الثلاثاء ١٢ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم
مقامات في المقام النبوي
سكرت لذكركَ هذه الأنخابُ | وتكسرت من سُكرها الأكوابُ |
ذكراكَ خمرٌ في دنان قلوبنا | وقلوبنا لكرومها أترابُ |
كم ظنَّ فيك الشعرُ يبلغ شاطئا | فتقطعت بلغاِته الأسبابُ |
غرقت به سفنُ المجاز وهدَّهُ | مدٌّ وجزرٌ جارفٌ وعبابُ |
بحرٌ من النور المقدس ساطعٌ | لا الفكرُ يدركه ولا الألبابُ |
ماذا أنا اسطيعُ وَسْطَ عبابه | وأنا به مما به انسابُ |
لا الشعرُ يُسعفنى ولا نْثرٌ ولا | صمتٌ ولا طيٌ ولا إطنابُ |
قبلي كم الشعراءُ فيه تبارزوا | فإذا به لبيانهم غَلاَّبُ |
لا «كعبُ» سَامتَ كعبَه أبدا ولا | «بانت سعاد» بيانُها مِعرابُ |
والبردةُ العصماءُ أينَ لها به؟ | جلَّ المقامُ وجلتِ الألقابُ |
يكفي «البصيريُّ» استعادَ بسرها | بصراً، دعاءُ العاشقين يُجابُ |
ومدائحُ البُرَعيٍِّ رغم شموخها | قَعدت بها من دونه الأعتابُ |
وجميع من بالسرِّ عُلِّق كلهم | ردتهمُ عن كنهِِهِ الأعقابُ |
«هل غادر الشعراء» فيه قصيدةً | بكرا لها في حبِّه أنخابُ |
«هل غادر الشعراء» كيف أُعيدها | وأنا الذي عشقي له صبَابُ |
ذكراهُ ذكرٌ في نياط قصائدي | وجمالُه في مقلتيَ شرابُ |
العالَمون تفرسوا لصفاته | وأنا بها في العالَمين أُثابُ |
أنَّى له وصفٌ وجل جلالُه | أعطاهُ وصفاً ماله أَضرابُ |
خُلُقٌ وخَلق يستحيل مثيلها | تمثيلها للعارفين كتابُ |
تمثيلها القرآنُ حين بآيِهِ | وبسرِّه قلبُ المحبِ يُذابُ |
ماذا أحدث؟ هل أقول تبلجت | أسراره فتوحدت أقطابُ؟ |
ماذا أقولُ؟ لَظَلَّ هذا الكونُ في | عميائه وتقدست أنصابُ |
و لَعاثَّ في كل القلوب «يَغُوثُها» | و«يعوقُها» وتقطعت أصلابُ |
و لَمارت الصحراءُ من قُطاعها | وتقاتلَ الأغرابُ والأعرابُ |
وإذا ظللتُ أعدُّ لستُ ببالغ | عشرَ الذي لولاهُ ظلّ يُعابُ |
ماذا أحدثُ يا رسول الله | فالقلبُ المحبُ عزاؤُه الإسهابُ |
ما كنتُ أنوى أن أُعكرَ فرحتي | لكنها أيامُنا أسلابُ |
سقطت صروحُ الدين بعدك وانتهت | أمجادُنا وتكَالبَ الأحزابُ |
وتقطعت مِزَقا بلادُك كلُها | وتحكمتْ دِببٌ بها وذئابُ |
بالأبيضِ البيتِ القلوبُ تعلقتْ | فكأنه – هيهاتهُ – الوهابُ |
من أينَ أبدأُ والجراحُ تقرحت | والأرضُ قصفٌ قاصمٌ وخرابُ |
لم تبق في الجسد المُمَزقِ مضغةٌ | إلا لها مما أُشيع نصابُ |
أَشلاءُ لا لغةٌ تُضارعُ ما بها | سقط القصيدُ وغرَّب الكتابُ |
من أين أبدأُ والهزائمُ نزّلٌ | تتْرىَ، تجيىء وخلفها أسرابُ؟ |
أَتُرىَ أحدثك العراقَ وقد غدا | أثرًا وعاثَ بأرضه الأغرابُ ؟ |
بغدادُ تصرخُ والنخيلُ مصفدٌ | وعلى الفرات من الغزاة حِرابُ |
في كل شبرٍ ثَمَّ تلطمُ خدَها | في الرافدين مساجدٌ وقبابُ |
داسوا على عتباتنا فتدنست | وشكا «الحسينُ» وقتِِّلَ الأصحابُ |
الجرحُ أعمقُ من قصيدة كاملٍ | سُدت على أنفاسِها الأبوابُ |
فإذا فتحتُ بها نوافذَ للرؤى | عَلتِ العيونَ زوابعٌ وضبابُ |
ماذا أحدثُ واللغاتُ تحجرت؟ | لا الأرضُ أرضٌ لا ولا الأحسابُ |
ودمُ الشهيد تدنست أسماؤُه | فصفاتُه الإجرامُ والإرهابُ |
والقدسُ أضحت في الحروف خرافةً | يشدو بها للعاجزين خِطابُ |
لا العرضُ عرضٌ نفتديه ولا لنا | في العالمين مكانةٌ وحسابُ |
ماذا أحدثُ يا رسول الله والحُـ | لم القديمُ سحابةٌ وسرابُ؟ |
كم منقذٍ وَعَدَ الصغارَ بوقعةٍ | مُضريةٍ فإذا به كذّابُ |
وكم اشرَأَبَت للحياة رقابُنا | فتساقطتْ للحالمين رقابُ |
ما كنت يا خيرَ البرية قاصدا | هذا البكاءَ ولا لَهُ طَلاَّبُ |
لكنها ضاقتْ عليَ ومن تضقْ | يوما عليه فحسبُه الأحبابُ |
أهديك من قلبي تحيةَ عاشقٍ | يفنى الزمانُ وعشقُهُ مِسكابُ |
وعليك صلى الله ما صلىَ امرؤٌ | لفريضةٍ وتعاقبت أحقابُ |