مهما، النون، نعم، نعم وبئس
مَهْمَا
اسمُ شرط يجزم فعلين. ويقول المعربون: تُعْرَب مفعولاً به، إذا تلاها فعلٌ لم يَستَوفِ مفعولَه، وإلاّ أُعربَت مبتدأً. ففي نحو: [مَهما تصنعْ أَصنعْ مثلَه] هي مفعول به [1]، وفي نحو: [مهما تقرأْهُ يُفِدْكَ] و [مهما تَتأَخَّرْ ننتظرْك] هي مبتدأ [2].
النون
تأتي النون على أربعة وجوه:
– الأول: نون التوكيد ثقيلةً وخفيفة، وقد اجتمعتا في قوله تعالى ]لَيُسجَنَنَّ ولَيَكونَنْ من الصاغرين[. وتلحقان الأمر والمضارع، ولا تلحقان الماضي مطلقاً.
– الثاني: التنوين. وهو نون ساكنة، تُلفظ ولا تُكتب، نحو: [خالِدُن = خالِدٌ]. وإنما تُنوَّن الأسماء، وأما الأفعال والحروف فلا. وقد يكون التنوين تعويضاً من حرف أو اسم أو فعل.
فمثال التعويض من الحرف: [جوارٍ و عوادٍ] = [جواري - عوادي] [3].
ومثال التعويض من الاسم: ]تلك الرسُلُ فَضَّلْنا بعضَهم على بَعْضٍ[ = [بعضَهم على بعضِهم]
ومثال التعويض من الجملة - ويكون ذلك بعد (إذْ) -: ]وأَنتم حينئذٍ تَنظُرون[ = [وأنتم حين إذ (بلغت الروح الحلقوم) تنظرون].
– الثالث: نون النسوة. نحو: [الطالبات يدرسْنَ].
– الرابع: نون الوقاية: وتفصل بين ياء المتكلم وما ينصب هذه الياء، فعلاً كان أو حرفاً من الأحرف المشبهة بالفعل [4] نحو: [أكرَمَني - يُكرمني - أكرِمْني، إنني - أنني - لكنني إلخ...]
ويَفصل أيضاً بين الياء وحرفَي الجرّ [مِنْ و عنْ] فيقال: [منّي - عنّي]،
وبين [لَدُنْ] والمضاف إليه بعدها، نحو: [لدنّي].
نَعَمْ
حرف جواب، يفيد الإثبات في الجواب عن السؤال المثبَت، والنفيَ في الجواب عن السؤال المنفي.
ففي جواب: [أسافر خالد؟]، إن قيل: [نعم]، فالمعنى: نعم سافر.
وفي جواب: [أما سافر خالد؟]، إنْ قيل: [نعم]، فالمعنى: نعم ما سافر.
فائدة: لا يكاد كتاب في النحو يخلو - عند البحث في [بلى] و [نعم] من إيراد المسألة التالية:
قال تعالى: ]ألست بربكم قالوا بَلَى[ (الأعراف 7/172). فقال ابن عباس معلّقاً، لو قالوا: [نَعَم] لكفروا.
ووجه ذلك أنّ [نَعَم] - كما ذكرنا آنفاً - لا تُغَيِّر من النفي والإثبات شيئاً؛ فلو أجابوا قائلين: [نَعَم]، لكان تأويل ذلك: [نعم لست ربّنا]، ولكان ذلك كفراً.
نِعْمَ وبِئْسَ
[نِعْمَ و بِئْسَ]: كلمتان جامدتان (لا تتصرّفان). الأولى للمدح نحو: [نِعْمَ الرجلُ زهيرٌ] والثانية للذمّ نحو: [بئس الرجلُ خالدٌ]. ويسمي النحاة كلمة [زهيرٌ] اصطلاحاً: [المخصوص بالمدح]، وكلمة [خالدٌ] المخصوص بالذم(1).
– تراكيبهما:
آ- أن يكون بعدهما اسم:
فإن كان محلّى بـ [ألـ]، (أو مضافاً إلى محلّى بها) فهو مرفوع أبداً، نحو: [نِعم الرجلُ زهيرٌ]، (أو نعم صديق الرجل زهيرٌ)].
وإن كان نكرة [غير محلّى بها] فهو منصوب أبداً، نحو: [نِعم رجلاً زهيرٌ].
ب- أن يكون بعدهما [ما]، وذلك ثلاث حالات:
الأولى: ألاّ يكون شيءٌ بعد [ما]، نحو: [غسلت الثوب غسلاً نِعِمّا] (أي: نِعْمَ الغسل؛ إذا مدحتَ غسلَه).
الثانية: أن يكون بعد [ما] مفرد(2) نحو: [نِعمّا هو] (أي: نِعْمَ ما هو).
الثالثة: أن يكون بعد [ما] فعلٌ نحو: [نعمّا تفعل] (أي: نِعْمَ ما تفعل).
تنبيه:
قد تلحقهما تاء التأنيث، ومنه الحديث:[مَن توضّأ يوم الجمعة فبِها ونعمَتْ].
– المخصوص بالمدح أو الذمّ:
قد يتقدّم الاسمُ المخصوص بالمدح أو الذمّ نحو: [زهيرٌ نعم الرجلُ + خالدٌ بئس الرجلُ]، وقد يُحذف إنْ دلّ عليه دليل، نحو: ]نعم العبد[ (أي: نعم العبدُ أَيّوب).
نماذج فصيحة من استعمال [نِعم وبئس]
– قالت ليلى الأخيلية تذكر تَوبَة:
ونِعْمَ الفتى يا تَوبُ كنتَ لخائفٍ أتاكَ لكي يُحمَى، ونِعْمَ المُنازِلُ
[نِعمَ المنازلُ]: الاسم بعد [نِعم] محلّى بـ [ألـ] مرفوع، على المنهاج. ومثل ذلك طِبقاً، قولها في أول البيت: [نعم الفتى]، غير أن الضمة لم تظهر على آخر [الفتى] لأنه اسم مقصور.
ثم إنّ في البيت مسألة أخرى هي أنّ الأصل في مدح الشاعرة لتوبة هو: [نعم الفتى أنت، ونعم المُنازِلُ أنتَ]، لكنها حذفت المخصوص بالمدح وهو [أنت]، لدلالة السياق عليه.
- [نِعم الثوابُ وحسُنَتْ مُرتفَقاً] [5]
[نِعم الثوابُ]: الاسم بعد [نعم] محلّى بـ [ألـ] مرفوع حُكماً، على المنهاج. ثمّ إنّ الأصل: [نعم الثواب الجنة]، لكن حُذف المخصوص بالمدح وهو [الجنة]، لوجود ما يدلّ عليه في سياق الآية.
– قال الشاعر [6]
لَنِعْمَ موئلاً المولى إذا حُذِرَتْ بَأْساءُ ذي البغيِ واستيلاءُ ذي الإحَنِ
(الإحَن: جمعٌ مفرده إحْنَة، وهي الحقد).
[لنعم موئلاً]: الاسم (موئلاً) بعد [نِعم] متجردٌ من [ألـ] (نكرة) وما كان كذلك فحقّه النصب، جرياً مع القاعدة.
– [إنّ اللهَ نِعِمَّا يعظكم به] [7]
[نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه]: في الآية إدغام الميم في الميم [نعمّا = نِعْمَ ما]، ومجيءُ الفعل بعد [ما] هو أحد تراكيب نعم وبئس. ومثله قوله تعالى ]بئس ما اشتروا به أنفسَهم]
[8]
– [إنْ تُبْدُوا الصدقاتِ فنِعِمّا هي] [9]
[نعمّا هي]: إدغام الميم في الميم هاهنا، مطابق لنظيره في الآية السابقة، [نعمّا = نِعْمَ ما]. ومن تراكيب [نِعْمَ] مجيءُ اسم مفردٍ بعدها، سواء أكان ضميراً - كما في الآية - أم غير ضمير. نحو: [بئسما تزويجٌ ولا مَهْر].
– قال ابن المعتزّ:
غرائب أخلاقٍ حباني بحفظها زماني، وصرفُ الدهرِ نِعمَ المؤدبُ
الأصل أن يأتي الشاعر بالمخصوص بالمدح بعد نِعم والاسمِ المرفوع بعدها، فيقول: [نعم المؤدِّبُ صروفُ الدهر]، لكنه اختار أن يقدّم المخصوص بالمدح، وهو [صرف الدهر]، وكلاهما جائز.
– قال زهير بن أبي سلمى [10]:
ولَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أنتَ إذا دُعِيَتْ نَزَالِ، ولُجَّ في الذعْرِ
الضمير [أنت] هو المخصوص بالمدح. والأصل أن يقول الشاعر: [نعم الحشوُ أنت]، فيكون بعد [نعم] اسم مرفوع لأنه محلّى بـ [ألـ]، لكن لما كانت كلمة [حشو] مضافاً، وكان الاسم لا تجتمع عليه الإضافة والتحلية بـ [ألـ]، انزلقت [ألـ] إلى المضاف إليه حكماً.
هذا، على أنّ الإضافات قد تتعدّد، فتُزحلَق [ألـ] إلى آخر مضاف إليه، ومن ذلك قول أبي طالب [11]
فنِعْمَ ابنُ أختِ القومِ غيرَ مُكَذَّبٍ زهيرٌ، حساماً مفرداً مِن حَمَائِلِ
فقد أُضيفت كلمة [ابن] إلى [أُخت]، ثم أُضيفت كلمة أُخت إلى [القوم]، فكان أنْ زُحلِقت [ألـ] إلى المضاف إليه الأخير. ومَن أراد، ظلّ يزحلقها ما استقام له الكلام، فكان يقول مثلاً: فنعم ابنُ أختِ سيّدِ أمراءِ القوم !!
– [بئس الشرابُ] [12]
حُذِف المخصوص بالذمّ، أي: الماء الذي يُسقَونه.
– [نعم دارُ المتقين] [13]
حُذف المخصوص بالمدح، أي: الجنة. وزُحلِقت [ألـ] إلى المضاف إليه.
– نعم العبدُ [14]
حُذف المخصوص بالمدح، أي: نِعْمَ العبدُ أيوب.