الاثنين ٤ آب (أغسطس) ٢٠٢٥
بقلم حسن عبادي

متنفَّس عبرَ القضبان «129»

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/ أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛

أصدرت كتاباً بعنوان "زهرات في قلب الجحيم" (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع) وتناولت تجربتي مع الأسيرات حتى أواخر شهر آذار 2024، حين تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.
ونشرت في حينه خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي.

عُدت لزيارة الدامون لمواكبة وضع حرائرنا وما آلت إليه حالتهن؛

وجدت الوضع أصعب وأصعب، أسيرات حوامل يعانين الأمرّين، أكل شحيح وحالته مُزرية، فتيات صغار دون فوَط صحيّة، أمّهات وجدّات يتُقْنَ لعناق صغارهن، أسيرات يعيّدن عيد الأضحى المبارك للمرّة الأولى بعيدات عن اللمّة العائليّة، شهادات قاسية حول مراسيم الاعتقال والتنكيل والعذاب، حرمان مطلق من الزيارات والتواصل مع العالم الخارجي، ونحن صامتون صمت أهل القبور، وأحياناً، ومن باب رفع العتب، نشجب ونستنكر ونحمّل المسئوليّة.

عقّبت الأسيرة المحرّرة شروق شرف: "يا الله حسبنا الله ونعم الوكيل... عاد خالتي أم خليل إذا قعدت عالأرض صعب تقوم كيف إذا زتوها وركبها بوجعوها يي عليي... الله يفرجها يا رب ويهونها عليهم ويجعل الحرية قريبة يا الله... الله يرضى عنك يا أستاذ ويبارك فيك وفي جهودك".

وعقّبت أمال شيخة (والدة الأسيرة كرمل الخواجا): "أستاذ حسن أنت بمثابة الجسر بين الحرية والأمل، شكرا لأنك تحفظ رسائلهن من أن تضيع في الزنازين. أنتَ شاهدٌ وعدالة، وقلمٌ لا ينكسر في وجه القيد." الفرج القريب لابنتي كرمل خواجا ولجميع الأسيرات، هؤلاء هن بنات فلسطين. بنات الحرية. قلوبنا معكم ودعواتنا تحيط بكم دائما".

وعقبت فاطمة جوهر من الشتات: "إنها لتعجز الكلمات أمام هذه التضحيات وهذا الكفاح. الحمد لله أن بعثك الله لتكون حلقة الوصل بين الأسيرات والأهالي، ولتسلط الضوء على ما يتعرضن له وعلى أوضاعهن. إن عملك لا يقدر بثمن أيها الأستاذ المتفاني بحب الوطن. جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك وشكر الله لك".

وعقّب غالب مزيد (والد الأسيرة ديانا): "بارك الله فيك وجزاك الله خير الجزاء يا رب. أستاذ حسن ما قصرت والله كل الاحترام والتقدير لك على جهودك الجبارة في نقل الحقيقة والاطمئنان على أسيراتنا الباسلات وخاصة ابنتي ديانا غالب مزيد. الفرج القريب العاجل لها إن شاء الله ولجميع الأسيرات البطلات الله يقويهن ويكون معهن والفرج القريب العاجل لهن إن شاء الله ولا نقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم. والدك وأمك وإخوانك يحبونك، وتالا وزيد وآدم وعرين ورنا وزوج عرين وخطيبك جواد يدعون الله أن تكوني بيننا عاجلاً غير آجل يا رب، المجد والعز والفخار لك ولجميع الأسيرات".

وعقّبت آلاء شاهين (أسيرة محرّرة): "يسعد صباحك. كل يوم بغسل وجهي بدموع أستاذ حسن. ما أصعب الدامون وما أحقر القمعات فيه! كانوا الفجر قمعاتهم وضرب وصراخ طول القمعة الي مدتها ممكن تكون ساعتين متتاليتين. وأم خليل الله يعينها دايما ماسكة القرآن وتقرا بالغرفة وكانت دايما تحكيلي بس احفظ بنسى، بطّلت أذكر اشي وبضل تفكر بأحفادها طول الوقت الله المستعان. واحنا في الدامون كانوا البنات دايما يذكروك ويحكوا الله يرحم أيامك يا أستاذ حسن".
وعقّبت زهرة محمد من مخيّمات اللجوء: "يا ويل قلبي عليها... وعليهم كلهم. لا توجد امرأة في العالم، تعاني وتناضل كما المرأة الفلسطينية، يلدن الشهداء والفرسان، وهن الفارسات في قيادة مركب النضال والشرف. الحرية لها ولجميع الفارسات وفرساننا الأبطال يا رب. شكراً لك من القلب أستاذ... وأنت الوجه الآخر لهم، تحيا معهم خارج القضبان، ببسالة، وشرف، واقتدار. كل الاحترام لك والتقدير".

وعقّب عماد عبد الله (والد الأسيرة الحامل رماء): "آه. وآلف آه. لقلب احترق ولا زالت النيران تتقد به ومشتعلة ألف حسرة وحسرة على زمن ضاعت فيه النخوة، الفراق زاد وزاد معه الشوق والحرقة لي بنية في السجن ترقد ولم أستطع رؤيتها أو الاطمئنان عليها. لي بنية في بطنها جنين يرقد معها سجينا. لي بنية لها طفلتان يذكرانها متى ستعود أمي لم أجب، لم أعرف، خجلت من سؤالهما أي بنية متى اللقاء؟ متى الفرج؟ متى الحرية؟ عسى أن يكون قريبا. والد الأسيرة. [رماء عماد البلوي] راجيا من الله الفرج القريب لكل الأسرى والأسيرات".

وعقّب أشرف محمد حشيش (زوج الأسيرة سامية): "أتقدم بجزيل الشكر والامتنان للمحامي حسن عبادي الذي لم يتوانَ عن التطوّع بزيارة حرائر سجن الدامون بما فيهن زوجتي حاملاً إليها دفء قلوبنا، وناقلاً منها إلينا صلابة صبرها وثباتها وكلماتها التي بلسمت جراح الشوق، لقد كنتم جسرًا من نور بيننا، ويدًا كريمة امتدت وسط العتمة، فلكم منا أسمى آيات التقدير والعرفان على إنسانيتكم ومروءتكم. جزاكم الله عنا خير الجزاء، ورفع قدركم في الدنيا والآخرة".
"بدّي إيّاه للترويحة"

زرت صباح الثلاثاء 10 حزيران 2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة ديانا غالب عبد الكريم مزيد (مواليد 11.03.2001) من قرية عنبتا/ طولكرم.

"اليوم قمعونا بعد الفجر مباشرة"؛ هكذا استقبلتني ديانا لتخبرني بتفاصيل القمعة الصباحيّة، "زتّوا أم خليل (سبعينيّة من غزة) على الأرض، وأجبروا (ي) مريضة القلب تقعد على الأرض غصباً عنها ممّا أدى لهبوط ضغط الدم، وحدتين اقتحمن القسم، السجّانين واليماز (بلبسوا كحلي) وفتّشوا الغرف، إحداها تفتيش عاري بالكامل- مش غرفتنا- وكل الوقت صراخ ومسبّات. اليوم ما في فورة. طلّعوا ربى (خوليا) ولازم توزع الأكل خلال نص ساعة".

حدّثتني عن زميلات الزنزانة رقم 3 (شاتيلا، ياسمين شعبان، بنان أبو الهيجا، شهد حسن، وربى دار ناصر) وباقي الأسيرات في المعتقل، وعن الوضع المزري في سجن الدامون.

حدّثتني عن الاعتقال فجر 31.05.25 ع الأربعة، اقتحمت المنزل كتيبة عسكرية، جيبات إثنين بوز النمر، وجيب عادي، حوالي عشرين مجنّد ومجنّدة، خلعوا باب الدار، طلّعوا أهل البيت، عرفني الضابط وطلب جوّالي، تفتيش البيت بفوضويّة عارمة، جولة في البيت، جيبي الهويّة، شدّني من شعري لإصراري على لبس النقاب، كلبشة وتغميض ومسبات" ورحلة العذاب مروراً بمعبار نيتساني عوز (مستوطنة ضمن حدود ال 48 على أراضي طولكرم)، ودرب الآلام (فوّتوني لغرفة فيها 3 شباب مكلبشين ومغمّضة عيونهم، وبعد مرور بضعة ساعات أحضروا معتقل إضافي، والساعة 12 الظهر نقلوني إلى سجن الشارون سيئ الصيت، تفتيش مهين ومُذلّ وسب وشتم، وكانت موجودة في ذات الزنزانة المعتقلة سناء دقة، وبعدها إلى تحقيق في سالم حتى وصول الدامون.

وفجأة سرحت قليلاً؛ اشتقت لخطيبي جواد، وما ينساني بالدعاء، وكمان إمي.

طلبت إيصال سلامات حارة لوالديها، بدها تطمّن على تالا وآدم (أولاد أختها عرين)، وزيد (ابن أخوها وقّاص)، وشو مع حمل زوجة وقّاص؟ وينتا مسافرة نيكول (زوجة أخوها أحمد)؟ ودار حماها وبدها تطمّن على آدم والتوجيهي، وسلام.

طلبت إيصال سلاماتها وقلقها لأخيها مؤمن المحتجز في سجون السلطة في أريحا.

عيّد ع الكلّ باسمي.
وفجأة قالت: "الأربعا الجاي، 18.06 مناقشة مشروع التخرّج (طالبة هندسة صناعيّة، جامعة النجاح).
قدّمت شكوى بخصوص فقدان النقاب "بدّي إيّاه للترويحة". خرجت ديانا من السجن يوم الخميس: 26/6/2025، واحتفلت بتخرجها يوم السبت: 28/6/2025 في جامعة النجاح.

"كلّه هبل بهبل"

حين أنهيت لقائي بديانا أطلّت الأسيرة سامية ياسر موسى جواعدة (مواليد 10.01.1976) من قرية سكا/ دورا/ الخليل، وصُدمت حين رأيتها في الساحة، مكلبشة الأيدي والأرجل، مغمّضة العينين بشاشة سوداء، وتجرجرها سجّانة، ويرافقها سجّانان آخران، إجراءات ما بعد السابع من أكتوبر.

"يوم 27.02.25، الواحدة ونص بالليل، اقتحم المنزل حوالي 20 مجنّد، فقط للفوبيا والأكشن، وما توقّعت جيّتهم، وما عرفت لمين. قلتلهم: هالقدّ أنا مهمّة؟ لو طلبتوني بالتليفون كنت جيتكم لحالي". أخذوني لمعسكر وخلّوني برّا بعزّ البرد، وبعد كم ساعة فوّتوني لغرفة باردة كثير، وحوالي الساعة ثمانية نقلوني لكريات أربع، ومنها لتحقيق 22 يوم في المسكوبيّة، وكلّه على بوستات هبل بهبل، ومنها للدامون.

حدّثتني عن زميلات الزنزانة رقم 6 (ريهام موسى وسناء دقة)، وزميلات المعتقل، وعن ظروف الدامون القاسية. اليوم فش فورة، قمعة وجه الصبح، دفشوا سهام (أم خليل، سبعينيّة من غزة) بوحشيّة، وصار لهم 3 أيّام بركّعونا ع العدد!
وفجأة سرحت وقالت: "مشتاقة لأشرف (زوجها) وللكل. حلمت أنّه كاتب قصيدة شعر عامودية بورقتين وكثير انبسطت بالحلم". ابتسمت وقرأت على مسامعها تعقيب له على صفحتي:

"إلى زوجتي سامية جواعدة في الدامون
يا أيها الدامون فيك حبيبةٌ
مسحت على صدر الجريح عذابه
أبلغ ربى حيفا عن الجرح الذي
يحكي بنزف شيبه وشبابه
حيفا وددنا أن نزورك حرة
بالنصر لا بالقيد... يا لغرابة"
فانفرجت أساريرها "إساه بالعِلِم انبسطت أكثر وأكثر".

أبلغتها أنّ أشرف زرع لها ثلاث شجرات عنب وتينة وخوخة وأثمرن بفضل الله، ينتظرن خروجها للقطاف. ضحكت وقالت: "ولاو، شو السيرة، صرن مثمرات؟"، فقلت لها "يحق للشاعر ما لا يحقّ لغيره".

يؤلمها وضع التعامل مع ملف الأسيرات "بدنا وقفة جادّة، ليش إحنا هون؟ ليش المحامين بماطلوا بالقضايا، تأجيلات كلّ الوقت؟ هذا التعامل جريمة".

طمّن أهلي كثير؛ شمس تشدّ حالها، محنة ستتحول لمنحة بإذن الله، ورايحة تغيّر بحياتنا كثير. خلّيها ع قدّ المسئولية. نور: إن شالله بحضر تخرّجك (طب) وتخرّج شمس كمان (هندسة حاسوب)، ومحمد: شدّ حالك، وفارس: تمتّع بالعطلة وإذا في دورات خذ.

مشتاقة للمدرسة (معلمة أحياء ومختبرات طبيّة).

أوصلتها سلامات أخوها موسى (دكتور كيمياء في جامعة خضوري)؛ "توأم روحي، وربّنا يفرّح قلوبكم بتفوّق عبد الرحمن".
طلبت إيصال سلامات حارة لإخوتها وخواتها "خواتي: خزّنولي ورق عنب أخضر بمرطبانات".

طلبت إيصال سلامات أسيرات لأهلهن.

طمّنهم عنّي كثير.

لكن عزيزتيّ ديانا وسامية أحلى التحيّات، والحريّة لكن ولجميع أسرى الحريّة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى