الثلاثاء ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠٢٥
بقلم حسن عبادي

متنفَّس عبرَ القضبان «128»

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛

أصدرت كتاباً بعنوان "زهرات في قلب الجحيم" (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع) وتناولت تجربتي مع الأسيرات حتى أواخر شهر آذار 2024، حين تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.
ونشرت في حينه خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي.

عُدت لزيارة الدامون لمواكبة وضع حرائرنا كي لا تستفرد بهن سلطة السجون؛

وجدت الوضع مأساوياً تقشعر له الأبدان، أسيرات حوامل دون رعاية، أمّهات محرومات من عناق أبنائهن، جدّات حُرمن من أحفادهن، جامعيّات تم إبعادهن عن مقاعد الدراسة، شهادات حول طقوس الاعتقال والتنكيل والتفتيش المهين، وشتم الذات الإلهيّة ع الطالع والنازل، حرمان مطلق من الزيارات والتواصل مع العالم الخارجي، ونحن صامتون صمت أهل القبور.
عقّب عماد عبد الله (والد الأسيرة رماء): "اللهم إليك نشكو قلة الحيلة وعذاب الفراق والسجن، هذا طريق الموت البطيء، اللهم يا مجيب الدعاء، أنا ملهوف متعب حزني كبير وألمي يعتصر قلبي.... يسّر وسهّل سجن بنيتي ومهجه القلب. [رماء] اللهم فرجا قريبا وجمعا مع عائلتها وبناتها.... يا رب. ويا الله..... والدك عماد"

وعقّبت الأسيرة المحرّرة هناء صالح: "كنا نستنى الأستاذ حسن على نار عشان نعرف لسه في دنيا في ناس برا كيف يلي عايشة بقبر ما بيعرف ولا شيء عن الدنيا برة".

وعقّبت فاطمة جوهر من المنافي والشتات: "حسبنا الله ونعم الوكيل ما هذا القهر اين مؤسسات حقوق الإنسان التي يتغنى العالم بها؟ ما هذا القهر والاستعباد؟ ماذا فعلت هؤلاء الحرائر؟ دمت نورا ساطعا ينير عتمات الظلم والقهر أيها الشهم المناضل الأستاذ حسن عبادي كثر أمثالك وجزاك الله خير الجزاء"

وعقّبت الصديقة نورا الحمدان: "بوركت جهودكم أستاذ يا نصير الأسرى والأسيرات قصص تدمع القلب يا رب فرجا عاجلا لجميع الأسرى والأسيرات"

وعقّبت إيمان الحلبي (ابنة دلال): "ماما الغالية الحنونة أسرك غصة في القلب. كل يوم بمر أصعب من اللي قبله، طول عمرك إنسانة صابرة ومحتسبة ربنا كتبلك تتحملي الغربة عن البلاد اللي بتحبيها وتتحملي الأسر ومرارة الظلم فيها ربنا يفرج كربك انت وباقي الأسرى والأسيرات ويفك أسركم ويجمعنا فيكم عخير... كل الشكر والتقدير أستاذ حسن، ربنا يجزيك كل الخير"

"كل الحكاية… ماما مش هون"

زرت صباح الاثنين 09 حزيران 2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة رماء عماد عبد الله بلوي (مواليد 26.06.1993)، معلّمة لغة إنجليزية في مدرسة الأقصى (شويكة)، من قرية كفر اللبد/ طولكرم.

رماء حامل (نُصّ السادس)، متزوّجة ولها بنتان – يافا ولمار، قلقة على وضعها التعليميّ ودراستهما. دمعت عيناها حين أخبرتها بأن يافا ولمار قد رفعن يوم الأسير لافتة تحمل صورتها وكُتب عليها "كل الحكاية...ماما مش هون".

حدّثتني عن الاعتقال "ليلة 25.02.25 ع الثلاثة الفجر، 6 مجنّدين ومجنّدة، كلبشة وتغميض ومسبات وشتائم وضرب وما خلّوني أغيّر أواعيي" ورحلة العذاب ودرب الآلام حتى وصولها الدامون.

حدّثتني عن زميلات الزنزانة رقم 2 (فداء عساف، وحنين جابر وزهراء كوازبة) وباقي الأسيرات في المعتقل، وصلت للتوّ أسيرتان جديدتان: الدكتورة انتصار عواودة (الخليل) وأسيل حماد (بيت فوريك)، وعن الوضع السيئ في سجن الدامون، تنكيل متواصل على مدار الساعة (مبارح كان قمعة وضربوا أسيرتين)، وضعها كحامل صعب جداً، "أخذوني فحص السونار (Ultrasound) في مستشفى رمبام والحمل تمام"، الأكل بقوليات "بِعمل نفخة إلي وللجنين (عبّود)، ضيق نفس وبفوت بضغط، وما في علاج غير: إشربي ميّة". أربعة شهور ونفس الوزن رغم الحمل.

مياه الشرب بالفورة مالحة، وبالغرف مع كلور.

قلقة بسبب الحمل والولادة بعمليّة "متوقّعة بأّول شهر أيلول".

طلبت إيصال سلاماتها لوالديها "يمّه خلّيك إدعيلي"، أخوتها وخواتها وأولادهم، أختها ثراء "بحبّك وبفكّر فيك، ديري بالك ع حالك وعلى بنتك وبناتي، خلّيك قويّة"، وأختها مرام. ودار حماها، طمّنهم، الحمل منيح.

وأخيراً زوجها حسام والبنات (بكاء مرير ونحيب): "بحبّكم كثير، عبّود بسلّم عليكم ومشتاقلكم".

طلبت إيصال سلامات أسيرات لأهلهن.
عيّد ع الكلّ باسمي.
حين افترقنا وعدتها ببدء حملة دوليّة لإطلاق سراحها وعبود لتلد خارج القضبان.

"وينتا حفلة تخرّج سعد؟"

مباشرة بعد لقائي برماء مباشرة، التقيت بالأسيرة دلال فواز يوسف حلبي (مواليد 08.03.70)، كانت مدرّبة بالإمارات عشرات السنوات، من قرية روجيب/ نابلس.

حدّثتني بدايةً عن الاعتقال؛ "ليلة 29.01.25 ع الثلاثة وِجِه الصبح، وِحدتين عسكريّة من عصيرة الشماليّة وروجيب، كلبشة وتعصيب عينين ومسبات وضرب" ورحلة عذاب حتى وصولها الدامون، وتبيّن لاحقاً أنّهم سرقوا الذهبات وأموال، على حدّ قولها، وقامت بتقديم شكوى بهذا الخصوص، (مصريّات أقساط التعليم لفواز وسعد -طلبة طب في الخليل) وحين تبيّن أنه لا شبهة أو دليل ضدّها تم اعتقالها إداري لأربعة شهور، وتم التمديد لأربعة شهور أخرى.

حدّثتني عن زميلات الزنزانة رقم 7 (آية خطيب وكرم موسى) وباقي الأسيرات في المعتقل، قمعة مبارح "مستكلبين"، والتضييقات، وتركيعهن ساعة العدد المقيت، "الأشناب" (كلمة عبريّة تعني "الطاقة" الصغيرة التي تتوسّط البوابة الحديديّة للزنزانة والتي تُغلق من خارج الزنزانة) مسكّر كل الوقت ويُفتح فقط لتوصيل وجبات الأكل، وتم حرمانهن من طقوس عيد الأضحى، ومُنعت المعايدات بين الغرف. فش نظافة شخصيّة للبنات، فش ماكينة حلاقة، فش مشّاطة (في بنات ما مشّطوا شعرهن من 10 أشهر وبمشّطن بتمرير أصابعهن بين الشعر، وفش فوط صحيّة "البنات الصغار بستعملوا البشاكير وشقف البطانيات".

قلقة عل ابنها محمد وصهرها إيهاب المعتقلين في سجن مجيدو، وأحفادها (حور وحلا وأحمد؛ والدهم إيهاب معتقل في مجيدو، ووالدتهم إسلام معتقلة في الدامون، يا هل تُرى -كيف بقضوا آخر الأسبوع في روجيب؟)، وقلقة على ابنتها تسنيم وأولادها شام وقدس وحمادة، وتتساءل– شو وضع بنتها اللي خلّفتها بالسيارة؟ وقلقة على ابنتها إيمان وابنها، وتسجيل محمد في نقابة المهندسين الأردنيين) ومشتاقة للكل.

طلبت إيصال سلاماتها لأبو محمد وتسنيم والأولاد كلهم، وسلامات أسيرات لأهلهن، وآية مُصرّة تعرف شو جبولها هديّة من العقبة؟

حين افترقنا قالت فجأة: "بالله عليك، شوفلي وينتا حفلة تخرّج سعد؟"

لكن عزيزتيّ رماء ودلال أحلى التحيّات، والحريّة لكن ولجميع أسرى الحريّة.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى