

متنفَّس عبرَ القضبان «١٣١»

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران ٢٠١٩ (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
أصدرت كتاباً بعنوان "زهرات في قلب الجحيم" (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع) وتناولت تجربتي مع الأسيرات حتى أواخر شهر آذار 2024، حين تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.
ونشرت في حينه خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي.
عُدت لزيارة الدامون لمواكبة وضع حرائرنا وما آلت إليه حالتهن بعد انقطاع دام 12 يوماً بسبب الحرب على إيران؛
وجدت الوضع كارثيّاً؛ قمعات متكرّرة، اقتحامات الزنازين برفقة الغاز والكلاب، أسيرات حوامل يعانين الأمرّين، مريضات سرطان إهمال طبّي صارخ، دون علاج، طفولة سليبة، انتهاكات دائمة للخصوصيّة، كاميرات في كل مكان، بما فيه "العيادة"، تجويع وضرب وصراخ... ونحن كعادتنا نستنكر بشدّة ونُحمّل المسئولية...
عقّبت ريغان من أمريكا: "شكراً جزيلاً على تبليغها خبر اعتناقي الإسلام. أتمنى لو رأيت ابتسامتها. إن شاء الله يكون ذلك قريباً.
وعقّبت الإعلامية والكاتبة باسلة الصبيحي من المنافي والشتات: "لا شيء يمحو من ذاكرة الشعور هذا الذي يعيشه الأسرى. إنه جحيم اليقظة والواقع. محبتنا وفائق احترامنا لشخصك الكريم أستاذنا على ما تبذل من جهود كي نظل على قيد المعرفة بما يحصل خلف تلك الجدران اللعينة.
وعقّب عماد عبد الله (والد الأسيرة رماء): "ومن قلب مكلوم وجسم مجروح بنفس الجرح أنا أدعو لها بالسلامة والفرج القريب لكافة الأسيرات الحرائر الخنساوات، فلكِ الله دكتوره ولجميع الأسرى والأسيرات، وأخصك وابنتي الأسيرة. [رماء عماد بلوي] الحامل بشهرها السادس والأم لطفلتين [لمار ويافا]
وعقّبت فاطمة جوهر (أخت الصديق المقدسيّ إبراهيم جوهر) من الشتات: أنا نفسي أعرف هؤلاء الفضليات، منهن المعلمة والدكتورة والمهندسة والمحامية وجميع التخصصات ما هو الجرم الذي قُمنَ به حتى يعتقلوهن في نص الليل ويروعوهن ومن ثم يعذبوهن. حسبنا الله ونعم الوكيل. والله لولا جهود الأستاذ حسن ما علمنا من أخبارهن شيئا، ولا ندري أن هناك شيئاً كهذا. وفقك الله أستاذ حسن وجزاك خيرا كثيرا".
وعقّبت الأسيرة المحرّرة والكاتبة نادية خياط: "بارك الله في جهودك المستمرة لاطلاع العالم على ما يجري في سجون الاحتلال ومعاناتهم وإنسانيتهم".
وعقّب عبد الهادي زيتاوي: "الاستاذ حسن نقطة ضوء تشق ظلام السجون نطل من خلالها على اخواتنا الحرائر المعتقلات. انه بحق مناضل ووطني صادق اخرج لفضاء الحرية انتاجات الاسرى الادبية وابداعاتهم وعرفنا بهم وبأعمالهم واشعارهم ورواياتهم. عرفنا قصصهم وآلامهم وآمالهم. لم يعد الاسير أسيرا بل كان فكره يطوف فضاء الحرية من خلال الاستاذ حسن عبادي. نسأل الله ان يحفظ الاستاذ حسن وأن يمن على اسيراتنا واسرانا بالفرح العاجل."
وعقّبت إيمان حلبي (أخت الأسيرة إسلام وابنة الأسيرة دلال الحلبي): "أستاذ حسن ربنا يجزيك كل الخير ويكون بعونك عاللي بتسمعه و بتشوفه أكيد مش سهل إنك تشوف حرائر بتعرضن لهيك وحشية بالسجون إن شاء الله الفرج قريب ربنا يجعل السجن برد و سلام عكل الأسيرات اللهم أطعمهن من جوع وآمنهن من خوف، اللهم اجمعنا بهن وهن في خير حال.. لا حول ولا قوة إلا بالله".

"مشتاقة أزور قبر إمّي"
زرت ظهر الأربعاء 25 حزيران 2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب، لألتقي بالأسيرة شيماء إبراهيم أبو غالي (مواليد 15.06.1986) من الحارة الشرقية بجنين، طبيبة أسنان ووالدة عمر.
أوصلتها بدايةً سلامات ابنها عمر (13 عام، عيّد وقضاها بالمطاعم، بحبك واشتقلك وهو زلمة وقائد مثل ما وصّتيه) فدمعت عيناها وسرحت للحظات، وعادت لتحدّثني عن لحظة الاعتقال؛ "يوم 29.04.25 وجِه الصبح، خبط ع الباب، كميّة جنود أضعاف اللّي إجوا يدوّروا على أخوي المطارد، كنت بملابس النوم، لبست اليانس تبع حياة إمي ولبست عبايتها (دخلت فيها ع السجن وبنام كل ليلة حاضنتها لأنها من ريحة إمي)، أخذوني ع المخيم، عمارة أبو الهيجا، من الصبح حتى الليل، بنفس الطابق كانت عملية هدم، أخذوني بعدها للمركز الطبي وفتّشوه بالكامل، ومن هناك للجلمة، ثم الشارون، نشكر الله بس 12 ساعة، مش نظيف، معفّن، مليان حشرات، فار ميّت تحت البرش، تفتيش مهين، ثم الدامون وطقوس استقبال مذلّة ومهينة".
وفجأة تنهّدت قائلة: "افتقد ابني، وزيارة قبر أمي (الشهيدة فايزة أبو غالي-أم عبد الله، استشهدت يوم 11.03.25) وشغلي.
الوضع في الدامون سيئ جداً، وصار أصعب بفترة الحرب الأخيرة، 3 قمعات وتفتيش عاري بالكامل مرتين لكل الأسيرات، ورشّ بالغاز، وهناك بنات تبهدلوا أكثر من هيك، سبّ بألفاظ نابية جداً، تهديد بالاغتصاب، ضرب مبرح، مقابلات مخابرات وتهديد، الأشناب مسكّر كل الوقت (بفتحوه بس للوجبات)، الحمام ربع ساعة لعشرين بنت، وكل الوقت صراخ ومسبات شخصية (وإحدى الأسيرات جروح/ ضرب/ مسبّات، الكلبشات فاتت على إيديها – تواصلت مع أهلها مباشرة حين انتهيت من الزيارة وأخبرتهم).
شيماء بغرفة 11 (برفقة إسلام شولي، لينا محتسب، سلام كساب، شيرين الحمامرة وآية الخطيب).
وفجأة قالت: "وجودي هون مِنحة، مشتاقة لابني عمر ولشغلي وأزور قبر إمّي، بعزّيني إنها بتزورني دايماً بالأحلام وبعبطها، بدّي أطلع قويّة ع شان إخوتي، أنا مش بس أم عمر، أنا أم عبد الله وأحمد، الأسرى، وبنفسي ألبس المريول في العيادة".
قلقانة عالقواوير بغرفتها وبدها يسقوهن مرّة بالأسبوع.
كم كانت فرحة وسعيدة حين أخبرتها أنّ محمود عمل حجّ بدل إمها ومشتاقلها وبستنّى اللحظة اللي تطلع فيها، وكذلك حين أوصلتها سلامات أخيها عبد الرحمن (مرتو اسلمت ولبست حجاب وبتسلم عليكي وبتدعيلك).
طلبت إيصال سلامات الصبايا لأهاليهن.
"المدلّلة"

بعد لقائي بشيماء أطلّت الأسيرة شهد ماجد عبد المجيد حسن (مواليد 10.08.2002) من عين السودان/ رام الله، معلّمة لغة عربية في المدارس الإنجليزية برام الله.
بادرت قائلا: فكرّتك محضّرتيلي فنجان نسكافيه؟ فابتسمت قائلة: "من عيوني"، وأردفت "النسكافيه للوالد بعمله بحب، وأكيد مشتاقله"، أكيد شذى تواصلت معك؟ هاي توأم روحي واشتقت لمناداتها "شهّودة".
وفجأة قالت بانفعال: "مبارح كانت قمعة غير شكل، مع اليماز وكلاب، قنابل صوت، حالة رعب، ربّطونا لورا، تفتيش عاري جماعي لكثير صبايا، نزّلوا راسكم، ما راعوا الحالات الطبيّة، الغرف زلزال، عجّبوا علينا، رشّوا القسم غاز، إهانات مش طبيعيّة، بشّعوا بخمس أسيرات -تواصلت مع أهاليهن مباشرة حين انتهيت من الزيارة وأخبرتهم-ضابط المخابرات وسّخ كثير مع إحدى الصبايا: بدّي أغتصبك، وحكي سافل".
الوضع في الدامون لا يُطاق، أصعب بكثير ممّا كنّا نسمع، الفورة ربع ساعة تشمل حمام، الأشناب مسكّر كل الوقت وبفتح بس للوجبات، قمعات متتالية؛ 13.05، 10.06، 13.6، 24.06 (القمعة الكبيرة).

شهد بغرفة 6 (برفقة إباء الأغبر وبنان أبو الهيجا).
وفجأة قالت: "مش جاي ع بالك تسمع عن الاعتقال؟ داهمونا فجر 05.03.25، ع السحور، بهمجيّة ووحشيّة، مسبّات وشتائم وتهديد ووعيد، أخذوني لبيت إيل، ومنها لعوفر، ومنها للشارون (ليلة واحدة، كوابيس ورعب)، ومنها للدامون.
الأسيرات الجدد؛ آية أبو ناب/ القدس-طمرة، شيرين الحمامرة، سلام كساب، ميرفت سرحان/ غزة، رهف خُفّش (مريضة سرطان) وسندس دراغمة.
طلبت إيصال سلاماتها للأهل "سلام لبابا وماما، مشتاقة لكم كثير وكل ما بقرّب موعد الإفراج بتخيّل لحظة اللقاء معكم، في حالة صار تمديد كونوا واثقين أني راضية وصابرة وكل القسم مسمّيني "المدلّلة" من كثر ما بحكيلهم عن حنيّتكم ومعاملتكم إلي. راجعة قويّة أكثر مما بتعرفوني دلّوعة بابا، إنشا الله قريب برجع أعملّه نسكافية وبصير أشرب معه"،
ولشذى: "كل أسيرة بتدخل بتحكيلي عن حنّيتك والأشيا اللي بتنزليها، ورايحه أحكيلك كل النهفات اللي عشتها بهالتجربة"،
وتبارك لتسنيم وإصرار ولادة المثنّى، وبتسلم على شيماء وعمران "صوّرولي دايماً يوسف ومريم"، وتبارك لسلسبيل وأمجد الحمل الجديد وصورولي كرمل، وكذلك لشذى ومحمد، وسلامات لعبيدة وعبد المجيد.
طلبت إيصال سلامات الصبايا لأهاليهن ورسالة لصاحباتها: "أختاركم لو خيّروني بينكم وبين نور عيوني".
لكن عزيزاتي شيماء وشهد أحلى التحيّات، والحريّة لكن ولجميع أسرى الحريّة.