الأربعاء ٢٤ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

كانسر

حسين عبد الجليل عايش

أمي
أويُمكنُ أنْ يكونَ أخي؟
هذا الذي في بطنكِ
إلّا أنَّ أبي قد رحلَ منذ سبع عشرة سنة
ولم يمسسكِ بشرٌ
كيف تسلَّلَ إليكِ اذن؟
من أين جاء؟
وأنتِ لم تذهبي نحو جهةِ الظلامِ
كنتِ دائماً بيضاء
تعيشين في الصباحات
وتحت ظلال الله
لا تعرفين الحيلةَ ومراوغةَ المجازِ
والآن
أيُّ جُذعِ نخلٍ ستهزِّينه؟
ما الأسمُ الذي سنُطلقه عليه؟
وهو يمد ُّجسمَه داخلَ روحكِ
سيُشبهُ من؟
هل سيُشبهكِ؟
كيف؟
ووجهكِ الرحيمُ لا يُمكنُ أنْ يكونَ وحشاً
أوسيُشبه أبي وهو ليس من صُلبه؟
وكما اذكر أن أبي الفلّاح لم يطلقه آنذاك
حبسه في الصدر كسرٍّ
وما زفر زفرة واحدة
كَمَدَه؛
كي لا يخرج من رئته
خوفاً أن يلقحك عبر الريح
واختنق
بصمتٍ
من دون تنهيدة أو حسرة
حمله معه وراح إلى ماوراء الحياة
وبقيتِ أنتِ وحدكِ واقفة
كيف لو أنه يُشبهني؟
وقد سرقَ ملامحي
وكما تدرين
أنا آخرُ أخوتي الذي كنتُ فيكِ
أنا آخرُ العنقودِ يا أمي
كيف لي أن أرجعَ إليكِ؟
كي أعلِّمَه البرَّ
من سمحَ له أن يأخذَ مكاني
ويأكلَكِ شيئاً فشيئاً
حتى أحتلَّ بيت الخصوبة
وصار يجول فيه
هدمَ الرحِمَ وتخلَّص منه
ومزق الأحشاءَ وحوَّلها إلى أنابيبَ
أمتصَّ من خلالِها رحمةَ وجهكِ
حتى صرتِ صفراء
كليمونةٍ
ورحتِ تُعصَرين في إناء الموت
قطرة ً
قطرةً
قطرة
وبعد تسعةِ أشهرٍ من الحملِ
ما جاء المخاضُ
والجنينُ
فخَّخَ نفسه وانفجرَ
من دون أسمٍ ولا صورة
وحملكِ خفيةً وأخذكِ بعيداً
أمي أرجوكِ
اتركي يدكِ معي كي لا استوحشَ العالمَ
وتجرني المدينةُ نحو غربتها
أُريدُ يدكِ التي كنتِ تهُزِّينني عليها يساراً ويميناً
كي أنامَ على ترنيمةٍ شعبيةٍ منك
أُريدُ يدكِ التي كنتُ أُمسكُها
وأُعلِّقُ نفسي متشبثاً بها
أتمرجحُ
قافزاً وضاحكاً
عند ذهابكِ إلى السوق
والرجوعِ منه
أُريدُ يدكِ كي تصفعني برحمتِها
وتدلَّني طريقَ النبوّةِ
أُريدُ يدكِ التي تربتُ على كتفي عندما يُثقلني الحزنُ
وتسرقني ريحُ الدمعِ في آخر الليل
وأنت تدرين أنَّني مازلتُ طفلاً يا أمي …

حسين عبد الجليل عايش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى