من دفتر عزاء جدتي

مفتتح
"البيوت لا يسكنها أهلها
بل تسكنها ذكراهم"
هكذا قالت جدتي يومًا
وهي تغرس آخر فسيلة كانت في يدها
داخل قلوب أحفادها
الذين ملوا من مشاهدة أفلام الكرتون
أتذكّرُ بعدها.. ابتسمتْ
ثُمَّ أراحتْ رأسها على وسادتها المحشوة
بذكرى من سبقوها إلى هناك
وملأوا هذا البيت بالذكريات
لم أكن أدرك يومها
أن لا ذكرى سيحمله لي هذا البيت
سوى ذلك اليوم
وأني سأظل أقاطع أمي دومًا
حين يقول لها أطفالي:
"لقد مللنا من مشاهدة أفلام الكرتون"
.................
جدتي
لم يُذكر اسمها في نشرة أخبار التاسعة يومًا
ولم تتصدر صورتها الصحف القومية
أو حتى صحف المعارضة
ولو كان دعاها الرئيس يومًا لمقابلته
كانت ستتحجج وتقول:
"ومَنْ سيطعم دجاجي إن غبت عنه؟"
جدتي حين ماتت
لم تنكس الأعلام حدادًا عليها
ولم يقطع التلفاز بث إرساله
لإذاعة أهم الأنباء
ولم يرسل الرؤساء والملوك
برقيات العزاء
رغم أنها طالما حملت عنهم سيوفهم
ودعت لهم في صلاتها بصلاح الحال
جدتي اكتفت
بآلاف العلماء الذين راحوا
يفسرون كل الظواهر الطبيعية
التي حدثت يوم موتها
أصحاب شركات العطور
جاءوا من شتى بقاع الأرض
ليعرفوا كيف تحولت دمع
كل من مرّ نعشها أمامه
بمجرد ملامسته الأرض عطرًا
حتى فاحت الأرض من تحت أقدام المشيعين
برائحة الياسمين
بينما عكف فريق من الجغرافيين
على إيجاد تفسير لاتساع الأزقة الضيقة فجأة
لتستوعب كل هؤلاء المشيعين
أما رجال الأرصاد
لم يستطيعوا أن يكظموا غيظهم
لمخالفة الشمس توقعاتهم
وأخذوا يرددون
منذ متى أصبحت حرارة شمس يوليو
بردًا على الأرض ومَنْ عليها
واتهموا الشمس بأنها تخلت عن وظيفتها يومها
وحلت محل السحاب لتظلل المشيعين
علماء الفلك
لم يستطع الناس أن يغفروا لهم تلك السقطة
كان ينبغي أن يكتبوا جملة واحدة يومها لكل الأبراج
"الحزن اليوم في انتظار الجميع"
جدتي
التي لم تكره شيئًا أكثر من البكاء
أوصت السماء ألا يبكيها أحدًا يوم موتها
لذا بمجرد أن أغلقوا عليها باب القبر
وفت السماء بوعدها
وجادت بمطرٍ
مسح الدمع من وجوه الجميع

خاتمة
جدتي حين أدخلوها القبر
ظل ظلها خارجه
يطوف علينا كل مساء
يحشو وسادتنا
بذكرى كل الذين سكنوا ديارنا يومًا
وسبقونا إلى هناك