الاثنين ١٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
جمعية الشراع تطرح قضايا المعاقين العرب

معاقون يتعرضون للعنف

بقلم: زاهد عزت حرش

هناك ظاهرة رهيبة يلفها الكتمان، قابعة خلف جدران البيوت في مجتمعنا العربي الشرقي، وفي أوساط قرانا العربية هنا، وهي تحتاج إلى جرأة لقولها والاعتراف بها، هي موجودة ومنتشرة في كل مكان تقريبًا، إلى إننا لا نستطيع أن نحدد مدى تفشيها، أو مقارنتها مع ما يماثلها من الظواهر السلبية التي تنخر نخاع مجتمعنا العربي.. هي شكل آخر من أشكال العنف الكلامي والجسدي.. لكنها تُمارس ضد أناس معاقين، أطفال، نساء، شبان ومسنين من ذوي القدرات الخاصة. هذا عداك عن شتى أساليب الاستهزاء والمسخرة.

وصل إلى جمعية الشراع خبر من إحدى قرى الشمال، يروي قصة معاقة تعرضت إلى اعتداء بالضرب من احد أقربائها.. بل وشارك في الاعتداء واحد من شباب العائلة، حيث قام بتكسير شبابيك بيتها وبعض من أثاث هذا البيت ومحتوياته. هذه هي المرة الأولى تقريبًا التي تتجرأ فيها فتاة معاقة وتتحدث عن اعتداء حدث لها، في حين نعرف إن هناك كثير من هذه الاعتداءات تبقى طي الكتمان، لان المعتدى عليهم لا يستطيعون أن يقاموا المعتدي وسطوته وسيطرته عليهم، ففي كثير من الحالات يكون المعتدي واحدًا من اقرب الأقرباء لهذا المعاق أو تلك المعاقة، إضافة إلى أن أكثرية ذوي القدرات الخاصة تنقصهم المقدرة والمعرفة، حيال كيفية تصرفهم في حال حدوث هكذا اعتداء عليهم.. فتبقى قصصهم طي الغموض والنسيان، في حين يستمر العذاب والتنكيل البشع بهم يومًا بعد يوم.

قصة هذه الفتاة تلقي الضوء على واقع مرير يعاني منه المعاقات والمعاقون العرب، ويعيد إلى الذاكرة قصة فتاة أخرى، تعاني من إعاقة بصرية تعرضت للضرب العنيف من قبل والدها، وقام بحبسها في غرفة موصدة ومنعها من العودة إلى متابعة دراستها الجامعية، بسبب إشاعات مغرضة قيلت عنها، ولم يتم السماح لها بالعودة إلى الجامعة إلا بعد تدخل عدة أطراف، من العائلة والأصدقاء ومكتب الشؤون الاجتماعية في البلدة.

وتصبح فكرة مجرد إفساح المجال أمام المعاق أو المعاقة، لممارسة أدنى حقوقهم المدنية والإنسانية، عمل خارق وجبار، في حين لا احد يهتم بما لاقاه هذا المعاق أو تلك، من تعذيب واهانات وتنكيل جنسي أو جسدي.

هاتان الحادثتان نعرف الحقيقة الكاملة عنهما، ولدينا أسماء المعتدى عليهن وأسماء المعتدين، بيد انه حرصًا على خصوصيتهن وخوفًا عليهن من تكرار هذه الاعتداءات نمتنع عن ذكر تفاصيل أوفى عنهن.

في مقالة كتبها يعقوب كندلر يوم 25.05.08 أكد فيها انه جرى بحث إحصائي سنة 2005-2006، نتج عنه أن ما نسبته 60% من المواطنين في الدولة يفضلون عزل المعاقين وإسكانهم في مجمعات سكنية بعيدة عن المجتمع.. وهذا يدل بشكل قاطع على ما تحمله الأكثرية من نظرة دونية للمعاقين.. وكأن المعاقون جاءوا من كوكب آخر، وليسوا من أبناء هذا المجتمع وثمرة نخاعه الوراثي.

في ظرف آخر هناك دراسة قام بها مكتب الشؤون الاجتماعية في بلدية تل أبيب يافا.. تفيد أن 17% من المعاقات يتعرضن لاعتداء جنسي أو جسدي، كما إن ما نسبته واحدة من كل خمسة نساء تعرضن للعنف تكون معاقة، وانه وصل عدد المعتدى عليهن خلال عام 2006 إلى 13159 امرأة وفتاة.

هذه الحالات من العنف الجنسي والجسدي المرتكب ضد ذوي القدرات الخاصة، هو الشكل الأعنف في المضمون والجوهر، في حين تبقى هناك ممارسات يومية عادية تبتز المعاقين وتسطو على خصوصياتهم، نلقي الضوء هنا على بعضًا منها، مثالاً لا حصرًا، فكثير من الأهل يسطون على مخصصات العجز التي يتلقاها المعاق، أو يستغلون الأدوات والأجهزة التي يحصل عليها المعاق لتسهيل ظروف حياته أو تنقله، كالسيارة والهاتف، أو ما شابه ذلك، ويبقى المعاق/ة حبيس المنزل وجدران غرفته معظم أيام حياته.

ألا تكفي هذه الأساليب والتصرفات غير الأخلاقية، والمنافية لأبسط المفاهيم الإنسانية، كي تضاف إليها أساليب العنف الجنسي والجسدي.. والى ما هنالك من أشكال عنف نفسية ويومية يتعرض لها المعاقون العرب.

من هنا.. وانطلاقًا من الواجب الإنساني، نحث ضمائركم ووجدانكم، أن تساهموا في رفع أي غبن أو ظلم يلحق بأي معاق/ة، في كل مكان وفي أي زمان كان، فان المسؤولية المجتمعية تحتم علينا أن نعمل سوية من اجل الدفاع عن الحق بالعيش بكرامة لكل الناس، فكيف حين يتعلق الأمر بمن يعانون من صعوبات الحياة وعذابات الألم!؟

لا نؤمن بالرحمة المتمرغة بظلال الشفقة القاتلة. نؤمن بالحق، بالعدالة الاجتماعية، بشرعية الأخلاق الإنسانية، التي ترفع من قيم المجتمع البشري، "فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.... " فواقع أي مجتمع ما هو إلا انعكاسًا لأخلاقه ومفاهيمه وحضارته.

بقلم: زاهد عزت حرش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى