السبت ١٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨

مصداقية المعلومة فى عصر الصوت والصورة

بقلم: ايهاب رشوان

الاتصال أساس الفعل الاجتماعى. تلك القاعدة الأساسية التى يبنى عليها علم الاجتماع أهم نظرياته بل وتعتمد عليها باقى العلوم الإنسانية فى تفسير نظرياتها وتفعيلها ومحاولة وضعها فى إطار التطبيق العملى، نعم فالإتصال أهم أدوات التفاعل الإجتماعى ومن غيره لا يمكن نقل أى معلومة صوتية كانت أم مرئية كما أنه أهم أساليب التواصل بين أفراد المجتمع.

هذا ويقوم علم الاتصال فى مضمونه على أركان محددة أهمها المتصل أو المرسل للرسالة والمستقبل والقناة التى تمر من خلالها الرسالة، والرسالة نفسها والتى تعتبر أهم عضو فى هذه المؤسسة فهى عماد العملية بالكامل كما انها الدينامو المحرك للفعل ورد الفعل والعامل المحدد لكفاءة العملية الاتصالية وأهميتها.

ومن أكثر العلوم الانسانية المعتمدة على الاتصال علم الاعلام الذى أصبح فى عصرنا الحالى الأداة الأكثر فاعلية فى نقل المعلومة بل والأكثر قدرة على ارسالها من مكان لاخر اعتمادا على وسيط أو دون الحاجة اليه، ومما لا شك فيه أن الاعلام المحلى والعالمى شهد العديد من التطورات العلمية والتكنولوجية والتى جعلته يحتل المركز الأول فى الحصول على المعلومة وامكانية نقلها بل والسيطرة على مصدرها ومصداقيتها دون وضع أية اعتبارات للحقوق المادية والفكرية وكذلك أصبح من السهل جدا السيطرة حتى على نوع الاعلام المقدم بل وتوحيد الاتجاهات للخلط العمدى بين الاعلام والاعلان.
.
ومع التقدم التكنولوجى المضطرد أمكن تلقيح الأجهزة الاعلامية بجميع المواد التى تزيد من كفاءته وتطوره واستطاع أن يتمركز على المنصة ويجذب اليه جميع المتابعين بسحره المميز وبالتالى لم تستطع الأجيال التى ولدت فى أحضان الانترنت وكانت الأطباق الهوائية بمثابة سرسوب اللبن الذى أنطقها وكان المحمول لعبتها أن تقاوم هذا السحر الاعلامى المتجدد دائما فى وسائله وطرقه المميزة وأصبح من الصعب السيطرة على مصداقية المعلومة المقدمة لهذه الاجيال.

هذه الأجيال التى تم تقييدها بسلاسل من الزخم الاعلامى الذى لايكتفى فقط باشباع شهوة ملئ الفراغ الوقتى بل تمتد يداه الاثمتين الى العقول التى أوشك على تشويهها وخرق الغلاف الثقافى لها وتدمير الهوية ومحاولة خلق مجتمع افتراضى لا أساس له وجدانيا حيث لقح الكثير من نانسى وروبى و هيفاء وأضاف عليهم من كروموسومات جاد شويرى الى أن حقق المسخ الزيجوتى التى عزز قيم الاستهلاكية والتدين الخرافى والتسيب والتناقض ووصل الأمر للكثير من الفيشاوى وهند الحناوى ذلك الاعلام الذى خرج علينا أيضا بالكثير من علماء الاجتماع والقليل من علماء النفس والعديد من رجال الدين الذين وحدوا صفوفهم لتشويش الفكر وتعطيل التفكير.

قنوات اخبارية ترفيهية دينية سياسية اجتماعية تنويعية درامية واقعية تخيلية استكشافية صناعية زراعية علمية بحثية حربية تكنولوجية برمجية رياضية مسابقاتية تعليمية جنسية فلكية غنائية. متعددة اللغات والديانات والثقافات والاتجاهات والأهداف، كل منها يحمل رسالة معينة تحمل بين ذراعيها سياسة مختلفة عن الاخرى حيث يتم التقاطها عبر موجات الأثير لتستقر فوق رأس المشاهد الذى فى أغلب الأحيان يجهل مصدرها ومصداقيتها، لكن هل من بديل؟

نعلم جميعا أنه فى عصر الأقمارلا مصدر سوى ما يبث عليها وأنه فى عصر الحدث لا يوجد الا صدى الحدث لكن مصداقيته لا يعلم أحد عنها شىء، مات صدام أو لم يمت ليس هذا هو المهم لكنه صور مشنوقا، كان هو أو لم يكن لكن أحدا قد شنق،قبض على بن لادن أو لم يقبض عليه ليس هذا هو المهم بل الأهم أن تعلم أمة ما أن (ماما كوندى )هى الأعلم بالوضع ومادام قد أذيع على لسان كلبها أنه قد قبض عليه فقد قبض عليه، المهندس الجاسوس،المطرب المعتزل،الفنانة العاهرة والمذيعة السافرة وسرطنة القمح وتلوث المياة وأكياس الدم الفاسدة ..ويبقى الخبر عند صاحب الخبر وتبقى المصداقية فى يد من حمل الخبر والذى بدوره لا يضع نفسه فى قضية الطرح والطرح المضاد لأنه فى أحيان كثيرة اما يمنع من الكلام أو يمتنع عنه لعدم كفاية الأدلة وهذا بدوره يضعنا فى محور قضية قديمة عجزت السنوات الاشتراكية والرأسمالية على اذابتها الا وهى الفجوة الكبيرة بين صانعى القرار ومتخذيه.

وحينما فقد الاعلام أركانه وأعمدته أصبح من السهل تشويه الميراث الثقافى الذى تم توريثه والمحافظة عليه الى أن ابتلعه الزمن ضمن تيار الفساد الذى لم يترك نافعا خلفه،ذلك الميراث الذى علمنا أن الكلمة نور وبعض الكلمات قبو، علمنا أن الجنة كلمة والنار كلمة،الموت كلمة والحب كلمة والشرف كلمة والصدق كلمة ويالها من كلمة وعند فقدانها تفقد معها جميع معانى الكلمة ويفقد الوريث ميراثه ويصبح كالطفل الذى يربى على كلمة عيب الى أن ينسى تفعيل كلمة حرام فى حياته أو كالطفل الذى يظفر فى معركته اليومية حين يحظى بقدر لا بأس به من مشاهدة قناة شباب المستقبل والذى لا يعلم من أورثه كلمة من الاف الأفكار المصوبة الى رأسه.

أظن ان ما نحتاجه فى هذه الحالة بالاضافة للأقماع التى على رؤوسنا هو ورق ترشيح كى نستطيع التحكم فى عبور ما نريد الى عقولنا كما يمكن أيضا الاستعانة بمعدات تبخير وتجفيف أو تخفيف جزء من حموضة الأفكار المطروحة وبعض المطهرات والمبيدات السامة المحرمة دوليا (من وزارة الزراعة) وبعد قبول الفكرة على ما هى عليه يمكن تعديل الجلسة على كرسى الاستقبال والاستعداد للشجب والاعتراض ولو أنى أظن أنه من السهل تثبيط الهمة بجملة (اوعى ايدك والريموت كنترول) والتى أشك فى مصداقيتها هى الاخرى.

بقلم: ايهاب رشوان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى