الخميس ١٦ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
الأدباء المصريون يرفضون استخراج وثيقة وفاة لقصصهم

كتابها يلعنونها والسوق يلفظها

القاهرة: إيهاب الحضري - عن الشرق الأوسط

يرفض الروائي إبراهيم عبد المجيد مقولة موت القصة القصيرة، ويرى ان قرار المؤسسة الثقافية جاء خطأ وأعطى انطباعا غير صحيح بنضوب هذا الفن في مصر. عبد المجيد عضو في لجنة القصة القصيرة بالمجلس الأعلى للثقافة المسؤولة عن منح الجائزة، لكنه ينفي عن نفسه تهمة المشاركة فيما حدث، مؤكدا أن أعضاء اللجنة ليسوا مسؤولين عن التحكيم في الجوائز، بل يمثلهم عدد محدود يختاره رئيس اللجنة. وحتى في جلسة اختيار المحكمين لم يكن عبد المجيد موجودا. توضيح يحرص على أن يؤكده قبل أن يضيف:"ما كان ينبغي للحجب أن يحدث، خاصة ان عددا كبيرا من المتقدمين كانوا يستحقون نيل الجائزة.، يصمت لحظات قبل أن يستطرد:"حتى لو فوجىء الوسط الأدبي بأن هناك حالة انهيار تمر بها القصة القصيرة، فإن دور المؤسسة الثقافية أن تعمل على تغيير الواقع لا تكريسه. غير أن متابعتي لما يكتب وينشر يؤكد أن القصة القصيرة باقية ولا يمكن لأي إنسان أن يدعي أنها ماتت".

الدكتورة عزة رشاد - قاصة مصرية

قبل سنوات أصدر الدكتور علاء الأسواني مجموعتين قصصيتين، وتعلم بعدها أن المؤلف لا ينبغي أن يبحث عن القصة أو يسعى إليها، وهو عكس ما يحدث مع الرواية التي تحتاج إلحاحا من كاتبها. يتذكر الأسواني مقولة إيزابيل الليندي: القصة القصيرة تسقط على رأسي مكتملة كتفاحة، أما الرواية فأنا أكتب يوميا حتى أراها، وأكتب يوميا حتى أكتبها. وهكذا يصل الأسواني إلى نتيجة مهمة: "تعلمت بخبرتي ألا أسعى وراء قصة قصيرة، لأنها قد تأتي أو لا تأتي، وعندما تأتي ربما تكون مفتعلة. أنا مقتنع بأن الروائي لا يكتب الرواية، بل يكتشفها. فكل روائي محمل بعدد من الروايات بداخله، ينبغي عليه أن يحاول اكتشافها. وأنا - انطلاقا من هذه القناعة - في انتظار قصة قصيرة، لم تأتني في الفترة الأخيرة، لكنني سأكون سعيدا جدا لو جاءتني". الانتظار يعني أن الأسواني غير مقتنع بأية محاولة لاستخراج شهادة وفاة للقصة القصيرة، تعليق يعقب عليه قائلا:"لا طبعا، القصة القصيرة فن باق، ولا يمكن أن ينتهى أبدا، ولن تكون جوائز الدولة هي التي تحدد ما إذا كان هذا الفن سينتهي أم يستمر".

المشكلة ليست في التعامل الرسمي فقط، بل في القناعة الشخصية لدى بعض المبدعين الذين يتعاملون مع القصة على أنها مرحلة تقود إلى الرواية، يعلق الأسواني:"صحيح أن الكثيرين يبدأون بكتابة القصة القصيرة، لكنني أعتقد أن هذا يتم لأسباب صحافية تتعلق بالنشر والمساحات المتاحة. لكن هذا لا ينبغي أن يفسر على أن كتاب القصة المتميزين غير موجودين". غير أن هناك مقولات نقدية أيضا تم تأويلها على أنها تقصي القصة من هذا الزمن. يلتقط الأسواني المغزى ويعلق:"أعتقد أن مقولة زمن الرواية هي شعار صحافي في الأساس"، لكن الذي نحته كان ناقدا كبيرا وليس كاتبا صحافيا. نعقب من جديد فيعلق الأسواني:"أنا أحترم الدكتور جابر عصفور، لكن احترامي له لا يمنع اختلافي معه، وأعتقد أن مقولته استغلت صحافيا. عموما أنا لا أعتقد أنه زمن الرواية دون القصة. فالقصة منتشرة، بل ان هناك إنتاجا روائيا أقرب إلى القصة، ويصنف تجاوزا على أنه رواية. وفي كل الأحوال، أنا غير متفق مع فكرة أنه يوجد زمن للشعر وآخر للمسرح وثالث للرواية ورابع للقصة القصيرة. الأدب يرتبط بكل الأزمنة ككيان واحد، إنه جزء من التركيبة الإنسانية».

على مدار عمره الإبداعي عرف سعيد الكفراوي كقاص، نشر اثنتي عشرة مجموعة قصصية، وظلت علاقته بالرواية حلما يتجدد. صرح أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة أنه يكتب رواية، لكنها حتى الآن ما تزال حبيسة أدراجه. وهكذا يظل انتماؤه الأساسي للقصة القصيرة التي نال بسببها جوائز عديدة عربية ومصرية، والمساس بالقصة القصيرة يعتبر نيلا من كيانه شخصيا. لهذا يعترض الكفراوي بشدة على مقولة موت القصة:"أعتقد أنها مقولة خاطئة تماما". لكن هناك من أسهم نقديا على الأقل في الابتعاد عنها، يعتقد الكفراوي: "عندما أطلق الدكتور جابر عصفور مصطلح: زمن الرواية استهوى هذا الشعار العديد من كتاب القصة القصيرة، فهجروا هذا الفن البديع إلى الرواية".

لكن الهجرة لا تعني اندثار الفن لأنها غالبا هجرة مؤقتة. هنا يتساءل الكفراوي بحدة:"كيف نعلن وفاة فن ما زال فرسانه فاعلين في واقع الإبداع العالمي؟ كيف نعلن وفاة فن كتبه تشيكوف وكافكا وبورخيس ويوسف إدريس ونجيب محفوظ وكتاب الستينات وعدد من كتاب الجيل الحالي؟ ومن يمتلك جرأة إعدام فن يمتلك قدرة التعبير عن وحشة الإنسان في هذا العالم؟" أسئلة متتابعة يحاول الكفراوي تقديم إجابات عنها، من واقع تجربته الإبداعية:"كتبت اثنتي عشرة مجموعة قصصية ولم أكتب الرواية حتى الآن، ومن خلال تجربتي أنا موقن أنه لا يوجد إبداع يموت، لكن هناك إبداع دائم قادر على التعبير عن متغيرات حياتنا وهو الرواية. كما أن هناك إبداعا أكثر قدرة على اقتحام التفاصيل وهو القصة، من خلالها عبّر موباسان عن العاهرات، وتشيكوف عن المهمشين، وعبرها غاص يوسف إدريس داخل الروح المصرية". كلمات تصل بالكفراوي أو يصل بها إلى نتيجة أكثر وضوحا وحسما:"أنا أرى ان هناك ارتدادا في العالم كله نحو القصة القصيرة. إنها الشكل الأمثل لتلبية الحاجة لقراءة سريعة وحاسمة". والنتيجة تصل به إلى عبارة أكثر تفاؤلا:" لا يوجد فن يموت طالما واكبته مواهب متميزة". غير أن العبارة المتفائلة تستدعي على الفور ما حدث في جائزة الدولة التشجيعية، فما معنى أن تقرر اللجنة حجب الجائزة عن تسعة وعشرين مبدعا من بينهم مواهب متميزة رسخت وجودها في الساحة الأدبية المصرية؟ بل أن هناك بعض المجموعات المتقدمة لقيت احتفاء نقديا عند صدورها، ألا يعني ذلك وجود خلل ما؟ فإما أن الاحتفاء النقدي اتجه إلى مجموعات لا تستحق، وهنا يصبح قرار الحجب إعلانا لوفاة القصة ومعها إعلان مواكب لمصرع الضمير النقدي في حادث مأساوي! أو أن اللجنة المنوط بها أن تختار، تحتكم لأسس تخالف السائد، أو أنها تحاول أن تقصي الريادة المصرية في هذا المجال لصالح اتجاهات أخرى خارجية. ربما يكون الاحتمال الأخير تحديدا أكثر قربا من نظرية المؤامرة، لكن البدائل كلها طرحت في الأوساط الأدبية المصرية بمجرد إعلان الجائزة. ننقل كل هذا لسعيد الكفراوي، بوصفه أيضا عضو لجنة القصة فيعلق قائلا:"كل ما حدث يعتبر خطأ تنظيميا. فقد اختار رئيس اللجنة ثلاثة أسماء للتحكيم ولم يعلم بقية الأعضاء بها. ولجنة القصة لم تقرر حجب الجوائز، ولكن من قرروا حجبها هم هؤلاء الأعضاء الثلاثة. تم هذا بشكل سري وسريع في غيابنا جميعا. وهي حقيقة يجب أن تكون معلومة للجميع، وأنا أعترض على كل هذا".

لكن الأمر لا يقتصر على جائزة هذا العام، فهو يتكرر سنويا:"دائما ما يتم تحديد جوائز الدولة بالتنسيق بين رئيس لجنة القصة وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة. وهو ما يؤدي إلى نتائج لا تعبر عن الواقع. بينما يختلف الأمر مع الجوائز التي تتبناها اللجنة وهي: جائزة نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ويوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس. في هذه الجوائز توزع الأعمال على كل الأعضاء فتأتي النتائج موضوعية"، ويعود إلى ما حدث فيقول:"أنا شخصيا من المؤيدين لمبدأ مهم أقرته لائحة جوائز الدولة، وهو أنه من حق لجنة التحكيم أن تختار من يستحق من المبدعين الذين لم يتقدموا لها وتمنحه الجائزة إذا وجدت أن كل الأعمال المتقدمة لا ترقى لمستوى الجائزة، وهو ما كان ينبغي أن يحدث هذا العام، رغم أنني أرى من خلال قراءتي لهذه المجموعات أن بها أعمالا متميزة، بل ان بعضها يستحق نيل جوائز أكبر من التشجيعية".

بعد إعلان حجب جوائز الدولة التشجيعية، كال معظم المستبعدين الاتهامات للجنة التحكيم، ووصفتهم الأديبة صفاء النجار بأنهم آباء تاريخيون، لكن مشروعهم الأدبي توقف منذ زمن طويل. كلمات صفاء فتحت بابا آخر للخلاف بين جيل يرى أنه كان النموذج الأمثل لهذه الكتابة، وجيل يرفض الاملاءات التقليدية.

الناقد مصطفى الضبع يلمح إلى هذا بدوره:"بالطبع سوف يكون الأمر بعيدا عن الحقيقة إذا قلنا بغياب القصة القصيرة. فقد بذل الكثير من المبدعين جهدا مضاعفا للخروج من أسر النموذج المعد سلفا: نموذج الكاتب الواحد الأوحد الذي رسخ في الأذهان فكرة الجيل الذي لن يتكرر". وبوصفه ينتمي إلى جيل أحدث، فإن الضبع أكثر قدرة على متابعة المنجز العربي في مجال القصة القصيرة. وهذا المنجز نفسه هو الذي جعله يرفض أي كلام عن أفولها:"متابعة ما ينشر يكشف عن أسماء تشكل مساحات في القص ليس من السهل تجاوزها. وعلينا فقط أن نوسع من دائرة الاهتمام بالأسماء الجديدة لنكتشف مساحات ما زالت مجهولة، سواء على المستوى المصري أو العربي، ربما لم تمنحها المؤسسة الرسمية قدرا من الاهتمام، من بينها: سيد الوكيل، خالد إسماعيل، عزة رشاد، أشرف حسن عبد الرحمن، هويدا صالح، منى الشيمي، صفاء عبد المنعم، صفاء النجار (مصر) إبراهيم الدرغوثي (تونس) ، بثينة العيسى، واستبرق أحمد (الكويت) فهد العتيق (السعودية). وهي أسماء للتمثيل وليست للحصر، تؤكد حضور القصة القصيرة في المشهد الإبداعي العربي، بما يكفي لمخالفة ما يظنه البعض من غيابها". الأمر قد يكون أوسع بكثير من هذه المساحات، لأن التقنيات الحديثة، تقدم خدمة استثنائية لفن القصة القصيرة، يوضح الضبع:"عملت شبكة الانترنت على توسيع الدائرة بالقدر الذي أصبح من الصعوبة بمكان أن نتابع هذا التدفق من كتاب القصة القصيرة الذين وجدوا متنفسهم في فضاء الشبكة. وهي مساحة تشهد تقدما واسعا في استيعاب أسماء قادرة على تقديم نتاج متميز في المستقبل".

القاهرة: إيهاب الحضري - عن الشرق الأوسط

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى