موقع اللّصّ والکلاب في المسیرة الروائیة
الملخص
إنّ اللّصّ والکلاب هي الروایة الثانیة لنجیب محفوظ بعد اولاد حارتنا وقد اصدرها عام 1961م في فترة الستینات، وإنّها تعتبر من الروایات الرمزیة وهي قصة شابّ فقیر یدعی(سعید مهران) وهو نموذج من النظام الإشتراکی الذی واجه بعد تکوینه الخیانات ویصوّر نجیب محفوظ هؤلاء الخونة من خلال شخصیات کرؤوف علوان وعلیش سدرة ونبویة سلیمان وسناء.
یقوم هذا المقال بدراسة الروایة من حیث موقعه بین الروایات الأخری.
الکلمات الدلیلیة: اللّصّ والکلاب، الروایة، الأقصوصة.
المقدمة
تقع ( اللّصّ والكلاب) في المرحلة الثالثة من مراحل تطور الفن الروائي عند نجيب محفوظ، فقد كتبها سنة 1961م بعد إصدار أولاد حارتنا عام 1960م « وكان المجتمع المصري ما زال مشغول البال بأحداث كانت قد وقعت في عام 1960.. أحداث محلية..شغلت البوليس المصري وتتبعها الرأي العام المصري .. و عني بتفاصيلها كل يوم.. وكانت صحيفة ( أخبار اليوم) تمدّ القارئ بجزئيات الحادث». [یاغي،1999م:197]
إنّ حوادث اللّصّ الشهير محمود امين سليمان في أوائل الستينات عندما كان البوليس يطارده دون جدوي أدت إلي أن يخطر ببال نجيب محفوظ حتي يكتب ( اللّصّ و الكلاب) .ويذكر يحيي حقي عندما سأل نجيب محفوظ ما شغل باله حين العمل فأجابه « اللّصّ الهارب، لماذا تحوّل عند الناس الي أسطورة شعبية؟ كان الذي لفت انتباه نجيب محفوظ هو موقف المصريين، الموقف الذي أضفي علی هذا اللّصّ هالة بطولية، وكان موقف الصحيفة الكبري يحيره وبعد شهور طويلة وقع خلالها ( محمود سليمان ) في حضن الجبل والصحراء وسقط برصاصة قيل إنها انطلقت من مسدسه اي إنّه انتحر، ولم يسلّم نفسه، بعد هذه الشهور بدأ نجيب محفوظ يكتب « اللّصّ والكلاب» ». [علی حسن،1997م:43]
استمد نجيب محفوظ في خلق بطله من هذا اللصّ الشهير وحوّله إلي سعيد مهران لكن لم يكن محمود أمين سليمان المرادف الواقعي لسعيد مهران. اتخذ نجيب محفوظ البطل الواحد مداراً للرواية وإنّها تدور حول (لص) فلذا ظنّ بعض الدارسين إنها رواية بوليسية ولكنها ليست بوليسية.
إنّ «اللّصّ والكلاب» عبارة عن مواجهة وتنازع بين فرد ومجتمعه أو الصراع بين اللّصّ والكلاب أو سعيد مهران والمجتمع . إنّها قصة الشاب الفقير سعيد مهران الذي لم يستطع بسبب فقره أن يوفّـر لأمه المريضة ثمن دوائها ومن اجل فقره طرد من المستشفي الذي كان قد ذهب إليه لإنقاذ حياة أمه فقد « وجد نفسه وأمه وحيدين في الطريق» [اللّصّ والکلاب،1973م:114] و بسبب عدم استطاعته في توفير ثمن العلاج سرق من أحد الطلاب في عمارة الطلبة، وصديقه رؤوف علوان فسّر عمله وقال له« لا تخف، الحق إني اعتبر هذه السرقة عملاً مشروعاً»[ن.م] و بمرور الزمن يصبح ذلك العمل عنده امراً عادياً وتعتبر السرقة من الأثرياء عملاً حقاً و مشروعاً وعادلاً عنده، فبسببها يقبض عليه.
ومن خلال سجنه يواجه خيانات أخري من جانب زوجته واصدقائه فبعد اطلاق سراحه يتفقد الخونة ويتحداهم بهدف الانتقام. ومن هنا يبدأ الصراع « مرة أخري يتنفس نسمة الحرية،ولكن في الجو غبار خانق و حر لا يطاق. و في انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحدا... وسيقف عما قريب أمام الجميع متحديا.» [ن.م:7،8]
ويري سليمان الشطي أنّ « هذه المواجهة تختلف من حيث الباعث و الهدف ...فسعيد حينما تحوّل من لص إلي مطارد للكلاب، لم يكن هدفه محصوراً في الإنتقام الشخصي فقط، فإنه وإن كان يحارب الخيانة الشخصية في نبوية وعليش اللذين يمثلان الجانب اللصيق به، فإن مطاردته لرؤوف علوان تتجاوز مطاردة الخونة من الوجهة الفردية إلي الخيانة في إطارها الشامل صهر المشكلة الخاصة في العامة فتحولت الخيانات كلها إلي جبهة واحدة يحاربها». [الشطی،2004م:227]
« اللّصّ و الكلاب» قصة رمزية لكن « الرمز فيها مزيد من الواقع، وتكثيف له و التركيز عليه، الرمز في « اللّصّ والكلاب» لايكمن في جزئيات صغيرة ...إنّ رمزية «اللّص والكلاب» تكمن في بنائها التعبيري»[شکری،1987م:226] والشخصيات فيها مجرد ادوات تعبيرية في يدي نجيب محفوظ.
لقد دار حول اللّصّ والكلاب نقاش بين الناقدين إذ يعتقد بعضهم بأنها رواية وبعضهم يرون أنها أقصوصة ، فما هي في الحقيقة ؟.
بداية يخرج من الدور هذا الرأي كونها قصةً لأن القصة تركز علي الحوادث اكثر من الشخصيات وهذه الحوادث عادة خيالية وغير عادية، فاللّصّ والكلاب ليست قصة.لأن الحوادث فيها تحدث في عالم الواقع، فلذا تقع بين الرواية والأقصوصة فقط.
كما ذكر في تعريف الرواية فإنها قصة طويلة، تتناول حوادث واعمالاً واشخاصاً وزماناً ومكاناً وبين الأشخاص حوار وأيضا الرواية تركز علی الشخصيات والدوافع التي تُحركها في إطار الحوادث الواقعية.
الأقصوصة تركز علی الشخصية الواحدة في موقف واحد وفيها وحدة الإنطباع ووحدة الحدث ووحدة الزمن فالتركيز من خصائص الأقصوصة.
في نفس الوقت مع العودة إلي اللّصّ و الكلاب و قياسها يكتشف إلي حدٍ أنّ مواصفاتها تتطابق مع أيهما ، الرواية أم الأقصوصة.
يوجد في اللّصّ والكلاب الحوار، الشخصيات والعناصر الأخري كالزمن والمكان والحبكة والصراع وإنّها طويلة و فيها أحداث واقعية وهذه من مواصفات الرواية . لكن هذا من جهة ومن جهة أخری يلاحظ أنّ البطل فيها واحد وهو (سعيد مهران) والشخصيات الأخری فرعية تابعة لهذا البطل وعلی الرغم من طولها فيها شئ جوهری وهو وحدة الانطباع أي كل شئ ينبع من شئ واحد . علی سبيل المثال هناك حوادث خُلقت علی أثر شئ واحد وهو (الخيانة) ثم إثرها، الإنتقام من الخونة ،يخلق الحوادث الأخری.
وبالإضافة إلی ذلك عدد الشخصيات بالمقارنة مع الروايات الأخری قليل وزمن الأحداث فيها قصير وأنها « مركّزة كأن فصولها مجموعة مواقف درامية ..»[یاغي،1999م:205] فهي بذلك يمکن الوصول إلی النتيجة هذه أنّ اللّصّ والکلاب همزة وصل بين الأقصوصة و الرواية حيث امتزجت فيها خصائص الأقصوصة بخصائص الرواية ونجيب محفوظ يؤكد علی هذا الرأي قائلا : « اللّصّ والكلاب رواية قصيرة أو أقصوصة طويلة ومن هنا جاء اختلافها الطبيعي عن بقية الروايات ». [محفوظ،2006م:200]
فلذلك الرواية التي يراها القارئ بين يديه تعد في الحقيقة أقصوصة أو بعبارة أخري رواية قصيرة.
النتیجة
من خلال الدراسة التی تمت، یمکن القول إنّ اللّصّ والکلاب حظیت بمکانة خاصة بین روایات نجیب محفوظ من حیث خصائصه الفنیة کما اسلفنا وتعدّ من الآثار الجدیرة في جدول اعمال الروائی الکبیر.
المصادر و المراجع
1.شکری،غالي.1987م.المنتمی دراسة في أدب نجیب محفوظ.ط4.بیروت-القاهرة.2.الشطي،سلیمان.2004م.الرمز والرمزیة في أدب نجیب محفوظ.ط؟ لاب.الهیئة المصریة العامة للکتاب.3.علی حسن دیب.1997م.نجیب محفوظ بین الإلحاد و الإیمان.ط1.بیروت:دار المنارة.4.محفوظ نجیب.2006م.اتحدث إلیکم.بیروت:دارالعودة.5.محفوظ نجیب .1973م.اللّصّ والکلاب.ط6.القاهرة:مکتبة مصر.6.یاغی،عبدالرحمن.1999م.في الجهود الروائیة ،من السلیم البستانی إلی نجیب محفوظ.ط1.بیروت-لبنان:دارالفارابی.
محبوبة بادرستانی، الطالبة في جامعة آزاد الإسلامیة في کرج ،قسم اللغة العربية و آدابها، کرج،ایران.
MahboobehBadrestani
Department of Arabic Litature ,Karaj Branch,Islamic Azad university,Karaj,Iran