يوم الشعر العالمي في الصالون الثقافي
لماذا اجتمع عشرة شعراء من مشارب وأجيال مختلفة لاحياء امسية واحدة؟ الاتساق الذي يؤطر مجالا شعريا ما تتجاوزه الاحتفاليات، والحال ان الصالون الثقافي -وهو من انشط الأوعية الثقافية المحلية- ارتأى ان يحتفل باليوم العالمي للشعر، بالجمع بين التنظيم والعفوية. بعض الشعراء لم يكونوا على لائحة القراءة وانضموا للمشاركة، وربما بعضهم يلقي الشعر لأول مرة مع آخرين صاحبوا المنابر مئات المرات، ليكون طقس الليلة كما جرى بالفعل: احتفالية انيسة، استرجعت فكرة شارع الشعر او سوقه الجماهيري، وموسيقى الغيتار ترتجل العزف على مدار ثلاث ساعات.
قدم الشعراء بعضهم البعض، وجاملوا كذلك بعضهم البعض، فهذا الشاعر الوسيم وذاك الشاعر المخضرم، وهذا الواعد، وذاك صاحب الصوت الجهوري، وتناوبت القصائد على التنويع من المنبري الرسالي صاحب القضية، والعاطفي المباشر، حتى التأملي والتجريدي الذي يقرأ اكثر مما يلقى.
في البداية لا بد من كلمة بالمناسبة التي تحتفي بيوم الشعر العالمي، القتها الشاعرة زكية مال الله، وقالت فيها:
معاً في هذا المساء نجتمع في حوزة الشعر، نحتفي بالشعر، نبتهج للشعر، ننشد بالشعر، تغمرنا اطيافه، تتفتح في أذهاننا وروده، نجمع أغصانه، نشع بأضوائه، نشحذ المشاعر بدفقه ونحشد الأحاسيس برؤاه.
معاً ننصهر في بوتقة الشعر ونتوهج بالكلمات ونطرب للقصيد ولا نملك إلا لحظات التآلف والتلاحم مع الحروف نستشف منها اكسيراً للفرح ورونقا للحياة.
يقول الشاعر الروسي فاسيلي جوكوفسكي في قصيدته تحت ضوء القمر
التقيت ربة الشعر الصبية
وهبط الالهام دون أن ادعوه من السموات عليّ
رمى عليّ الأشياء الأرضية كلها، شعاعاً زاخراً بالحياة، حينئذ كانت الحياة والشعر تعني عندي شيئاً واحداً، لكن ملهم الأغاني لم يزرني منذ أمد بعيد فاختفت الرؤى من روحي، وصمت صوت القيثارة، فهل لي أن انتظر مرة اخرى عودته المنشودة، أم أنه الضياع الازلي، ولن تصدح القيثارة ابداً، لست ادري متى يعود وقت الالهام المضيء، لكنني أعرفك ايتها العبقرية الصافية، ونجتمك تضيء لي ومادامت روحي قادرة على تمييز اشعاعاتك فلن تتوارى الروعة وسيبعث الماضي للحياة من جديد.
هكذا تتسلل ربة الشعر إلى مخيلة الشاعر تضيء جوانبه وتتسرب بين أصابعه، وتفيض بمكنونه، وهكذا تتزاحم الكلمات في بطون الكتب والقواميس تخلد اسم الشاعر تؤرخ لزمانه وحياته.
واليوم باسمي واسم كافة الشعراء والشاعرات وكل المتذوقين والمحبين والمستمعين للشعر ننحني اجلالاً وتعظيماً لربة الشعر بمناسبة يوم الشعر العالمي ونقلد الشعراء أوسمة التقدير والتكريم لتظل حناجرهم صادحة واحبارهم سائلة، ورؤاهم متجددة، تحتضن روعة الحياة وتستلقط منها اعذب الصور والملامح دائما وابداً ما بقي الشعر صادحاً ومتألقاً.
أشجار التين
الشاعر جميل ابو صبيح القى قصيدة «اشجار التين لا تنام أبدا»، وهي من اواخر ما كتب الشاعر، وتنتمي الى شعرية ابو صبيح التي تتوزع على مساحة واسعة متسلسلة يجمع فيها الشاعر سيرة اللجوء عبر زمان ومكان فلسطينيين متشظيين في لجوء لا يتوقف ومنها:
أمر على المرسى سفن الصيد
ارقب اجنحة الفراش الشفافة على الصواري
سفن تترجرج فوق الموج
متشابكة الاجنحة
تفردها تحت موسيقى المساء
الموسيقى التي عبثت بي كالزوبعة
وأنا انظر اشجار التين العالية في المرسى
تترجرج على الموج
اشجار تين ام سفن صيد؟
كانت اشجار تين كثيرة المجاديف
اغصانها متشابكة كأنها في عناق ممتلىء
تتمدد في فضاء الأوراق وانفعال الموج
اشجار تين ذات صواري من اجنحة فراش شفافة
اجنحة فراش وأوراق تين مفرودة كأكف الصيادين
وأكف الصيادين تقبض على حبال المساء تشده اليها بعنف
وتسحب اشجار التين الى عرض البحر
وهذا شيء يقلقني
قرأ الشاعر اسماعيل الصمادي قصيدتيه: يا اسحاق انا اسماعيل، وقصيدة «قلق» التي تنتمي الى مناخ جديد يطرقه الشاعر ويختمه على الدوام بلازمة «وهذا شيء يقلقني»، وهو يتخذ من معاني القلق ودلالاته ما يرتئي ان يوسع مداه وينوع فيه، رغم المطب الفني الذي تحيل اليه عبارة «وهذا شيء يقلقني» التي هي عنوان ديوان الشاعرة سمر الأشقر، وزاويتها كل أربعاء في صحيفة الوطن.
ومن قصيدته «قلق»:
قد أخسرُ في الدوحة عملي
وعلى مضض سأبيع حوائج بيتي بزهيد المال
وسوف أسافر دون وداع
كي لا أكتشف عورة عيني على ملأ الأحباب
وإذن سأعود إلى قبلة عمري
لكن ما يقلقني
أن الشعر كعادته في لغة الضاد
سيجلس كالمتسول مع أطفالي
كي يأكل جزءا من حصتهم في الخبز
سيزعل مني
ويعاتبني أيضا:
أو لستُ كأولادك تكفلني
لأكنيك بما تزدان من الأوصاف المثلى
وأوذهب ألقابك فوق الأوراق
أنرجس وجهك بعد التصفيق
لماذا، حقا، تتذمر من دفع تكاليفي
وأنا قد بهرجت حضورك
زكيت غيابك
لمعت لسانك صقلا
وجعلته يُسرا في العسر
ووشيت حديثك بالزخرف
عاهدتك أني سوف أقاوم موتك بعد الموت
واحققت إليك كثيرا مما لم يستحوذ غيرك
إذ لا أثم عليك إذا ما سفرت كلامك في الحفل
فإن كنت عليك ثقيل الظل
فإمساك بالمعروف، أو التسريح مع الإحسان
فذلك أقسط لي
سيجافيني الشعر لبعض الوقت
وهذا شيء يقلقني.
وقرأ الشاعر محمد حسن المحمدي ثلاث قصائد من الشعر الشعبي موجهة الى فلسطين ولبنان، وحيا خلالها المقاومة، وصبر الصابرين في امتحان البطولة مسلحين بقوة حقهم بالحياة،
الشاعرة زكية مال الله القت قصيدتين تشيران الى تجربة الشاعرة التي تميل بوضوح الى التأمل في الفرد والطبيعة ومن قصيدتها «المبعوث الى»:
المحب ودائع من نور
تضج بأعماقي كالناي المسحور
وللحب شواطئ وبحور
انت العابر فوق خطوط الوقت
وحولك الجنيات عرائس وبنات الحور
تزهو بثياب من سندس وحرير واستبرق
وتفوح بعطر وبخور
آتيك ارشك بمياه الورد
واغطيك باغصان وزهور
وأسألك من انت
يا الطارق الدابي في هذا الليل
ومن انبأك بموقع القلب المأسور
تجيب : انا المبعوث من الارض
المسكونة بأفياء وقصور
وجئت لاهديك من باقات العشق
احاسيس وشعور
قلت: وما اسمك
اجبت: اسمي المنقوش على طبق البلور
اكتبه بمدادك
يشع بضوئك
ويبوح بما تحوين من الطهر المغمور
يا الواهبة لوجودي المعنى
والموشومة بغياب وحضور
فيضي كالنهر بأرجائي
كاترين.. اول الغمي.. آخر البكاء.. قصيدة من قصيدتين ألقاهما الشاعر بسام علواني وكاترين باحثة بلجيكية يمثل اللقاء معها لحظة تعارف على جسر اثيري بين الشرق والغرب او الشمال والجنوب الجسر الذي يتهدده التاريخ الملتبس على المتوسط.
من قصيدة علواني:
لم نكن على موعد في بهاء النص
حين قامتها لا تعرف الارتباك
كنهر راعش بالنور
تألفه ابتهالات الشذا
وسجدات النخيل
لا ولم نشرب معا
ظلين هاربين من عسس الوضوح
ومن ضجيج الثرثرة
ذات مساء شهي الحكايا
تلك الوارفة بالانس
كانت كالركوع
في محراب القصيدة
خاشعة.. ومستفيضة الترقب
وانا اراها من شهيق الحرف
ساهمة الحبو
الى ارتشاف المتن
وقت تسند رأسها الى بضع فاصلة
أفق معجون بالتعجب.. والاستفهام
لا.. لم نكن على موعد
وما تحينا الفرصة
ذات امسية حالمة الشعر
في شيراتون الدوحة.. حصاد 2005م
وطن اللاوطن
سعيد الدهري الذي عرفناه صحفيا يفاجئ الامسية باقتراح ابداعي يضيف الى رصيده عبر قصيدته «ثنائية الغيب والشهادة».
سنصوغ من الليل فجرا
ونكتب من زفراتك شعرا
كي تطلع شمسك يا وطني
ويزول الكمد.
سنجوع ونعرى
ونجرع من كأس الذلة صبرا
كيما نعري صولة هذا الزمان الكسيح
وتهتف حرا:
يعيش المواطن في بلدتي
ويسقط كيد «الذين طغوا في البلد».
وطني نار
نور في السما
وطني نبع
لا يزيدك ورده الا ظمى
أعطاهم بنادقنا، خيلنا
والحمى
باعهم بحرنا، برنا
والصبح الوضيء
وبشرنا بالعمى.
أهدى نسوتنا للغاصبين الجدد
ووفى ما وعد
وطني..
إن غفا سنة بتنا نرعاه طوال الأمد.
وقرأ الشاعر عبد الله الحامدي قصائده التي تجمع بين الدمشقيات والمدن الأثيرة الى قلبه، وربما كانت طنجة المدينة المغربية اكثرها حضورا في الذاكرة وجريان دم القلب، وهو ما جعلها القصيدة المتكررة في الأمسيات ومنها:
هل أنا أول العاشقين
هل أنا آخرهم؟
بين عطرين:
زهرة الأقحوان وطنجة
أو طنجة وزهرة الأقحوان
لا تغاري يا جميلتي
الخضراء
فكل قمر لا يشبهك
يغرق في البحر
وكل بحر لا يغتسل بك
صحراء!
هل أنا أول العاشقين
هل أنا آخرهم؟
بين ضوءين:
ليل طنجة ونهارها
يتنازعان
وأنا قاضي القضاة
من يا ترى غيري
سَيَفُكُّ موج الاشتباك؟
بين موت وحياة
بين موتين
لوجه العشق
أرشف العسل المصفى
وأجوب حقلاً دامي الأشواك!
بين حياتين ..
يعبرُ النورس
ويُقسم السفح القديمْ
للشاطئين
واذ ضمت الأمسية طيفا منوعا في مشارب القصيد كانت فرصة الأصوات الشابة حاضرة عبر اصوات ميساء السويسي وحصة السويدي وغادة عصفور.