مهرجان مسرحي للبكم
بشعٌ ذلك التصريح الذي أدلى به أحد أبناء الهيئة العامة للشباب والرياضة في الكويت، من أن مهرجانهم المسرحي قد تقرر عرضه للبُكم فقط، وبناء عليه فلن يُسمح لأي مخلوق (ناطق) بالتعبير عن مشاعره تجاه العروض المسرحية، ورغم أنني أقدر تعاطفهم مع فئة البكم في البلاد.. إلا أن البشاعة تتجلى في تحويل الفئة السليمة الناطقة إلى بكماء!
جاء ذلك التصريح ضمن المؤتمر الصحفي السابق للاحتفالية، ولم يتغاضَ أبناء الهيئة عن تقديم تبريرهم الفج من أن استخدام العصا في لجم الأفواه، جاء بسبب النتائج السلبية التي قد تخلفها الندوات التطبيقية عقب العروض المسرحية عادة!؟.
ورغم امتعاضي الكبير، إلا أنني تعاطفت مع هذا القرار ليقيني من أن أبرز النتائج السلبية التي قد تفرزها الندوات التطبيقية، تتمثل في خسارتنا لجيل مهم من الشباب الذي سيُحبط جراء ملاحظات الندوات التطبيقية، وبخسارتهم تكون الحركة المسرحية الكويتية قد خسرت عظماء المسرح على شاكلة باربرا، جروتوفسكي، وبروك!
كما أن لجان التحكيم المتعاقبة على المهرجان ستزداد حيرتها في اختيار العرض الفائز، لأن المعتاد أن يتم اختيار أسوأ العروض، نكاية بالنقاد، على اعتبار أن هناك من ينقل لهم أجواء الندوات ودهاليزها. أما وقد مُنعت الندوات، فلن يبقى للجان التحكيم التي يغلب على معظمها اهتمامات أخرى ( غير مسرحية ) إلا استخدام معايير أخرى في الاختيار، وعندها ستضيع المقاييس المسرحية لصالح مقاييس أخرى ( لامسرحية).
لا أشترط هنا وجود ندوة تطبيقية عقب كل عرض مسرحي، فهناك وسائل عديدة للتعبير بلاشك. لكن سخطي نتج عن إلغاء إحدى هذه الوسائل المهمة، والتي كان معمولا بها إلى وقت قريب. خاصة وأن مجتمعنا لم يعتد على ممارسة فعل القراءة وبالتالي متابعة ما يكتب عن العروض، مما يجعل لهذه الندوات من أهمية كبرى لمتلقيها ومرسلها على حد سواء، حيث أن هذا الأخير يجد فيها مساحة حرة وآنية قد لا تتوفر له في مكان آخر.
لجم الأصوات في الكويت، بات سياسة عامة على جميع الأصعدة، ليس في المسرح فقط، وكما قرر سابقا مهرجان الخرافي المسرحي،في بادرة غير مسبوقة أن يلجم أفواه المتفرجين، قررت الهيئة العامة للشباب والرياضة، السير على ذات النهج، تحت ستار ( تشجيع الشباب)، حتى وإن احتاج هؤلاء الشباب إلى وجهة نظر صادقة، غير مدفوعة الأجر، تدلهم على نتوءات يسهل استئصالها قبل أن تستفحل في محيط غير مدرك... محيط يسعد بالمشاركة في المهرجانات العربية حتى وإن عجزت هذه المشاركة عن جني الثمار.. محيط يجهل إلى الآن أسباب عدم الدخول في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة التجريبي الدولي، مرددا أسبابا ( كيدية) لا أساس لها من الصحة؟!.
هذا المحيط لن ينجو منه سوى مسرحي حقيقي يمسك في إحدى يديه كتابا يقتات منه، وفي اليد الأخرى مرآة يتفحص فيها عيوبه.
لكن محيطنا للأسف لا ينذر إلا بالغرق في ظل مهرجانات تخشى المواجهة، وتتشبث بكلمات تعلم أنها زائفة.
مهرجاناتنا تؤكد أننا مستقبلا سنشاهد عروضًا بكماء، صماء..لأن العقل الأجوف كشجرة الصفصاف.. لا ثمار لها!