قلب معلّق في الغيم
ـ 1 ـ
على غِرارِ أنفاسِكِ
أكتُبُ…
فكلُّ حرفٍ لا يُشبهُ عطركِ
أمزّقُه،
وأعتذرُ من الورقِ
لأنّه لم يتعلّم بعدُ
طريقةَ الانحناءِ لجمالكِ.
أيّتها الساكنةُ في تفاصيلِ الوقت،
يا مَن تُربّينَ في صدري
حدائقَ من لهفةٍ،
وتُثيرينَ في دمي
عاصفةً لا تتوب.
كيفَ لشفتيكِ
أن تُعيدا صياغةَ العالَمِ
بهمسةٍ واحدة؟
وكيفَ لعينيكِ
أن تشرعا أبوابَ الليل
لتُدخِلاني
إلى سماءٍ لا نهايةَ لها؟
أحبُّكِ…
نعم، بالصيغةِ التي
تُربكُ القواميس،
وتجعلُ النحاةَ
يتركونَ عملَهم
ليتتبّعوا خطأً
تصنعُهُ قُبلتُكِ.
أحبُّكِ…
كما لو أنّ الكونَ
اتّسعَ على مقاسِ أصابعكِ،
وكما لو أنّ قلبي
لم يُخلق
إلّا ليتدرّبَ
على طريقةِ نبضِكِ.
تعالي…
لنجلسَ على حافّةِ الوقت،
نُطفئُ آخرَ أنينٍ في المسافة،
ونتركُ للريحِ
مَهامَّ حملِ أسرارِنا
إلى الغيم.
تعالي…
فحُبّي لكِ
ليس قصيدةً،
بل وطنٌ صغير
أُقيمه
على كتفَيْكِ.
ـ 2 ـ
بينكِ والحُلم
أكتُبُ…
فكلُّ سطرٍ لا يعرفُ طريقتَكِ في اللمس،
أُعيدُه إلى الصفر،
وأُلقِّنُه أبجديّةَ حضورِكِ؛
علَّهُ يتعلّمُ كيف ينهضُ من نفسه
حين تمرّين.
بينكِ والحُلم
مسافةٌ من الضوء
تتلعثمُ كلّما ابتسمتِ،
وليلٌ ينسى سوادَه
إذا عبرَتْهُ خطوتُكِ
مثلَ صلاةٍ تُفتَحُ لها النوافذ.
يا أنتِ…
يا الراحلةَ في دمي
كأنّكِ تعرفينَ الطريقَ
من غيرِ خريطةٍ،
وتدقّينَ على قلبي
حتّى ينهضَ
ويُعيدَ ترتيبَ نبضِه
وفقَ ما تشتهين.
كيف ليديكِ
أن تُرمّما هذا العالمَ
بلمسةٍ واحدة؟
وكيف لضحكتكِ
أن تصنعَ فجرًا
قبل موعدِه؟
وكيف لي
أن أعودَ كما كنتُ،
بعد أن صار اسمُكِ
علامةَ تنفّسٍ
في صدري؟
أحبُّكِ…
بالطريقةِ التي تُربكُ الأسئلة،
وتجعلُ الحروفَ تتلعثمُ
خشيةَ أن تُسيءَ وصفَكِ.
أحبُّكِ…
كما لو أنّ الحُلمَ
خرجَ من نومه
ليجلسَ قربكِ،
وكما لو أنّ العالَمَ
تعلّمَ الدقّة
من انتظامِ خطواتكِ.
تعالي…
لنعلّقَ الوقتَ على المِشجب،
نتركهُ يستريح،
ونصنعَ لنا لحظةً
لا يقدرُ الغيابُ عليها.
تعالي…
فما بينكِ والحُلم
ليس غزالةَ وهمٍ،
بل وطنٌ صغير
أمدُّه بذراعَيَّ،
ويتنفّسُ
بابتسامتِكِ.
ـ 3 ـ
أخشى عليكِ
أخشى عليكِ من هذه الحرب…
ليس لأنّكِ ضعيفة، بل لأنّ العالَمَ حين يشتعل
يتحوّلُ القلبُ، مهما كان صلبًا،
إلى شظيّةٍ تبحثُ عن صدرٍ آمن.
أخشى عليكِ
من ليلٍ يطولُ أكثرَ ممّا يجب،
ومن خبرٍ يأتي بلا طرقٍ على الباب،
ومن ريحٍ تعبرُ المدن
وكأنّها تجمعُ أسماءَ الغائبين.
أخشى عليكِ
لأنّكِ من أولئكِ الذين
يُخفون الحنانَ تحت كلماتٍ قليلة،
ويحملون الآخرينَ على أكتافِهم
من غير أن يسألوا عن وزنِ الأحزان.
وأخشى عليكِ أكثر
من لحظةٍ تصمتينَ فيها
فتصيرُ كلُّ الأسئلةِ قذائفَ معلَّقة،
وكلُّ الإجاباتِ ترتجفُ
كشمعةٍ في ممرٍّ مهجور.
ابقي قريبة…
فالذين نُحِبّهم
لا نريدهم أن يصبحوا
خبرًا في آخر النشرات.
ـ 4 ـ
لأنّكِ وشاحٌ أبيض
لأنّكِ وشاحٌ أبيض،
تلتفّين على جرحِ الأيّام،
فتصيرُ الحربُ—على قسوتها—
أقلَّ ظلامًا ممّا تظنّه المدنُ المُرهَقة.
ولأنّكِ حين تمرّين
يهدأ ضجيجُ الجنودِ في رأسي،
وتغدو الطرقُ المكسورة
أقربَ إلى ممرٍّ
يعبرُه العائدون.
أنتِ بياضٌ
يُنقّي الهواءَ من رائحةِ الخوف،
ويُعيدُ ترتيبَ الليل
كما لو أنّ القمرَ
كان يبحث—منذ سنوات—
عمّن يعلّقه فوق كتفيه.
ولأنّكِ وشاحٌ أبيض،
أُعلّقه على روحي،
كي لا يُصيبَها ما أصابَ الشوارعَ
من غبارٍ وفقدٍ وتعب،
ولكي أعرفَ—وسط هذا الخراب—
أنّ في العالَمِ ظلًّا نقيًّا
يمكنني الاحتماءُ به…
يبدأُ منكِ .
