الخميس ٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
لمحة نقدية
بقلم كاظم الشويلي

قصص سنية عبد الشمري

لا خير في قصة قصيرة او أي نص أدبي وهو لا يحمل رسالة ومغزى ومضمون هادف، ما أكثر الركام الكتابي الذي نطالعه يوميا، لكن النصوص التي تمنحك ثمرة مفيدة، وتجعلك تتأمل وتتوقف قليلا لمراجعة الذات، قليلة جدا، وفي خضم بحثنا عن جديد المثقف العراقي، اقتنصنا هذه القصص القصيرة جدا للقاصة المبدعة سنية عبد عون الشمري، ورأينا ان نعرج على مضامينها الإنسانية والاجتماعية...

 فكان النص الأول الموسوم (لم يكن أصما)، يشير إلى انغلاق الإنسان على ذاته وأنانيته وتفسخه في عصر التقنية الحديثة وافتقاره الى أواصر المحبة والرحمة والتواصل مع بيئته ومجتمعه، ثم هناك الإشارة الأكبر وهي الاستبداد الحكومي في العالم الثالث الذي لا يسمح للإنسان بممارسة حقوقه الطبيعية التي منحها الله له، ويبدو أن القاصة سنية الشمري قد أدانت الفرد والحكومة على إغراق هذه السيدة او المعنى الأخر وهو الأمة، نطالع السرد الرائع للقاصة المبدعة سنية وهي تدين العالم الثالث عشر! نطالع براعة النص:

 (وضع نظارة داكنة على عينيه وسماعة داخل أذنه و تمدد على رما ل الشاطئ منتشيا بسماع صوت مطربته المفضلة.... اصطنع سريرا ومظلة حين اقتربت الشمس من توسط السماء..... لم ينتبه إلى أن إحدى السيدات قد ماتت غرقا.. ولم يلفت نظره كل الصخب الذي سببته الحادثة المؤسفة.... حين سأله المحقق من بين جمع غفير ممن سألوا.. أجاب. لم أر شيئا.. ولم أسمع.. فاستغرب المحقق وسأله هل أنت أصم؟؟ قال... لا...أنا....(.......). إنما أعيش في بلد من بلدان العالم الثالث عشر.. وليس من عادتي الانتباه إلى من يموت أو من يحيا..)

 ونلحظ في النص الثاني الموسوم ب (الضلالة)، ان القاصة المبدعة تدين اصحاب الشهادات المزورة، وهي تنقدهم وتتهكم منهم بسخرية لاذعة، حيث تصور هذا المتلبس بشهادة الدكتوراه عبارة عن إنسان محتال يحاول ان يلتف على الصحفي الذي يحرجه ثم يحاول ان يلصق به تهمة الضلالة والبدعة وان يشرعن عمله، لكن القاصة المبدعة تنهي النص ببراعة لتجعل المتلقي يكمله بوعيه وثقافته:

(الصحفي.... أتسمح لنا د. (.......)... هناك لغط عند الناس حول حقيقة حصولكم على شهادة الدكتوراه.. هل من توضيح؟ أجاب الدكتور: في الحقيقة.....ليست هناك حقيقة....بل هناك شك... وعليه.. واحتياطا.. ولكي أكون صادقا معك أكثر.. ومحتاطا أكثر ولكي لاتقع في الضلال.. سؤالك هذا بدعة صحفية.. وكل بدعة ضلالة.. وكل ضلالة في النار..).

وأما (بنات آوى) النص الثالث فقد انتقد وبشدة الانحدار والانحطاط الإنساني، حيث ان الكلاب السائبة تحمل تأويل أخر في النص، ويبدو ان هذه القصة تشير الى الطارئين على الحالة الجديدة التي يعيشها البلد، و محاولات الكل لتزكية النفس من هذه التهمة، وادعاء البعض وتبجحه بنزاهته ووداعته خلاف الأخريين، انها التفاته ذكية من القاصة سنية الشمري:

(اشتكى أحدهم من ظاهرة كثرة انتشار الحيوانات السائبة في السنوات الأخيرة. أجابه صاحبه....أنا وأنت حيوانات سائبة أيضا... كل ماهنالك إنهم من فصيلة بنات اوى.. وانا وانت من فصيلة الأرانب الوديعة..).

 ونطالع نص (عشبة الخلود) فهو نص جميل مثل بقية النصوص وقد رسمت القاصة وبدقة شخصية الانتهازي الذي كشف عن قناعه وانتهازيته، فهو بدا متبرعا لأجل إنقاذ المرضى، لكنه تنصل عن إنسانيته وتبرعه عندما نال مبتغاة، سرد جميل، وعبرة دامغة، نتابع:

 (شد حزامه فوق وسطه ليتسلق الجبل متبرعا.... كانت هذه محاولته الأولى لجلب العشبة التي تزرع في قمة الجبل والتي أوصى بها الأطباء من اجل إنقاذ حياة ملايين المرضى ممن يصارعون الموت بأنفاسهم الأخيرة. حين اعتلى قمة الجبل.... نظر حوله مزهوا....قهقه عاليا....الحياة لي...... والعشبة لي.....وكلكم أقزام(...!!!!

 أما النص الأخير (نبل) فهو خاتمة القصص القصيرة وكأن القاصة تريد القول ان رغم وجود اللامبالاة في النص الأول والزيف في النص الثاني والادعاء في النص الثالث والانتهازية في النص الرابع فأن النبل والخلق الرفيع تمتلكها النخلة، والمفارقة الكبيرة التي أدخلتنا القاصة إليها هي أن النخلة غير إنسان، لكنها، رغم ذلك فهي اطهر وارفع وأنبل من الإنسان الزائف في زمن الانحطاط:

(تخلت النخلة عن لقبها وأعلنت في مؤتمر صحفي لها...إنها ليست عمة لأحد....فهي خجلة.....فقد.....أضحت. ثمارها... حشفا)..

أقول أخيرا أنها نصوص قصيرة رائعة جدا، مكتنزة بالمعاني والدلالات العميقة، وإنها عبارة عن صرخات وبطاقات حمراء لكل سلوك يخالف الطبيعة البشرية من قيم وأخلاق ومبادى، فتحية للقاصة المبدعة سنية عبد عون الشمري وهي تصنع لنا من كلمات مضغوطة معاني كبيرة ونصوص رائعة تبهر المتلقين..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى