آدم الغريب
يا ضلعي المستقيم المكابر ..
لك الخلق من سيد العشق
فارفع كتابي عن حجابي لا تخنّي
قد منحتك سر التولّه فانجُ
من جحيم التجاذب والتنافر ..
واترك هواجس الشك واليقين لي
فليلي لهذا الخراب ولكن،
لا تلومن صمت صراخي،
تعبي من الغزل الدفين
ورقصي لأغوي اللغات
لا تلومن الجنون في رأس شاعر
ولا تلومن هيئتي،
فبي وجع الاكتمال في قلب أنثى
فلا أنا ساكن إليها ولا تسكّن جرحي المسافر
وبي وجع التضاريس وهي تُقضَم
فلا أنتمي لبحرها ولا تنتمي لمدّي المغادر
وبي مطر هاطل بي ويشقي سمائي،
فلا أنا غيمة ، ولا أنا أرض ،
ولا أنا ناقص ولا أنا فائض
أراوح بين الماء والماء
مثل نطفة تستحيل على الشهوة المائجة
بي ضجر الحيرة الهائجة
وكل من تراودني أو أراودها
حائرة في قلب حائر
أنا آدم الغريب وظنّي،
أن جبريل احتار من أي واد
سيجلب طينة هذا الركام المسافر
واحتار في أي وقت من الليل
سيحرق طيني المهاجر
فحلّق فوق الدروب التي ما غادرتها الحروب
وحلق فوق البراري ، شوكِ الحدائق
فوق السراب والحفائر
واختار من كل ناحية حفنة من تراب
بللها بالعذاب، حركها بالحراب
لهذا ولدت غريبا ونافر
أدافع عن مقامي كأني مالك للمقام
وأهجر قصري كأن طينه ليس من بدني
وليس من صافي الغرام
بي كل هذا التنافر من هوس الانسجام
بي وجع الناسك العاشق النبيل
ساعة أعانق الله في خلقه وأقرب المستحيل
وساعة أشهر الطين في وجه روحي
ويسبيني الدليل
وفي كل مرة أموت من ضجر الفكرة الناقصة
أنا آدم الغريب الضليل
لم أتعلم الأسماء كلها
لم يركع لمنفاي ملاك واحد
ليس في حديقتي تفاحة للخطيئة
ليس بي من يوسوس لي
ولم تخلق حواء من ضلعي
ولم أنكح امرأة لأكون أبا لقاتل وقتيل
ولست أبا لذريتي المارقة
لست شيخ عشيرة، لم تؤمن القبائل بي
ولم أتصالح مع الأحزاب في حفلة الخراب
ولدت كما يولد الأغراب
من سحابة غريبة في شهر أيلول
لم أرث من والدي سوى حزن أرغول
وحاسته السادسة
أرى في كل شيء خلاف ما يراه القطيع
أرى مدنا مشنوقة في الصقيع
أرى خلائق مشغوفة بالخلود
لا ترى سوى نهر من الدم
غابات من السدود
أرى حدودا بين كل حدود وحدود
أرى مشنقة معلقة كلما غفوت من سباتي
أو نهضت من رفاتي
أرى الخراب سيدا يلح في التخريب
أرى ما لا تراه النساء في النحيب
أنا آدم الغريب في قلب الحبيب
لي نساء أدمَيْنَ أرضي
ولي أرض شردها الخائفون
ولي فراشة هاربة من النطع
في كرم زيتون
ولي قبيلة يتمتني قبل أن يؤذّنَ في مسمعي
أسعى لظلٍ هاربٍ من جسدي
أتوق للحديث معي
أحلم أن أقابلني مرة دون قابلة
كرهت الولادة إثر ولادة فاشلة
هو الطلق ذاته، والصراخ ذاته
والابيضاض والغبار ذاته في الوجوه الذابلة
يا مريمُ يا سيدة المحبة يا أم سيدنا
خذيني لأهجع بين يديه هنالك معجزة لا أراها
ويا مريم يا أم محمد يا أمنا*
هي الزغاريد ذاتها عند قدوم المواليد
وعند وداع الشهيد
مزقتُ رحم أمي لكثرة ما وُلِدتُ
ففي كل ولادة تعتريني عودة
وبعد كل عودة ينتابني النشور،
أنا آدم الصبار والصبور
بي لعنة على أولياء الأمور
حين اصطفوا جثتي بعد عودتي ومثلوا بها
أما آن لي أن أترجل
وأين لو ترجلت يأخذني العسس الساقطون
فلا ديار لي في دياري
والله في انتظاري ولا يؤمنون
أنا آدم الشهيد في الأمنيات
أراوح بين النزع الأخير والأحجيات
أنا آدم الضائع في الناصرة
كم اشتهيت موتي وماتت شهوتي
مثل شهوة الجيوش الخاسرة
تمنيت أن يكون لي جيش من الآدميين
سارية مرفوعة على الصهيل
وبيتا تغازل سقفه السنونو
أنا آدم الخليل بلا خليل
كل رفاقي الذي رافقتهم رفقت بهم وخانوا
يا رب آدم الغريب والقريب
نجني من رؤى الرؤوس الساقطة
مُرِ الدروب أن تخبئ الثعابين حتى أمر
ومر عساكر الحدود بالتنحي، طريقي مر
إن بي وجع الاخضرار ، موت الحر
بي وجع لعودةٍ أخيرة ،
أنا آدم المباد والولادة العسيرة
علي سلام الله يوم قتلت ويوم قتلت
ويوم أدفن حيا..
يا ضلعي المستقيم العنيد الجميل
لنا رحمان في رحلتنا
رحم أمهاتنا حين يقذفننا للبياض
ورحم المستحيل..
يونيو 2004
* مريم أم محمد، هي خنساء فلسطين.