرية والتحولات الاجتماعية.

التحليل الكيفي غير المترابط

من ناحية أخرى، غالبا ما تعاني الأبحاث النوعية في هذا المجال من أطر ضعيفة ونقص في التماسك. تتميز هذه الدراسات بسرد غير مترابط، غير مرتبط بنظريات أو منهجيات اجتماعية قوية. ويؤدي غياب عدسة تحليلية متماسكة إلى نتائج قصصية في أفضل الأحوال وتخمينية في أسوأ الأحوال، وتفشل في المساهمة بشكل هادف في الخطاب الأوسع حول الأبعاد الاجتماعية للذكاء الاصطناعي.

الطريق إلى الأمام: نحو مشاركة اجتماعية حقيقية

لتجاوز هذه القيود، يجب على البحث الاجتماعي المصري حول الذكاء الاصطناعي إعادة معايرة تركيزه ومنهجيته. إن الخطوات التالية بالغة الأهمية:

إعطاء الأولوية للجانب الاجتماعي على الجانب التقني

يتعين على علماء الاجتماع أن يركزوا أبحاثهم على الآثار المترتبة على الذكاء الاصطناعي على المجتمع، مثل تأثيره على أسواق العمل، والطبقية الاجتماعية، والمعايير الثقافية، والاعتبارات الأخلاقية. وهذا يتطلب التحرك إلى ما هو أبعد من الجوانب الفنية لاستكشاف كيفية تقاطع الذكاء الاصطناعي مع القيم الإنسانية والأنظمة الاجتماعية.

دمج الأطر النظرية القوية

إن الأساس النظري القوي ضروري لتوجيه البحث وضمان التماسك. ويمكن للنظريات المستمدة من علم الاجتماع، مثل تأملات بورديو حول السلطة أو أفكار فوكو حول المراقبة، أن تقدم رؤى قيمة حول الأبعاد المجتمعية للذكاء الاصطناعي.
الموازنة بين الأساليب الكمية والكيفية

إن التعددية المنهجية هي المفتاح. والجمع بين التحليلات الكمية الدقيقة والرؤى النوعية المتينة يمكن أن يؤدي إلى فهم أكثر شمولاً للآثار الاجتماعية للذكاء الاصطناعي.

تعزيز الانعكاس النقدي

يتعين على الباحثين أن يفكروا بشكل نقدي في دوافعهم وافتراضاتهم، وأن يقاوموا جاذبية الاتجاهات الأكاديمية وأن ينخرطوا في أبحاث الذكاء الاصطناعي بدافع الفضول الفكري الحقيقي والاهتمام المجتمعي.

وفي النهاية، يعكس انخراط علم الاجتماع المصري في الذكاء الاصطناعي الفرص والتحديات. وفي حين يتسم المشهد الحالي بالتجاوزات التقنية والضعف المنهجي، فهناك إمكانات هائلة لرفع مستوى هذا البحث من خلال تبني جوهره الاجتماعي. ومن خلال تحويل التركيز من الموضة إلى الجوهر، يمكن لعلماء الاجتماع أن يساهموا بشكل هادف في فهم دور الذكاء الاصطناعي في تشكيل التجربة الإنسانية، وضمان صدى عملهم ليس فقط داخل الدوائر الأكاديمية ولكن أيضًا في السياق المجتمعي الأوسع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى