الجمعة ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

وجهٌ ممزّق

علاء نضال عبيد

كيف أمكنكِ حصاري؟!
ينشدُ النّايُ لحن الخسارة
والقمحةُ تبكي على عنق سحليّة
تبكي صرخة المترقّب ظلَّ المجاعة
يمتدّ على جسدي
كورمٍ يصيب حتّى المشافي
من أنا من بحرٍ يلطمني بموجه الأسود
يطارد الرّمقَ الأخير من أنيني
كيف أمكنك حصاري؟!
يا أبشع وجهٍ يطاردني
قبوٌ فخذاكِ
يرمي الأفقً في زجاجةٍ يبصق فيها
فيدنِّس المطيعُ معاني الوتر
طمعاً بمسحةٍ من نشوة الإله
حِيكَتْ كعباءةٍ من عفن قدميكِ
قبوٌ فخذاكِ
وعظامي تُعتَصر حروفها
نبيذاً لرقصكِ المنغّم
فكلُّ حروق الصّوت ... فداكِ
من أنا من أبواقٍ تخيط القدر
تُدخِل اللّحمَ في فتحة الإبر،
أحاول التّحايل على أفكاري
فأضع بتلةً بجانب الأخرى
علّني أرسم طريقاً زمرّدي
لأقول للاوعي:
"ما أنت إلا ما أريد"
فلا أجد إلّا ملامح وجهكِ
يا أبشع وجهٍ يطاردني
كيف أمكنك حصاري؟!
مرفأٌ سرّتك
كلّما حاولتُ الإبحار
تعطينني قاربك
فأبحر منك إليك
كنردٍ مهشّم ... له فقط احتمالان:
رقمٌ على طاولة المفاوضات
يحاول جاهداً أن يخلع اللّفظ عنه...
علّه يصير إنسان
أو حبيبٌ تضمينه إلى جسدك
فيغرق من فيض حنانك
ملحٌ لا يترك وقتاً لسقوط الدمعة
فأسقطُ جامداً إلى مخاضك
ودون إفساح المجال لانبثاق ذكرى تشعل النّدم
أرتمي في حضن حبيبي....
العدم
مرفأٌ سرّتك
ولا شاطئ لي
ولا الوقت لي
لا يمكنني الإسراع أو التّمهل
فكلُّ الطّرقات عناقيد شوكٍ
تسقيني الفرحةَ بالألم
تزداد رغبتي – يوماً بعد يوم –
بأن أجري مسرعا إلى حضن حبيبي...
العدم.
في أرض التّصافح
أو من يتمنّى قربها
يجلس الفنّان أو يحلم
فيصف سمفونيّة الطّيور
ويصف كيف ترفعه دقّة الريح
على آلات الشّجر
ترفعه كطيفٍ يجوب في عالمٍ رومانسي
فينزع عنه صوتكِ
لكنّ حصاركِ
جعل من هذا النّغم
عالماً منسي
الطّيور تخرج من فمكِ
تنشد بإيقاعٍ عالٍ
لحن الكارثة
فتارةً أرقص كحشرةٍ تختبئ بين الأنقاض
وتارةً يرقص دمي في شقوق الجدار
لم تَنس الذّاكرة
سقوط الذّاكرة عن جسدها بكلّ وقار
في نهر الرّؤوس
وكيف كان صوتكِ يقود الجموع
للاغتسال به
أو الوقوع فيه
من أنا من عزف دويّك
سوى الهارب على متن قطارك
أو من مرفأ سرتّك
أحاول البحث عن جسدٍ جديد
علّني أخفي تمزّقي
وارتجافَ أشلائي
فأعيدُ النّبضَ لهذا الجليد
من أنا من قيدي
عالقٌ أنا في فمك
بجانب اللّسان الذي يلعقني
زالت كلُّ آثار استحمام الولادة الأوّل
ولم يبق سوى هذا اللّعاب
وعلى المولود الجديد الغبار
فلا دارٌ لعيوني
سوى الّذي دار
ولا بابٌ للخطى
خارج هذا الحصار.
برعمٌ أطلّ برأسه كفيضٍ
يحتسي السّماء من نجمتين
لا يهمه سوى هذا النّدى
لا يهتمّ بوجود قمّةٍ ترسم الخرابيش
أو قمّتين أو حتّى مجلس الأمم
لا يهتمّ إذا قلت له: نريد إعطاءك الذّهب
أو أرض الكنوز
لا يريد منك حربك
لا شهوتك ولا حتّى أفكارك
كلّ مبتغاه بعض الدفء
وغيمةً تضمّه بينما يستمتع بوليمته المقدّسة
برعمٌ أطلّ وماتت السّاق
يحتسي الوحل من رأس الحديد
يبحث بين القرارات عن قطرة ليتذوّقها
وعن كلمةٍ تًعِده بمنزلٍ ليختبئ منكِ
فلا يجد إلّا هادس مرتدياً قناعه
ويشرب بنهمٍ حليب ثدييكِ
فيركض الطّفلُ للبحث عن عملةٍ يضعها في فمه
علّه لا يبقى معلقاّ بين عالمين
ثقيلةٌ لمساتك
تجعل من البيوت كعكة
تهدمُ ما بناه عمر جبينٍ زال لون شعره
كنسمةٍ هبّت على بضع قشّاتٍ واقفة
أو كسكّينٍ شوّهت وجه الصّبية
وكسلطانٍ فاز في الحرب فأحرق المكان
وأخذَ من نجا سبايا
ثقيلةٌ لمساتك
وخفيفة
اختطفَتْ مائدة الطّعام
ومن كانوا يجلسون حولها
بلمحةٍ سَحبتْ من تحت الوسادة
وثيقة الولادة
لم يبق من التّاريخ أيّ إلهٍ نائمٍ على الوجنات
رحلت المدينة
وبقي القادة
ثقيلٌ رقصكِ
فأوقفي خطواتكِ قليلاً
اسمحي لنا بأن نفكّر بأي شيءٍ عداك
اسمحي لنا أن نمشي على مهلٍ
حتّى تتعب الخلايا
اسمحي لنا أن نراقب الغروب بابتسامةٍ هادئة
ننتظر قدومك لتساعديننا على النّهوض
من فضلك دعينا نحبّكِ عندما نحتاجك
لا أن تحبيننا
لم يبق عنوانٌ خارجك
فاتركي لي الوقت لألملم دماري
علّني أكفّ عن الهذيان
أريد التوقّف عن تعاطيك
ليس هذا التّعوّد الّذي أريده
باتت أمنيتي تخلّصي منّي
ومن احتضاري
فيا أبشع وجهٍ
كيف أمكنكِ حصاري؟...

علاء نضال عبيد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى