

مشهد القصة القصيرة في قطاع غزة بعد عام 1967
تمهيد:
إن التراث الثقافي والأدبي ليس تراثا وحسب، وليس ماضيا وحسب، وإنما هو كائن حي متحرك بصيرورة دائمة، فالعلاقة بين القصة اليوم وبين تراثها الأدبي الفلسطيني علاقة جدلية واعية لا يستطيع إنسان أن يتجاوزها، لهذا سنتوقف بشيء من الاختصار عند القصة الفلسطينية قبل عام 1948 ونتحدث عن أبرز روادها وكتابها، وكذلك ملامح القصة بعد عام 48 وحتى عام 1967، وذلك تمهيدا للمشهد القصصي في قطاع غزة بعد العام 1967، وتأثيرات الماضي القصصي على تبلورها وكتابتها.
نشأت القصة القصيرة بمفهومها الحديث في الأدب العربي الفلسطيني في أواخر القرن التاسع عشر على يد خليل بيدس، الذي يعتبر رائد الفن القصصي في فلسطين، ويعد كذلك من أوائل المترجمين للفن القصصي في فلسطين، فقد درس في دار المعلمين الروسية في الناصرة، وأجاد اللغة الروسية، وعمل مدرسا في مدارس الطائفة الروسية. وإجادته للغة الروسية اتاحت له الإطلاع على آثار كبار الكتاب الروس والتأثر بهم، فقام بترجمة العديد من الروايات لكبار الكتاب الروس أمثال: بوشكين وتولستوي وتورجنيف وغوركي، ونشر بيدس أكثر من أربعة وأربعين كتابا ما بين مترجم ومؤلف.
وليس هذا فحسب في جهود بيدس الأدبية والثقافية، إذ أصدر أيضا أهم مجلة أدبية في فلسطين قبل عام 48، وهي مجلة "النفائس العصرية"، والتي صدر عددها الأول في نوفمبر 1908في مدينة حيفا، واستمرت في الصدور مع بعض فترات من الانقطاع حتى العام 1919. وتعتبر مجلة النفائس من أكثر المجلات التي اتاحت الفرصة لعدد كبير من المثقفين والأدباء للمشاركة في كتابة القصة أو ترجمة القصص ونشرها، حيث نشر فيها قصص مؤلفة وأخرى مترجمة عن الروسية والألمانية والإنجليزية والفرنسية. كما ساهمت في تعريف الأدب الفلسطيني على بعض التيارات القصصية في أوروبا عامة وروسيا خاصة، ولهذا تعد النفائس سجلا حافلا ومرجعا تاريخيا لمن يدرس الحياة الأدبية في هذه الفترة، لما تضمنته المجلة من أخبار أدبية وأنباء ثقافية، وذكرا للصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك بالإضافة إلى الكتب والمؤلفين، وقد بلغ من قيمة ما كانت تنشره المجلة أن بعض المجلات الأخرى تنقل عنها بعض موضوعاتها.
وتأتي ريادة خليل بيدس في مجالي القصة والرواية، حيث انه أول من ألف رواية فلسطينية ونشرها عام 1920 بعنوان "الوارث"، وكذلك أول من نشر مجموعة قصصية ونشرها في عام 1924 بعنوان "مسارح الأذهان".
وقد سارت القصة في هذه الفترة على نهج القصص في الآداب الأوروبية، حيث اخذ كتابها يقلدون أعلامها في الغرب خاصة في البناء الفني، أما في المضمون فقد تناولوا واقعهم ولكن بأسلوب رومانسي، الا أنهم تمايزوا في هدف القصة، حيث نرى من يرسم عالما مثاليا خاليا من الفساد والاستغلال والنقائص، أو من يحاول أن يعبر عن خلجات نفسه وهمسات قلبه، وثمة من سعى إلى الحلم بالمدينة الفاضلة. وهناك من اتجه في أقاصيصه إلى الحياة الاجتماعية فعالج مشكلات الأسرة والروابط بين الآباء والأبناء، والفقر والغنى، والعلم والجهل، والصراع الطبقي.
ومن أبرز كتاب القصة التي حفلت بهم فلسطين قبل عام 48 غير خليل بيدس: سيف الدين الإيراني، نجاتي صدقي، عارف العزوني، عبد الكريم الكرمي، عبد الحميد ياسين، نجوى قعوار فرح، وأسمى طوبي، وغيرهم.
أما في الفترة الممتدة من عام 1948 وحتى عام 1967، وهي فترة النكبة والمأساة الفلسطينية، برز فيها كتاب جدد، بالإضافة إلى تواصل كتاب فترة ما قبل 48 كتابة القصة، مثل: نجاتي صدقي، وسيف الدين الإيراني، ونجوى قعوار فرح، وأسمى طوبي. أما ابرز الأسماء الجديدة التي ظهرت في هذه الفترة: سميرة عزام، غسان كنفاني، جبرا إبراهيم جبرا، محمد أديب العامري، يوسف جاد الحق، وغيرهم.
وقد استلهمت قصص هذه الفترة المأساة وما خلفته من ضياع وتشرد، ومصارعة البؤس والشقاء، وصورت أحوال اللاجئين ومعاناتهم في الخيام، كما استوحت صور البطولة والنضال الفلسطيني ضد الانتداب واليهود، وعبرت عن رؤى لتحرير فلسطين مع إبراز أسباب الهزيمة.
وكانت قصص هذه الفترة أرقي من الناحية الفنية من القصص الصادرة قبل عام 48، ويؤكد عدد من النقاد والباحثين أن القصة القصيرة قبل عام 1967 وصلت إلى مرحلة من التقدم والإتقان تبيح للمؤرخ الأدبي أن يقول إنها أصبحت نوعا أدبيا له أصوله وتقاليده وأنماطه، حيث أرسى القصاصون دعائم القصة القصيرة بكل أساليبها الرومانسية والواقعية والرمزية.
القصة بعد عام 67 في قطاع غزة:
في الفترة الممتدة من عام 1948 وحتى عام 1967، كان قطاع غزة يعيش في حالة من الفوضى، نظرا لتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى القطاع، وفي مثل هذه الأجواء لم يكن للأدب مجالا لكي ينمو، وإن نما يكون في مراحله الجنينية، لان فضاء الأدب هو الاستقرار.
كما أن قطاع غزة شكل حالة فريدة مغايرة للضفة الغربية، فبعد حرب 48 خضع القطاع للإدارة المصرية، وعاش في عزلة عن أخوانهم في الضفة الغربية وعرب 48. في هذه الفترة كان البحث عن الاستقرار المعيشي أهم ـ كما ذكرنا ـ من البحث عن حياة ثقافية، ورغم ذلك نتلمس بعضا من حياة ثقافية وأدبية، وذلك بفضل الصحافة المصرية ودور النشر المصرية، حيث لم يكن في قطاع غزة صحافة فلسطينية ملموسة، فالتجربة الواسعة التي خاضها بعض الصحفيين في غزة لإصدار صحافة فلسطينية تحسب لهم، ومع هذا ظلت تلك الصحافة محدودة جدا ومتواضعة إلى أبعد الحدود، بالإضافة إلى عدم انتظام صدورها. ولكننا لا ننكر أثرها في خلق ملامح من حياة ثقافية وفكرية ونضالية، مهما كانت ضئيلة. والكتاب الفلسطينيين الذين حاولوا الكتابة في الصحافة المصرية لم يجدوا متسعا لهم لكثرة الكتاب المصريين.
وقد صدرت في قطاع غزة بعد عام 1948 وحتى عام 1967، نحو عشر صحف، وهي: الشرق (عام 1949)، والسلام (عام 1950)، والرقيب (عام 1951)، وغزة (عام 1951)، والوطن العربي (عام 1953)، والصراحة (عام 1952)، واللواء (عام 1954)، والعودة (عام 1956)، والتحرير (عام 1958)، وأخبار فلسطين (عام 1963). بالإضافة إلى خمس مجلات. وكانت يغلب على هذه الصحف والمجلات الطابع السياسي أكثر من الطابع الثقافي والأدبي.
وكانت جريدة "أخبار فلسطين" أهم الصحف وأكثرها انتشارا وقيمة ثقافية، فقد استطاعت من خلال صفحاتها الثقافية والأدبية أن تثير نشاطا في الحركة الأدبية والفنية عن طريق عقد الندوات المختلفة لمناقشة بعض الأعمال الأدبية والكتب، وكان يشارك في هذه الندوات والمناقشات مجموعة من الأدباء والمهتمين بالثقافة، كما وجد فيها الشباب المبدع متنفسا لهم لنشر إنتاجهم الأدبي، وظهرت أسماء أدبية مثل: معين بسيسو، ومحمد جلال عناية، وعلى هاشم رشيد، وهارون هاشم رشيد، وزين العابدين الحسيني، وعلي لبد، وفوزي العمري، ومحمد جاد الحق، وحسن المشهراوي، وحسيب القاضي، وخالد الهشيم، ورامز فاخرة، وعبد الكريم السبعاوي.
وقد نشر بعض هؤلاء الكتاب أعمالا قصصية وروائية كانت بمثابة العمل الأول والأخير، وبعضهم استمر في الكتابة مثل عبد الكريم السبعاوي، الذي أصدر لاحقا (5) روايات، ـ زين والعابدين الحسيني، الذي تواصل في كتابة القصة ونشر عددا من المجموعات لاحقا.
ونجد من الكتابات الأدبية التي نشرت في هذه الفترة:
ـ مجموعة قصصية لعلي هاشم رشيد بعنوان: رصيف الدموع. صدرت في عام 1960، وفي عام 1963 قررت مديرية التعليم والثقافة بقطاع غزة تدريسها في مدارس القطاع. وضمت المجموعة (9) قصص قصيرة. وقد تواصل مع الشعر ولم ينشر قصصا بعد ذلك.
ـ مجموعة قصصية لمحمد جلال عناية، بعنوان: دم على الجدار. صدرت عام 1964، وطبعت بمطابع دار أخبار فلسطين بغزة، وضمت المجموعة (14) قصة قصيرة.
ـ رامز فاخرة، نشر رواية بعنوان "على الدرب" في عام 1964 ولم ينشر غيرها.
ـ ومحمد جاد الحق، نشر روايتين: "رجاء" عام 1958، و"متى نعود". ولم يتواصل مع الكتابة، بل اتجه نحو الموسيقى والغناء.
ويمكن لنا أن نعتبر هؤلاء بمثابة الرواد للحركة الأدبية والثقافية في قطاع غزة قبل عام 1967.
وجاءت هزيمة حزيران عام 1967 لتلقي بظلالها السوداوية على الحياة الثقافية والأدبية التي بدأت بالانتعاش قليلا، وأثرت كذلك على إنتاجية الأدب بكل أشكاله، ليس في قطاع غزة وحسب، بل في عموم الأراضي المحتلة، وكذلك في البلدان العربية. فقد كان لجو الهزيمة تأثيره الكبير على الحركة الثقافية التي خيم عليها صمت مطبق، احتاجت إلى وقت طويل لكي تنهض من جديد.
وبدأت ملامح النهوض في السبعينيات، لتأخذ الحركة الأدبية والثقافية في الانتعاش في الأراضي المحتلة، وقد ساهمت عدة عوامل كان لها التأثير الأبرز في مسيرة الحياة الأدبية والثقافية وعلى المشهد القصصي في قطاع غزة. ومن هذه العوامل:
ـ انتشار الصحافة:
رغم التجربة الصحفية التي خاضها بعد الصحفيين ممن كان لهم باع في الصحافة إبان العهد المصري في إصدار صحف ومجلات في قطاع غزة بعد الاحتلال، أمثال "زهير الريس" الذي أصدر مجلتي "العلوم" و"الأسبوع الجديد" بعد توقف جريدة "أخبار فلسطين". و"محمد خاص" الذي أصدر "الشروق". و"جميل الشوا" الذي أصدر "الشرق الأوسط". و"إبراهيم حنضل" الذي أصدر "البشير". وغيرها من الصحف والمجلات.
هذه الصحف كانت تصدر دون انتظام وسرعان ما توقفت بعد أعداد قليلة، لذلك ظلت محدودة الانتشار وتكاد لا تعرف في الضفة الغربية، لهذا كان إسهامها في الحركة الثقافية والأدبية متواضعا، ولم تلعب دورا في بلورة حركة أدبية في قطاع غزة، لهذا اتجه كتاب القطاع نحو الصحافة التي بدأت في الظهور في الضفة الغربية، كالشعب (1972)، والفجر (1972)، والطليعة (1976)، والميثاق (1979)، وغيرها، وهي صحف يومية أو أسبوعية مختصة بالسياسة الا أنها خصصا على صفحاتها ركنا للأدب كان بمثابة منبرا لكتاب قطاع غزة والضفة الغربية. وكان لصدور مجلات متخصصة في الأدب والثقافة تطورا كبيرا للحياة الأدبية في الأراضي المحتلة، ومن هذه المجلات وهي الأبرز: البيادر، والكاتب، والفجر الأدبي.
وكانت مجلة "البيادر" والتي صدرت في العام 1976، تعتبر أول مجلة أدبية متخصصة في الأراضي المحتلة، وقامت بدور ريادي في بلورة وتطور المشهد الأدبي في الأراضي المحتلة، فعلى صفحاتها برزت أسماء شكلت فيما بعد الحركة الأدبية الفلسطينية في الأراضي المحتلة، ومن الأسماء الأدبية في قطاع غزة التي ساهمت في إنشاء المجلة والكتابة فيها: غريب عسقلاني، عبد الله تايه، زكي العيلة، محمد أيوب، صالح زقوت، وليد الهليس، وصبحي حمدان.
وكذلك اتجه كتاب قطاع غزة نحو صحافة الحزب الشيوعي في الأراضي المحتلة عام 48، وهي: الاتحاد، والجديد، والغد. بحثا عن منبر لكي ينشروا نتاجهم الأدبي. مع العلم أن هذه الصحف والمجلات كانت ممنوعة في قطاع غزة والضفة الغربية، وكان يتم تهريبها مع العمال الذين يعملون داخل إسرائيل.
ـ دور النشر:
بقيت موضوعة النشر تتخبط في متاهات ومحاولات غير مستقرة، حتى العام 1974، وهو العام الذي تأسست فيه أول دار للنشر في القدس، وهي: صلاح الدين (1974)، وبعدها توالى تأسيس دور النشر فكانت الكاتب، وابن رشد، وأبو عرفة، والأسوار في عكا (1976)، وهذه الدور ساهمت في تطور حركة الأدب عموما والقصة خصوصا، حيث قامت بنشر الأعمال الأدبية لأدباء فلسطينيين، وإعادة طباعة أعمال لكتاب عرب أو فلسطينيين يعيشون في المنفى، ومعظم الكتابات القصصية الأولي لكتاب قطاع غزة صدرت عن هذه الدور.
ـ جامعات الضفة:
شكلت جامعات الضفة الغربية رافدا أساسيا في دعم الحركة الأدبية والثقافية في الأراضي المحتلة، حيث كانت تنظم الندوات والأمسيات الأدبية للأدباء والكتاب، كما قامت بتنظيم المسابقات القصصية بين الكتاب، ففي عام 1977 نظمت جامعة بيت لحم مسابقة لكتاب القصة القصيرة في الضفة والقطاع، وفاز من بينهم بجائزة القصة من غزة القاص غريب عسقلاني عن قصته "الجوع"، وقامت جريدة الاتحاد الحيفاوية بنشر القصص العشر الفائزة بالمسابقة.
ـ جمعية الملتقى الفكري بالقدس:
ساهمت هذه الجمعية من خلال دائرة الكتاب التي أنشأتها في عام 1980 في دعم القصة القصيرة، حيث قامت بإصدار مجموعات قصصية مشتركة عام 1981، كان لكتاب قطاع غزة مساهمات فيها. كما نظمت المهرجان الوطني الأول للأدب الفلسطيني في الأرض المحتلة ما بين 15ـ 18 آب/ أغسطس عام 1981 بالقدس.
ـ اتحاد الكتاب الفلسطينيين:
كان لجمعية الملتقى الفكري ودائرة الكتاب فيها الدور الأبرز في تأسيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين في عام 1980، وساهم كتاب غزة: غريب عسقلاني، وزكي العيلة، وعبد الله تايه، ومحمد أيوب، وصبحي حمدان، وغيرهم في وضع اللبنات الأولى للاتحاد مع إخوانهم في الضفة الغربية. ولعب الاتحاد دورا أساسيا ومركزيا في النهوض بالحركة الأدبية والثقافية في الأراضي المحتلة، ويعمل منذ تأسيسه وحتى اليوم على احتضان الحركة الأدبية في قطاع غزة، فقد قام بنشر العشرات من الكتب الأدبية من شعر وقصة ورواية ومسرح ونقد أدبي، كما نظم العديد من الندوات والأمسيات والمسابقات الأدبية.
إن العوامل السابقة ساهمت بشكل كبير في رسم المعالم الحقيقية للمشهد القصصي في قطاع غزة منذ منتصف السبعينات، حيث بدأت مجموعة من الشباب في كتابة القصة ونشرها في الصحافة المحلية، وهؤلاء الشباب هم: عبد الله تايه، زكي العيلة، غريب عسقلاني، محمد أيوب، وصبحي حمدان. وهؤلاء هم الذين أسسوا للقصة في قطاع غزة، وانتقلوا بها من حالة الرومانسية إلى الواقعية والرمزية، حيث نشر "عبد الله تايه" مجموعته الأولى "من يدق الباب" (عام 1977)، ونشر "زكي العيلة" مجموعته الأولى "العطش" (عام 1978)، ونشر "محمد أيوب" مجموعته الأولى "الوحش" (عام 1978)، ونشر "غريب عسقلاني" مجموعته الأولى "الخروج عن الصمت" (عام 1979)، ونشر صبحي حمدان مجموعته الأولى "عرس الجماجم" (عام 1982). وهؤلاء نحتوا في الصخر لكي يؤسسوا للقصة في قطاع غزة مكانة في المشهد الأدبي الفلسطيني والعربي، رغم الحصار الثقافي آنذاك وسيف الرقيب الإسرائيلي.
هذه المجموعات القصصية كانت اللبنة الأولي التي شيدت صرح الحياة الأدبية وعمقت المشهد القصصي في قطاع غزة. ومازالت هذه الأسماء تبدع وترفد الحركة الأدبية والمشهد الأدبي في قطاع غزة، بل في الأراضي الفلسطينية بالإبداع من قصة ورواية.
إن الجيل الثاني الذي أبدع في ظل هؤلاء الكتاب، قد استفاد من تجربتهم فلم ينتج أدبا على أرض جرداء، كما كان الجيل الأول، بل وجدوا التربة مهيأة وجاهزة للإبداع والعطاء الأدبي، ومن هؤلاء: حبيب هنا، عثمان أبو جحجوح، عمر حمش، محمد أبو ضاحي، محمد نصار، منصور ثابت، ومحمود عفانة.
أما الجيل الثالث وهو جيل الشباب، يلمس الدارس لفنهم القصصي وجود فجوة كبيرة بينهم وبين من سبقوهم من كتاب القصة، إذ لم يتكئوا على تراثهم، بل استقوا فنهم من الثقافات الحديثة التي اطلعوا عليها من خلال دراساتهم الجامعية أو قراءاتهم الثقافية. ومن الكتاب الجدد للقصة: طلال أبو شاويش، عاطف أبو سيف، تيسير محيسن، احمد جبر شعت، عبد الحق شحادة، يسري الغول، علاء الدين كاتبة، وغيرهم.
وهذا التقسيم لمعنى الجيل هو تقسيم وهمي، لأنه لا ثمة فصل أو قطع بين الأجيال بل هي متداخلة، حيث أن كتاب الجيل الأول (السبعينيات) مازالوا متواصلين مع كتاب الجيل الثاني والثالث، إنما التقسيم هو نوع من تحديد لفترات تاريخية.
في بدايات المشهد القصصي في قطاع غزة لم تظهر امرأة كاتبة للقصة القصيرة، قد يكون للأوضاع التي عاشها الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال دور في عدم ظهور المرأة الكاتبة، وكذلك للأجواء المحافظة التي تحكمها العادات والتقاليد في المجتمع الغزي علاقة باختفاء المرأة خلف هذا الستار. ولكن بعد أن اندحر الاحتلال وخرجت المرأة للعمل وشاركت الرجل في مسؤولية الحياة والمعيشة، وساهمت الجامعات والمراكز الثقافية والجمعيات الأهلية في إعادة بلورة نظرة المجتمع للمرأة، أصبح لدينا كاتبات للقصة القصيرة، ونشرن إنتاجهن في مجموعات قصصية، وهن: هداية شمعون، نهيل مهنا، سماح الشيخ، وسما حسن. ورغم أن تجربتهن القصصية في مراحلها الأولى، الا أننا نستطيع القول بأنه أصبح للمرأة في قطاع غزة مساهمات في الكتابة والإبداع القصصي.
بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية، تشكل في قطاع غزة فئتين من الكتاب، الفئة الأولى هي التي كتبت القصة تحت الاحتلال وكانت تقيم في قطاع غزة، والثانية هي التي قدمت مع السلطة وأقامت في قطاع غزة، وأخذت تنشر القصة في القطاع، وهؤلاء هم: خليل حسونة، رجب أبو سرية، زيد أبو العلا، يحيى رباح، عون الله أبو صفية، علي عودة، وعبد الوهاب أبو هاشم.
لقد بلغ عدد كتاب القصة القصيرة في قطاع غزة بعد عام 1967 وحتى عام 2009 نحو (37) كاتبا وكاتبة، منهم (30) من الذين كانوا مقيمين في قطاع غزة، و(7) من الذين عادوا إلى قطاع غزة، وأنتج هؤلاء نحو (71) مجموعة قصصية، منها (54) كتبها الذين كانوا مقيمين في قطاع غزة، و(17) من الذين عادوا إلى قطاع غزة. ومن بين هؤلاء جميعا (18) قاصا وقاصة نشروا مجموعة قصصية واحدة.
وهنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه على المشهد القصصي في قطاع غزة، هل يمكن اعتبار كل من كتب قصة قصيرة ونشرها، أو نشر مجموعة قصصية، كاتب قصة قصيرة؟. وهذا السؤال يدفعنا إلى السؤال الأهم، من هو الذي يمكن لنا اعتباره كاتبا للقصة القصيرة؟.
في رأينا أن كاتب القصة القصيرة هو الذي أصدر عددا من المجموعات القصصية لا تقل عن ثلاث مجموعات، وضمت نحو (30) قصة قصيرة وليست أقصوصة، وكذلك من كتب نفس هذا العدد ونشرها في الصحف والمجلات المحلية أو العربية، ولم يتمكن من نشرها في كتاب، بشرط القيمة الفنية والأدبية للقصص. أما من أصدر مجموعة قصصية لا يمكن لنا أن ننفي عنه صفة الكاتب ولكن لا نعتبره كاتب قصة قصيرة، إنما لديه تجربة في كتابة القصة القصيرة، يمكن أن يتواصل في تجربته أو يتوقف عن كتابة القصة، أو يتجه إلى شكل أخر من الكتابة كالرواية مثلا أو النص المسرحي.