الأربعاء ٢٤ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

لم ننشغلْ بالغياب

أحمد جار الله ياسين

لم نكنْ ننشغلُ بالغيابِ أبداً
كانت القبورُ بالنسبةِ لنا متاحفَ جميلةً تستحقُ الزيارة
وكانَ التشييعُ احتفالاً بخلاصِ أحدِنا من نشراتِ الأخبار
وكانت الشَّارةُ السوداءُ على صورِ أحدِ الغائبين
علامةً على توقفهِ عن لعبة ِالتَّصوير
وقناعتهِ بصورةٍ أخيرة
تعلَّقُ على جدارٍ قاحلٍ في البيتِ يهجرُها الجميعُ عدا الغبار
كانت ملابسُنا التي نتركُها في الدُّولاب
كنزاً ثميناً للفقراءِ والمساكين ..
عدا ذكرياتِنا التي تنفضُها من الجيوبِ أمهاتُنا فقط
وتحتفظ بها على رفّ القلب ..
كان الغيابُ فرصةً لاختبارِ نسبةِ الدَّمع في عيونِ الأحياء
فإنْ كانت قليلةً استعاروا أحزاناً قديمة ًليتدفقَ الدَّمعُ مجدداً
وإنْ كانت غزيرةً ..بلَّلوا بها وجوهَهم لتكون
عصيةً على الجَّفافِ في الخريفِ القادم
لم ننشغلْ بالغيابِ أبداً
لأنَّ الصِّغارَ يحسُّون به لأيامٍ قليلةٍ فحسب..
ثمَّ نصيرُ برقاً عابراً في خيالهم
أما الكبارُ ..فيتسامون بغيابِنا إلى أغانٍ حزينةٍ ومواويل..
ثم يذهبون إلى النَّوم بعد قراءةِ المعوِّذات..
عدا الأمهات ..كن يبقينَ منشغلاتٍ بالغياب
فوحدهنّ من يتركنَ قطعةً كبيرة ًمن قلوبهن
في حفرِ الغائبين ..
ليستأنسوا بنبضِها في وحشةِ الظَّلام
ويستنشقوا منها الرَّيحانَ والقرنفل..
فأكثرُ ما يزعجُ الراقدين في قبو الغياب
 ويذكِّرُهم أنَّه ليس لعبة َاختباءٍ فحسب -:
تكرارُ الصَّمت
وأن لا يشمُّوا ثانيةً
عطرَ الحياة .. والأمهات.

أحمد جار الله ياسين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى