معلقة عبيد بن الابرص
فالقُطَّبِيّاتُ فالذَّنُوبُ
أَقْفَر منْ أَهْلِهِ مَلْحُوبُ
بنيت المعلقة على (مجزوء البسيط) (مستفعلن فاعلن مستفعلن) باستخدام كل الزحافات لكل تفعيلة منها، الا ان العروضيين حسبوها على (مخلع البسيط) (مستفعلن فاعلن فعولن) الذي لم يسمح – حسب افتراض الخليل – الا بدحول الزحاف على (مستفعلن الاول) ولزحافين فقط هما (الخبن والطي). فلم يسمح بدخول (الخبل). وجعل الخليل التفعيلة الثالثة (مستفعلن) مقطوعة مخبونة وجوبا فتحولت الى (فعولن). أما الشاعر فاستخدم كل الزحافات الداخلة على (مستفعلن) الاولى (الخبن والطي والخبل)، واستخدم الخبن مع التفعيلة الثانية (فاعلن) واستعمل مع مستفعلن الثانية (القطع وحده، والقطع مع الخبن).
موسيقيا، القصيدة موزونه ورائعة الموسيقى. وهذا أول رأي يقرأ القصيدة قراءة صحيحة ذوقيا وعروضيا، فكل السابقين رأوها مضطربة مكسورة قال الخاديان (يجفو عنها السّمع وتضطرب في الذوق) وقال ابن رشيق (ومنه قبيح مردود لا تقبل النفس عليه، كقبح الخلق واختلاف الأعضاء في الناس وسوء التركيب، مثله قصيدة عبيد المشهورة: (أقفر من أهله ملحوب) فإنها كادت تكون كلاماً غير موزون بعلة ولا غيرها، حتى قال بعض الناس: إنها خطبة ارتجلها فاتزن له أكثرها. وقال أبو العلاء المعري (وزنها مختلف وليست موافقة لمذهب الخليل في العروض) ، وقال الأخفش الأوسط (وفي الشعر الرّمل، وهو عند العرب عيبٌ. وهو ممّا تسمّي العرب. وهو كلّ شعر مهزول ليس بمؤلّف البناء. ولا يحدّون في ذلك شيئاً. وهو نحو قول عبيد: (أقفرَ من أهلهِ ملحوبُ فالقطّبيّاتُ فالذَّنوبَ). وقال ابن سنان الخفاجي (ومن المناسبة أيضاً: التناسب في المقدار وهذا في الشعر محفوظ بالوزن فلا يمكن اختلاف الأبيات في الطول والقصر فإن زاحف بعض الأبيات أو جعل الشعر كله مزاحفاً حتى مال إلى الانكسار وخرج من باب الشعر في الذوق كان قبيحاً ناقص الطلاوة، كقصيدة عبيد بن الأبرص: (أقفر من أهله ملحوب). وقال ابن سلام الجمحي: (وعبيد بن الأبرص، قديم، عظيم الذكر، عظيم الشهرة، وشعره مضطرب ذاهب، لا أعرف له إلا قوله: (أقفر من أهله ملحُوبُ فالقُطَبِيَّاتُ فالذنوبُ) ولا أدري ما بعد ذلك).
وهذه الاراء الصادرة عن كبار رجال العلم والادب كلها خاطئة لانها تابعت الخليل ووقعت تحت تأثير عروضه، ولم تستشعر الموسيقى الصحيحة التي لم يخرج الشاعر فيها عن (مجزوء البسيط) ومن ثم لم يعطوا لانفسهم وهم واقعون تحت تأثير الانقياد والسير الاعمى وراء الخليل فرصة تذوق موسيقاها والحكم عليه شخصيا.
القصيدة حسب رواية الجمهرة تتألف من (49) بيتأ، جاء (12) بيتا منها متفقا مع عروض (مخلع البسيط) الذي حدده الخليل بنفاعيل (مستفعلن فاعلن فعولن)، و(12) بيتا خارج عروض الخليل ولكنه ضمن (مجزوء البسيط) (مستفعلن فاعلن مستفعلن). وجاء (25) بيتا يخلط بين العروضين.
فمن الابيات الى وافقت عروض الخليل:
للماءِ مِن تَحتِهِ سُكوبُ
مستفعلن فاعلن فعولن
أو جَدْوَلٌ في ظِلالِ نَخلٍ
مستفعلن فاعلن فعولن
أنّى؟ وقَد راعَك المَشيبُ
مستفعلن فاعلن فعولن
تَصبُو وأنّى لكَ التّصابي؟
مستفعلن فاعلن فعولن
وغائِبُ المَوْتِ لا يَؤُوبُ
متفعلن فاعلن فعولن
وكلّ ذي غَيْبَةٍ يَؤُوبُ،
متفعلن فاعلن فعولن
أو غانمٌ مِثْلُ مَنْ يَخيِبُ
مستفعلن فاعلن فعولن
أَعَاقِرٌ مِثْلُ ذاتِ رِحْمٍ؟
متفعلن فاعلن فعولن
ذ
وسَائِلُ اللَّهِ لا يَخيبُ
متفعلن فاعلن فعولن
مَنْ يَسْأَلِ النَّاسَ يَحْرِمُوه
مستفعلن فاعلن فعولن
ومن الابيات الى خالفت عروض الخليل ولكنها وافقت عروض مجزوء البسيط باستخدام كل زحافات تفاعيله قوله:
وكلّ ذي أملٍ مَكذُوبُ
متفعلن فعلن مستفعل
فكلّ ذي نِعْمَةٍ مَخْلُوسٌ
متفعلن فاعلن مستفعل
وكلّ ذي سَلَبٍ مَسْلُوبُ
متفعلن فعلن مستفعل
وكلّ ذي إبِلٍ مَوْرُوثٌ،
متفعلن فعلن مستفعل
والقَوْلُ في بَعْضِهِ تَلغيبُ
مستفعلن فاعلن مستفعل
باللَّهِ يُدْرَكُ كلُّ خَيْرٍ،
مستفعلن فعلن فعولن
ـدَّهْرُ، ولا يَنْفَعُ التَّلِبيْبُ
مستعلن فاعلن مستفعل
لا يَعظُ النّاسُ من لا يعظُ الـ
مستعلن فاعلن مستعلن
ذ
طُولُ الحَياةِ لَهُ تَعْذِيبُ
مستفعلن فعلن مستفعل
والمَرْءُ ما عاشَ في تكذيبٍ
مستفعلن فاعلن مستفعل
ومن الابيات التي جمعت العروضين:
فالقُطَّبِيّاتُ فالذَّنُوبُ
مستفعلن فاعلن فعولن
أَقْفَر منْ أَهْلِهِ مَلْحُوبُ
مستعلن فاعلن مستفعل
فَذاتُ فِرْقَينْ فالقَليبُ
متفعلن فاعلن فعولن
فَرَاكِسٌ فَثُعَيْلِباتٌ
متفعلن فعلن فعولن
والشّيبُ شَينٌ لمن يَشيبُ
مستفعلن فاعلن فعولن
إمّا قَتيلٌ وإمّا هَالِكٌ،
مستفعلن فاعلن مستفعلن
كأنّ شَانَيْهِما شَعيبُ
متعلن فاعلن فعولن
عَيْنَاكَ دَمْعُهُما سَرُوبُ
مستعلن فعلن فعولن
ذ
مِن هَضَبَةٍ دونَها لُهُوبُ
مستفعلن فاعلن فعولن
واهِيَةٌ أو مَعينٌ مُمعِنٌ
مستعلن فاعلن مستفعلن
ولهذا تكون معلقة عبيد بن الابرص سليمة موسيقيا وعروضيا، وعلى المثقفين وطلاب العلم أن يقرؤوها قراءة حرة هذه المرة بعيدة عن تأثير القراءة الخاطئة المخطّئة لتعود القصيدة الى مكانها ومستواها اللائق يسن المعلقات.