هل يصبح مكانا ملائما للعيش؟
يعتبر قطاع غزة من أكثر المناطق تأثرا بالتغيرات الاجتماعية والتقلبات السياسية، فهو يضم النسبة الأكبر من اللاجئين، والنسبة الأكبر في الكثافة السكانية، والنسبة الأكبر في معدلات البطالة، والنسبة الأكبر في الاعتماد على المساعدات الدولية. ويتعرض منذ ما يزيد عن عشر سنوات إلى حالة حصار أثرت على النمو الاقتصادي، مما أدى إلى تكدس جيش من العاطلين لانعدام فرص العمل، وازدياد حالات الفقر، وانعدام الأمن الغذائي.
ونحن على أعتاب عام 2020، أي بعد ثلاث سنوات، وفي ظل هذه الظروف الاجتماعية – السياسية المأساوية التي يعيشها سكان قطاع غزة، نحاول أن نقرأ تقرير فريق الأمم المتحدة القطري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، المعنون "غزة في عام 2020، هل ستكون مكانا ملائما للعيش؟"، والذي صدر في آب/ أغسطس عام 2012. في محاولة لاستخلاص العبر، والعمل بجدية للخروج من الواقع الأكثر مأساوية الذي ينتظرنا.
لقد خلص التقرير بناء على معطيات استشرافية عن التحديات والصعوبات التي ستواجه غزة في السنوات القادمة في النواحي الاقتصادية، والديمغرافية، والخدمات الاجتماعية، والصحية والبيئية، قائلا: "إن الحياة اليومية لسكان قطاع غزة في عام 2020 ستكون أسوأ مما هي عليه الآن، إذ لن يتاح فعليا الحصول على مصادر للمياه الصالحة للشرب، وستستمر معايير الرعاية الصحية والتعليم بالتراجع، وسيصبح الحصول على الكهرباء للجميع بأسعار معقولة أمنية بعيدة المنال لأغلبية السكان، ولن يطرأ تغير على عدد الفقراء والمهمشين اجتماعيا والمرتفع أصلا، وأولئك الذين يعتمدون على المساعدة الاجتماعية بحلول عام 2020، بل وعلى الأرجح سوف تزداد".
وفي قراءة لرصد أهم ما جاء في التقرير الدولي عن واقع قطاع غزة وما سيكون عليه في عام 2020 من عدة نواحي، نجد:
ـ تعداد السكان والكثافة السكانية:
يشير التقرير إلى أن عدد سكان قطاع غزة في عام 2012 حوالي (1.64) مليون نسمة، ويتوقع أن يرتفع تعدادهم في عام 2020 إلى (2.13) مليون نسمة. وهؤلاء يعيشون في بقعة جغرافية لا تزيد عن (365كم2)، تشكل النسبة الأعلى على مستوى العالم في الكثافة السكانية للكيلو متر مربع، ففي عام 2012 كانت الكثافة (4505) نسمة في الكيلو متر مربع، ويتوقع أن ترتفع إلى (5835) نسمة في الكيلو متر مربع في عام 2020.
ـ معدلات البطالة والفقر:
يذكر التقرير أن معدلات البطالة في قطاع غزة في تزايد مستمر، بسبب الحصار، وضعف النمو الاقتصادي، وانعدام فرص العمل. ففي عام 1998 كان معدلها (20.9%)، انخفضت في عام 1999 إلى (16.9%)، لترتفع في عام 2011 إلى (29%). وفي عام 2012 شكل معدل البطالة بين النساء (47%)، وبين الشباب (58%). في حين يعاني نحو 44% من السكان من حالة انعدام للأمن الغذائي، وثمة 16% عرضة لانعدام الأمن الغذائي. كما أن هناك نحو 80% من الأسر تتلقى شكلا من أشكال المساعدات، في حين يعيش 39% من السكان تحت خط الفقر.
لهذا يرى التقرير بان عدد الأشخاص الذين سيحتاجون إلى مساعدات اجتماعية في عام 2020 سيبقى مرتفعا إذا لم يتحسن الوضع الاقتصادي.
ـ معدلات النمو لدى فئة الشباب:
يعتبر قطاع غزة أكثر منطقة شبابية على مستوى العالم، حيث يصل الشباب تحت سن 18 سنة إلى حوالي 51% من عدد السكان، وثمة توقعات بأن تنخفض نسبتهم قليلا في عام 2020 إلى 48%.
ويحتل قطاع غزة المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث أعلى نسبة سكان تتراوح أعمارهم بين يوم إلى 14 سنة. في حين يبلغ تعداد الشباب من سن 15 إلى 29 سنة في عام 2012 حوالي (489 ألف) شاب وشابة، بنسبة 30% من إجمالي عدد السكان، وهذا يعني أن هناك 53% من عدد السكان تزيد أعمارهم عن 15 سنة. ومن المتوقع في عام 2020 أن يبلغ عدد الشباب حوالي (614 ألف) شاب وشابة، بنسبة 29% من إجمالي عدد السكان، وبالتالي تنخفض نسبتهم إلى 50% من عدد السكان الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة.
ـ حالة التعليم:
يعتبر قطاع غزة مجتمعا متعلما، حيث بلغت نسبة الذين يجيدون القراءة والكتابة 96% في عام 2011، منهم 93% للنساء، و98% للرجال. وقد بلغ عدد طلاب المدارس في العام الدراسي 2010- 2011 حوالي (450 ألف) طالب وطالبة، بينما انخفض معدل الالتحاق بالمدارس الثانوية إلى 79%، بسبب التسرب المدرسي، ومغادرة المدرسة بحثا عن عمل، بالإضافة إلى الأوضاع المعيشية الصعبة.
وبالرغم من ارتفاع معدلات الالتحاق بالمدارس، ما زال الحفاظ على نوعية التعليم يشكل تحديا كبيرا، وذلك يعود جزئيا إلى نقص عدد المدارس، إذ أن 85% من مجموع (677) مدرسة تعمل بنظام الفترتين، بالتالي فان الساعات الدراسية عادة ما تكون اقل من المقرر. ومن المتوقع في عام 2020، زيادة عدد الطلاب ليصل إلى (673 ألف) طالب وطالبة، بمعدل (14 ألف) كل عام، وبناء على زيادة عدد السكان، فانه سيكون هناك حاجة إلى (190) مدرسة جديدة بحلول عام 2020، أي ما مجموعة (440) مدرسة بحاجة للبناء.
ويشير التقرير الدولي لكي يتم تجاوز حالة الترهل في التعليم، وتوفير نوعية جيدة وبيئة صالحة للتعلم، إلى أن يكون ثمة تلبية النقص في الغرف الصفية، وجعل المناهج تستجيب لاحتياجات الأطفال، وتزويدهم بتعليم يستند على المهارات الحياتية، ويتطلب هذا استثمار أكبر في مجال تدريب المعلمين والإشراف التربوي.
ويؤكد التقرير على تراجع التدريب المهني، قائلا بأن الوقت الراهن يشهد على تراجع في نظام التدريب والتعليم التقني والمهني في غزة، حيث يشهد حالة من التصدع وتدني مشاركة القطاع الخاص، وينبغي أن يحصل الشباب في غزة على مستويات عالية من التعليم والتدريب وفقا للمعايير الدولية، مما يمكنهم من تحسين معايير العمل في الأسواق المحلية.
ـ حالة الصحة:
يشير التقرير الدولي إلى أنه في عام 2010، كان في قطاع غزة (25) مستشفى، تضم (2047) سريرا، أي ما يعادل 1.3 سرير لكل 1000 مريض، بالإضافة إلى العيادات الصحية التي تقدم خدمات الرعاية الطبية الأولية. وبلغ عدد الأطباء في عام 2010 (3530) طبيبا، مما يعني 2.3 طبيب لكل 1000 مريض.
أما من حيث قدرة المرافق الصحية على توفير حياة صحية آمنة، يذكر التقرير بان معظم المرافق الصحية غير قادرة على تقديم خدمات آمنة وكافية، مما يستدعي إعادة تأهيلها وتطويرها. وللحفاظ على المعدل الحالي في ظل النمو السكاني المتزايد، سيحتاج قطاع غزة في عام 2020 إلى (800) سرير إضافي، و(4900) طبيب جديد.
الخاتمة:
هذا ما توصل إليه الخبراء الأجانب لواقع قطاع غزة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية، ورؤيتهم الاستشرافية لواقع غزة بعد ثلاث سنوات من الآن، أي في عام 2020.
وبناء على المعطيات السابقة نجد أن نسبة الإعالة في قطاع غزة عالية جدا، وتتفاقم بارتفاع معدلات البطالة، وتدني معدلات الانخراط في القوى العاملة. ومن الممكن أن يكون لاتساع شريحة الشباب آثار ايجابية وأخرى سلبية، فعندما يبلغ هؤلاء الشباب سن العمل، سيستفيد الاقتصاد من زيادة العدد في العمالة مما يسهم في خلق عوائد على المجتمع. وعلى العكس من ذلك، إذا لم يوفر الاقتصاد فرصا في ظل منع الهجرة، ستتولد انعكاسات سلبية تتمثل في التوتر الاجتماعي، والعنف، والتطرف، بوصفها منافذ محتملة لعدم وجود آفاق ذات مغزى. وهذا هو سيناريو غزة ما لم يتغير الوضع السياسي والاقتصادي بشكل جوهري.